#

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
فقد قال الله تبارك وتعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ التوابون هم الذين يتوبون من المعاصي وأما المتطهرون فهم الذين يتطهرون من الحدث والنجس، الذين يتطهرون من الحدث والنجس. وأما معنى التوبة فهي الرجوع إلى الله تعالى، العبد المسلم العاصي توبته بأن يندم على ما فعل، على المعصية التي فعلها يندم ويعزم أن لا يعود إليها. فإذا استشعر قلبه بالندم على ما فعل وعزم أنه لا يعود إليها، إلى تلك المعصية، فهذا هو التوبةـ فما كان من المعاصي لا علاقة له بحقوق بني ءادم فتوبته يكفي فيه الندم والعزم على ترك العود. أما ما دام ينوي الشخص أن يعود إليه ذلك ليس توبة، كما يفعل بعض الناس إذا جاء رمضان ينوون أن لا يعودوا إلى الخمر ونحو ذلك من المعاصي وفي نياتهم أن يعودوا بعد انتهاء رمضان، بعد خروج رمضان. فذلك ليس توبة، إنما التوبة هو أن يعزم الرجل أن لا يعود إلى المعصية. التوبة هي أن ينوي العبد أن لا يعود إلى المعصية، وأكبر ركنٍ في التوبة هو الندم، ندم القلب، أي استشعاره بالندم على ما حصل منه من المعصية، أن يندم على ما فعل من المعاصي، هذا الركن الأعظم في التوبة. ثم بعد ذلك العزم على أن لا يعود إلى المعصية، العزم على أن لا يعود إلى المعصية، فهذان هما ركنا التوبة.
وأما المعصية التي تتعلق بحقوق بني ءادم فيشترط لصحة التوبة منها أن يخرج من المظلمة، فإن كان ضرب إنسانًا ظلمًا فإن توبته لا تصح إلا بأن يخرج من مظلمة هذا الإنسان الذي اغتابه، الذي ضربه ظلمًا. إن ضرب مسلمًا ظلمًا فإن توبته لا تصح حتى يندم ويعزم على أن لا يعود ويخرج من مظلمة ذلك الشخص الذي ضربه ظلمًا. وكذلك إن كان شتمًا وسبًّا، من سبّ إنسانًا مسلمًا لا تصح توبته إلا بأن يخرج من مظلمة هذا الذي سبّه ويندم ويعزم أنه لا يعود لسبّ مسلم.
أما إن ردّ له بالمثل، هذا سبّ ابتداءً ثم ذاك الذي سُبَّ ردَّ له بالمثل بلا زيادة، السبّة بالسبّة والسبّتان بالسبّتين والثلاث بالثلاث بلا زيادة، يكون أخذ مظلمته، ليس عليه إلا أن يندم ويعزم أنه لا يعود لسبّ المسلم، هذا توبته.
أما إن سبّ هذا المسلم المسلم الآخر بشىء، ثم ذلك سبّه بمسبات كثيرةٍ فهذا لو ندم، عزم أنه لا يعود لسبّ مسلم بعد ذلك ما صار تائبًا، ما تاب، ما تاب، فذمته مشغولة، ذمته مشغولة بمظلمة هذا المسلم. وأما إذا لم يسبّه، الشخص الذي سُبَّ، لم يسبَّ ذلك الشخص لم ينتقم منه، فهذا خير له، هذا خير له عند الله وإن كان عند الناس يقال عنه فلان جبان، فلان جبان، لكن ذلك لا يضره عند الله، لو قيل عنه فلان جبان، فذلك خير له عند الله، إذا لم يكافىء السبّ بالسبّ فسكت فذلك خير، ثم إذا عفى قال له اتق الله وأما أنا فقد سامحتك كان ذلك أفضل. هذا المسلم الذي سبّه إنسان فإن ردّ بالمثل ليس عليه ذنب، الذي ردّ لأنه استوفى حقه أما إن زاد فعليه ذنب، والأفضل من ذلك أن يسكت، ثم الأفضل من هذا أن يسامحه حتى لا يطالبه في الآخرة بالأخذ من حسناته، لأن الإنسان المسلم إذا ظلمه مسلم في هذه الدنيا، فإذا لم يتخالص في الدنيا بالاستسماح أو بِرَدّ ذلك الشىء الذي أخذه منه ظلمًا فإنه يوم القيامة يقتص منه بالأخذ من حسناته. ثم الله تبارك وتعالى يعاقبه إن شاء لحقه.
