كتب ومتون قصص الأنبياء
 قِصةُ الملائكة ضيوف لوط عليه السلام

قِصةُ الملائكة ضيوف لوط عليه السلام

قصص الأنبياء

قصص_الأنبياء أمام إصرار قوم لوط على كُفرهم وطغيانهم وانغماسهم في المنكرات والفواحش وعدم الإيمان بنبي الله لوط عليه السلام، سأل لوط عليه الصلاة والسلام ربَّه النُّصرة عليهم لما أصروا على كفرهم وتمادوا في غيّهم، قال تعالى حكاية عن نبيه لوط عليه السلام: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة الشعراء/169]، وقال: ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ [سورة العنكبوت/30].
أراد الله تبارك وتعالى نصر نبيه لوط وإهلاك أُولئك الكفار الخبثاء فأَرسل الله عز وجل إلى قوم لوط ملائكة كِرامًا لإهلاكهم وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ليقلبوا قراهم عاليها سافلها ويُنزلوا العذاب بهم وكانت لهم مدائن أربع، وكان عددهم يزيد على أربعمائة ألف.
فمرّ هؤلاء الملائكة الكرام في طريقهم إلى قرى قوم لوط على إبراهيم الخليل عليه السلام بأمر الله تعالى وكانوا قد تشكلوا بصورة رجال حسان الوجوه فبشّروه بغلام حليم وهو إسحاق عليه السلام ومن وراء إسحاق يعقوب، وأخبروه أنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط أهل سدوم وتوابعها وأنَّ الله أمرهم بإهلاك أهل هذه المدائن الذين كانوا يعملون الخبائث وتدميرها، وعندما سمع إبراهيم عليه السلام ما قال له الملائكة وما أُرسلوا به من العذاب تخوّفَ على ابن أخيه لوط عليه السلام أن يصيبه القلق فقال لهم: إنّ فيها لوطًا، فأخبروه بأنهم أعلم بمن فيها وأنّ الله عز وجل سيُنجي لوطًا وأهله إلا امرأته الكافرة التي لم تؤمن به وصارت تعين أولئك الكافرين على هذا العمل الخبيث، يَقُولُ الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [سورة العنكبوت 31-32]. ﴿قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * إِلاَّ ءالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [سورة الحجر 58-60].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [سورة هود/74] قيل: إنّ سيدنا إبراهيم خليل الرحمن كان يرجو من قوم لوط أن يُجيبوا نبي الله لوطًا ويُسلموا ويُقْلعوا عن غيّهم وضلالهم، لذلك لما علم أن رسل الله الملائكة جاءوا لينزلوا العذاب بقوم لوط ويدمروا عليهم قراهم صار يُجادلهم في ذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [سورة هود 75-76]، قيل: إن رسل الله الملائكة الكرام عندما سمعوا جدال إبراهيم في قوم لوط قالوا له: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ يعني الجدال ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ﴾ أي بعذابهم أي قد جاء عذاب ربك فليس بمردود لأن الله قد قضى به.
تنبيه: يظن بعض جهلة المتصوفة أن معنى أواه أن إبراهيم كان يذكر بآه وهذا غير صحيح، فإن الأواه من يُظهر خشيةَ الله تعالى كما ذكر الراغب الأصفهانيّ في المفردات، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: "الأوّاه: الرحيم" رواه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح.
خرجت الملائكةُ من عند نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام وتوجهوا نحو قرية سدوم وهي أكبر قرى قوم لوط في الأردن، وكانوا قد جاءوا بصور شبان جميلي الصورة اختبارًا من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم، ولَمّا وصلوا القرية عند الظهيرة جاءوا إلى نبي الله لوط فدخلوا عليه في صورة شبان مُرد جميلين تشرق وجوههم بنضارة الشباب والجمال ولم يخبروه في البداية بحقيقتهم، فظن نبي الله لوط أنهم ضيوف جاءوا يستضيفونه فرحّب بهم