القول في أهل الكبائر

كتاب الدرة البهية

dorraBahiyyah قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَأَهلُ الكَبائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في النَّارِ لا يَخْلُدُونَ إذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ وَإنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبينَ.
الشرحُ: أن أهل الكبائرِ إنْ ماتُوا مؤمنينَ لكنَّهُم لم يَتُوبوا لا يَخْلُدُونَ في النارِ لذلكَ قالَ "وإنْ لم يَكُونُوا تائبِينَ" أيْ لَوْ لَمْ يَتُوبُوا لا يَخْلُدونَ خِلافَ ما تقولُهُ المُعْتَزِلةُ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللهَ عَارفِينَ مُؤْمِنِينَ.
الشرح معنى قولِهِ: "لَقُوا اللهَ عَارِفينَ" أي مَاتُوا عارفِينَ باللهِ ورسولِهِ، وقولِه "مؤمنِينَ" أيْ مُذْعِنِيْنَ في قُلُوبِهِم بذلكَ، هؤلاءِ لَوْ ماتوا بِلا توبةٍ لا يَخْلُدونَ في النَّارِ وَمَنْ عُذِّبَ مِنْهُمْ لا بُدَّ أنْ يَخرُجَ منَ النارِ ويَدخلَ الجنةَ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَهُمْ في مَشِيئَتِه وَحُكْمِهِ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ كَمَا ذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ في كِتَابِهِ ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ(48)﴾ [سورة النساء]، وَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ في النَّارِ بِعَدْلِهِ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إلى جَنَّتِهِ وذَلِكَ بأَنَّ اللهَ تَعَالى تَوَلَّى أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ في الدَّارَيْنِ كَأَهْلِ نُكْرَتِهِ الذينَ خَابُوا مِنْ هِدايَتِهِ وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وِلايَتِهِ اللهُمَّ يا وَليَّ الإسلامِ وأهلِه ثَبِّتْنَا على الإسلامِ حَتى نَلقَاكَ به.
الشرحُ معنى "ثم يُخْرِجُهُم منها برحمتِه وشفاعةِ الشافعِينَ" أنَّهُ مِنْ عقائدِ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ عُصاةَ المؤمنينَ الذينَ ماتُوا بِلا توبةٍ وكانوا مِنْ أهلِ الكبائرِ إذا عذبَّهُمُ اللهُ أيْ عَذَّبَ مَنْ شاءَ منهُم لا بُدَّ أنْ يُخْرِجَهُمْ منَ النارِ برحمتِهِ وشفاعةِ الشافعِينَ مِنْ أهلِ طاعتِهِ، وهؤلاءِ الشافعونَ إمَّا أنْ يَكونُوا أنبياءَ وإمَّا أنْ يَكُونوا علماءَ أتقياءَ، أو يَكُونوا بصفةٍ أُخْرَى كالشهداءِ.
وقولِهِ "وذلكَ بأنَّ اللهَ تَوَلَّى أهلَ معرفتِهِ" معناهُ أنَّ اللهَ حافظٌ أهلَ معرفتِه المؤمنينَ بهِ.
ومعنى "أَهْلِ نُكْرَتِهِ" الذين كَذَّبوا بهِ إمَّا بِنَفْيِ وجودِ اللهِ كالدَّهْرِيَّةِ وإمَّا بعبادةِ غيرِهِ وإمَّا بتكذيبِ رسولِهِ أَوْ نحوِ ذلكَ.
ومعنى "ولم يَنالُوا مِنْ وِلايتِهِ" أيْ ما صارَ لَهُمْ حظٌّ مِنْ وِلايةِ اللهِ تعالى يعني الولايةَ العامَّةَ بالإسلام.
وقولِهِ "ثَبِّتْنَا على الإسلامِ حتى نَلْقَاكَ بهِ" أيْ ثَبِّتْنَا على الإيمانِ حتى نَمُوتَ وهذا هو المرادُ بلقاءِ اللهِ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَنَرَى الصَّلاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ.
الشرحُ أنه يجوزُ الصلاةُ خَلْفَ كلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ منْ أهلِ القِبلةِ معَ الكراهةِ خلفَ الفاجرِ، والمعروفُ في مذهبِ الإمامِ أحمدَ ابنِ حَنْبَلٍ أنه لا تَصِحُّ الجماعةُ خلفَ الفاجرِ إلاَّ في الجمعةِ والعيدِ.
وقولِهِ:"نَرَى" أيْ نَعتقدُ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَعَلَى مَن مَاتَ مِنهُمْ.
الشرحُ أننا نعتقدُ وجوبَ الصلاةِ على مَن ماتَ مِنَ المسلمِينَ بَرِّهِمْ وفاجرِهِمْ، والبَرُّ هوَ التَّقِيُّ والفاجِرُ هوَ مَنْ كانَ مِنْ أهلِ الكبائرِ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَلا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلا نَارًا.
الشرحُ أننا لا نحكُمُ مِنْ تِلْقَاءِ أنفسِنا بأنَّ فلانًا منْ أهلِ الجنةِ وأنَّ فلانًا منْ أهلِ النارِ ولو كانَ مُنْغَمِسًا في الذنوبِ فَمَا يُدرِينا إنْ كانَ اللهُ كتبَ لهُ الموتَ على التوبةِ، وكذلكَ لا نَدرِي إنْ كانَ هذا الإنسانُ الذي ظاهرُهُ الآنَ الخيرُ مِمَّنْ كُتِبَ عليهِمُ الشَّقاوةُ فإنَّه لا بُدَّ أنْ يُختَمَ لهُ بعملِ أهلِ النارِ، لذلكَ لا نقولُ فُلانٌ مِنْ أهلِ الجنةِ أوْ فُلانٌ منْ أهلِ النارِ منْ تِلقاءِ أنفسِنا إلاَّ مَنْ شَهِدَ له الشرعُ. أبو لَهَبٍ نقولُ عنهُ منْ أهلِ النارِ لأنَّ القُرءانَ شَهِدَ عليهِ، أمَّا أهلُ بَيْعَةِ الرضوانِ وأشباهُهُم نَشهدُ لهم بالجنةِ لأنَّ الشرعَ شهدَ لهم.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَلا نَشهَدُ عَلَيهمْ بِكُفرٍ وَلا بِشِركٍ وَلا بِنِفَاقٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَىءٌ مِن ذلِكَ.
الشرحُ أننا لا نُكفِّرُ أحدًا بدونِ دليلٍ، ولا نَحكُمُ على أحدٍ بالشركِ بدونِ دليلٍ، ولا بالنفاقِ بدونِ دليلٍ شرعيٍّ، أما النفاقُ فهو اعتقادُ خلافِ ما يُظهرُهُ الشخصُ من نفسِهِ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَنَذَرُ سرَائِرَهُمْ إلَى اللهِ تَعَالى.
الشرح أيْ نقولُ اللهُ أعلمُ بما في قلوبِهِم لأنَّ اللهَ هو المطَّلِعُ عليها دونَ العبادِ فوجبَ تفويضُ ذلكَ إليهِ.

قالَ المؤلِّفُ رحِمَه اللهُ: وَلا نَرَى السَّيْفَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلا مَنْ وَجَبَ عَلَيهِ السَّيفُ.
الشرح أنه لا يجوزُ قتلُ المسلِمِ البَرِّ والفاجرِ إلاَّ مَنْ ثَبَتَ عليهِ القتلُ كالنفس بالنفسِ والثَيِّب الزاني، كذلكَ يجوزُ قتالُ البُغَاةِ حتى يَرجِعوا إلى طاعةِ الخليفةِ.