المسلم إذا سبّ مسلمًا، فهذا الذي سبّ عليه إساءتان: إساءة لأنه عصى ربه، وإساءةٍ لأنه ظلم هذا المسلم، عليه إساءتان. ثم إن أخذ حقه بأن سبّه من غير زيادة، سبّه بقدر ما سبّه، سبّه بقدر ما سبّه البادىء، أخذ حقه، فليس بينهما في الآخرة مخاصمة، لأن هذا أخذ حقه منه في الآخرة، لا يطالبه بشىء.
لكنه بقي عليه حق الله. فالله تعالى إما أن يعذبه لحقّه وإما أن يسامحه. والأفضل من ذلك أن يسكت ولا ينتقم منه بالسبّ، والأفضل من هذا أيضًا أن يسامح أن يسامح، بمعنى أنه يقول له أنا سامحتك بدل أن ينتقم منه، يقول له أنا سامحتك، بدل أن ينتقم منه يقول له أنا سامحتك، هذا أفضل عند الله تعالى. لأن الله تبارك وتعالى مدح العافين أي الذين يعفون فقال ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾.
كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يسمى جابر بن سُلَيْم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "يا رسول الله علمني مما علمك الله" قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن امرؤ شتمك بما يعلم فيك "فلا تشتمه بما تعلم فيه" . هذا من باب الأفضل لو شتم بالمثل كان يجوز له ما عليه ذنب، لكن لما ترك شتمه يكون صار عند الله أفضل، صار عند الله تعالى أفضل، وإن كان في هذا شىء من الصعوبة على النفس. الناس الذين لم تتنور بصائرهم بنور التقوى يقولون أنا الآن إن سكت ولم أرُدّ يقولون عني فلان جبان، فيه صعوبة على النفس عند الناس في ذلك صعوبة. النفس تستصعب هذا، لكن ذلك عند الله لها خير، لأن النفس ميّالة إلى الشر، ميّالة إلى حب العلو في الأرض، ميّالة إلى حب السيطرة على الناس بالباطل، النفس هكذا شأنها إلا الذين طهرهم الله تعالى.
ثم إذا أخذ حقه في الدنيا فليس له في الآخرة قصاص له من ذلك المسلم، انتهى ما بينه وبين ذلك المسلم، انتهى، ليس بينهما في الآخرة قصاص لكنه إذا كان لم يتب من سبّ المسلم، لم يتب، يكون عليه عذاب لحق الله تعالى في الآخرة، إلا أن يسامحه الله. فالأنبياء ثم الأولياء شأنهم أنهم يسامحون، أنهم يعفون ويصفحون. فكان هذا الشخص الذي كان من أصحاب الرسول الذي اسمه جابر بن سُلَيْم بعدما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، بعد ذلك إلى ءاخر حياته ما سبّ إنسانًا ولا دابة، ما سبّ شيئًا من الإنسان ولا الدواب بعد ذلك. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مسرعين لتطبيق أوامر الله تبارك وتعالى، كانوا مسرعين مبادرين لتطبيق أوامر القرءان والحديث، ما كانوا مثلنا، فهذه الكلمة الواحدة الذي كلمه الرسول بها "إن امرء شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه" من تلك الساعة إلى أن مات ما سبّ إنسانًا ولا دابةً.

Tags: فيديوهات مختلفة , رمضان كريم