وخَشِي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، ولكنه عليه الصلاة والسلام اغتمّ من دخولهم عليه وقت الظهيرة لأنه خاف عليهم من أولئك الأشرار المجرمين، ولا سيما أنهم كانوا من حيث الصُورة في منتهى الحسن والجمال، وخشي أن يكون قد رءاهم واحد من قومه حين دخلوا عليه فيذهب فيخبر قومه، لذلك أشفق نبي الله لوط عليهم وخاف من قومه أن يعتدوا عليهم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [سورة هود/77] أي شديد بلاؤه حيث كان يدرك خبث نفوس قومه وفساد طويتهم، وكان قومه عليه السلام قد اشترطوا عليه أنْ لا يُضيف أحدًا، ولكنه رأى أن استضافة من جاءه أمرٌ لا محيد عنه خوفًا عليهم من شر قومه وفسادهم وشذوذهم.
وسُرعان ما حصل ما كان يخشاه إذ خرجت امرأته وكانت امرأة كافرة خبيثة تتبعُ هوى قومها، فأخبرتْ قومها وقالت لهم: إنَّ في بيت لوط رجالا ما رأيتُ مثل وجوههم قط، وما إن سمع قوم لوط الخبر حتى أقبلوا مُسرعين يهرعون إلى بيت نبي الله لوط عليه السلام يريدون الاعتداء على ضيوف لوط عليه السلام، وأخذ نبي الله لوط عليه السلام يجادل قومه المفسدين بالحسنى ويناقشهم باللطف واللين لعلَّ فيهم من يَرتَدعُ عن غيه وضلاله، ودعاهم عليه السلام إلى سلوك الطريقة الشرعية المباحة وهي أن يتزوجوا بنات القرية وأن يكتفوا بنسائهم ولا يعتدوا.
ولكنَّ قومه الخُبثاء رَفَضوا نصيحته، وصارحوه بغرضهم السىء من غير استحياء ولا خجل وقالوا له: ما لنا في بناتك من حق ـ يريدون أنهم ليسوا في حاجة إلى بنات القرية ـ وأخبروه أنهم لا يرغبون إلا في أولئك الشبان الحسان الذين هم في بيته ضيوفًا. عند ذلك ازداد همُّه وغمُّه عليه الصلاة والسلام وتمنى أن لو كان له بهم قوة أو كان له منعة أو عشيرة في قومه فينصرونه عليهم.
يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [سورة هود 77-80]، وروى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد وما بعث الله بعده نبيًّا إلا في ذِرْوَةٍ من قومه"، وروى البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر الله للوط إنه كان يأوي إلى ركن شديد".
ويقال إنّ لوطًا عليه السلام كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وأخذ يناظر ويجادل قومه من وراء الباب وهم يعالجون الباب ليفتحوه، فلما رأت الملائكة ما يلقى نبي الله لوط عليه السلام من كربٍ شديد أخبروه بحقيقتهم وأنهم ليسوا بشرًا وإنما هم ملائكة ورسل الله قدموا وجاءوا لإهلاك هذه القرية بأمر من الله لأن أهلها كانوا ظالمين بكفرهم وفسادهم، وأمروه أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلا قبل طلوع الصبح لأن موعد إهلاكهم سيكونُ في وقت الصبح، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عما قال الملائكة لنبيه لوط عليه السلام: ﴿قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [سورة هود/81].
ويروى أنّ نبي الله لوطًا عليه الصلاة والسلام لما جَعَل يُمانع قومه أن يدخلوا بيته ويدافعهم والباب مغلق، وهم يَرومون ويُريدون فتحه، استأذن جبريل عليه السلام ربه في عقوبتهم فأذن له، فخرج عليه السلام إليهم وضرب وجوهَهم بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل: إنها غارت بالكلية ولم يبقَ لها محل ولا عين ولا أثر. فانصرفوا يتحسسون الحيطان ويتوعدون ويُهددون نبي الله لوطًا عليه السلام، عند ذلك قال نبي الله للملائكة: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، فقال لهم: لو أهلكتموهم الآن، فقالوا له: أليس الصبح بقريب، يقول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ﴾ [سورة القمر 37-38].

قصص الأنبياء

قائمة قصص الأنبياء