كتب ومتون قصص الأنبياء
 مِحْنة يوسفَ عليه السلام مع امرأة العزيز

مِحْنة يوسفَ عليه السلام مع امرأة العزيز

قصص الأنبياء

قصص_الأنبياء أقامَ يُوسف عليه السلام في بَيت عزيز مصر ووزيرها مُنعمًا مُكرمًا وكان فائق الحسن والجمال، فلما شب وكبر أحبَته امرأةُ العزيز حبًّا جمًّا وعَشقته وشغفها حبُّه لما رأت من حُسنه وجَماله الفائق. وذات يوم وقيل: كان عمر يوسف سبعة عشر عاما أرادت امرأةُ العزيز أن تحمله على مُواقعتها وما يريدُ النساء من الرجال عُنوةً، وهي في غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وغلقت الأبواب عليها وعليه، وتهيأت له وتَصَنعت ولَبِست أحسنَ ثيابها وأفخرها ودعته صراحة إلى نفسها من غير حياء وطلبت منه ما لا يليقُ بحاله ومقامه، والمقصودُ أنها دَعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحِرْص، ولكن هيهات هيهات.. وهو النبيُّ العفيفُ الطاهر المعصوم عن مثل تلك الرذائل والسَّفَاهات والفواحش وهو نبيٌّ من سُلالة الأنبياء الذين يستحيلُ عليهم الرذائل والفواحش. لذلك أبى يوسفُ عليه السلام ما دعته إليه امرأة العزيز، وامتنع أشد الامتناع وأصر على عصيان أَمرها وقال: مَعاذ الله، أي أعوذُ بالله أن أفعل هذا، ثم قال لها: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة يوسف/23] يريدُ أن زوجها صاحبَ المنزل سيدي - أي بحسب الظاهر للناس- أحسن إليّ وأكرم مقامي عنده وائتمنني فلا أخونه في أهلِه، وأنّ الذي تدعينني إليه لَظُلمٌ فَاحِش ولا يُفلح الظالمون، يقول الله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة يوسف/23].
وأمام إباء يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز، وأمام عفته وإصراره على عدم الوقوع معها في الحرام، ازدادت هي إصرارًا على الهَمِّ بالرذيلة فأمسكت به تريدُ أن تجبره على مواقعتها وارتكاب الفاحشة معها من غير حشمة وحياء، فصار عليه السلام يحاولُ أن يتخلصَ منها، فأفلتَ من يدها فأمسكت ثوبه من خَلف فتمزق قميصه، وظلت تلاحقه وهما يَستبقان ويتراكضان إلى الباب هو يريدُ الوصول إليه ليفتحَه ليتخلصَ منها يدفعُه إلى ذلك الخوفُ من الله مولاه، وهي تريد أن تحول بينه وبين البابِ تدفعُها إلى ذلك الشهوة الجامحة والاستجابة لوساوس الشيطان، وفي تلك اللحظات وصل زوجُها العزيز فوجدهما في هذه الحالة، فبادرته بالكلام وحرضته عليه وحاولت أن تنسبَ إلى يوسفَ عليه السلام محاولة إغوائها والاعتداء عليها مدعية أنها امتنعت وهربت منه فنسبت إلى يوسف الخيانة وبَرّأت نفسها، لذلك ردّ نبيّ الله يوسف عليه السلام التهمة عن نفسه وقال: هيَ راودتني عن نَفْسي، يقولُ الله تبارك وتعالى: ﴿وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾ [سورة يوسف 25-26].
وأمَّا قولُه تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [سورة يوسف/24] فمعناه أنَّ امرأة العزيز همت بأن تدفعه إلى الأرض لتتمكن من قضاء شهوتها بعد وقوعه على الأرض وهو هم بأن يدفعها عنه ليتمكن من الخروج من الباب لكن لم يفعل هو لأن الله ألهمه أنه لو دفعها لكان ذلك حجة عليه عند أهلها بأن يقولوا إنما دفعها ليفعل بها الفاحشة، وهذا معنى قول الله تعالى: ﴿لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أي لولا أنه رأى برهانًا من الله لدفعها، فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهبًا إلى الباب فلحقته فشقت قميصه من خلف فكان الدليلُ والحجة عليها ولو ضربها ودفعها لكان ضربه ودفعه إياها حجة لها عليه، لأنها تقول: راودني فمنعته فضربني.
والذي يجب أن يُعتقد أن الله تبارك وتعالى عصم نبيه يوسف عليه السلام ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها، كما صان وعصم سائرَ أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام لأنَّ الأنبياء كما أجمع علماء الإسلام أنه تجب للأنبياء الصيانة، فيستحيل عليهم الرذائل والسفاهة والجبن، ولهذا قال الله تبارك وتعالى في حَقِّ يوسف عليه السلام نافيًا عنه السُّوء والفحشاء ومُطهرا إياه من قصد الفاحشة والهمّ بالزنى ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [سورة يوسف/24].
لذلك لا يصحُّ ما يُروى عن بعض المفسرين أنه حلَّ السراويل وقعد منها مقعد الرجل من امرأته، فإن هذا باطل لا يليق بنبي من أنبياء الله تعالى، وكذلك ما في تفسير الجلالين وغيره أن يوسف قصد الزنى بها فإنه لو كان حصل هذا من يوسف لكان فيه دليل على العزم والأنبياء صلوات الله عليهم معصومون من العزم على الزنى والفاحشة ومقدماتها، قال تعالى في بيان براءة نبيه يوسف عليه السلام: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [سورة يوسف/51].

قصص الأنبياء

قائمة قصص الأنبياء