أحب العلم إلى الله

سلسلة الذهب - الجزء الأول

سلسلة_الذهب الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على المصطفى الماحي المظلَّلِ بالغمامِ سيدِنا محمدٍ طهَ الأمينِ وعلى صحابتِه الشُمِّ الكرامِ الهداةِ المهتدينَ ومن تَبِعَهُم وسارَ على دربِهِم إلى يومِ الدينِ.
أما بعد، فقد قال رسول الله :"الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرَ الله وما والاه وعالما ومتعلمًا" معنى الحديثِ أن الدنيا أي هذه الحياةَ الدنيا عاقبتُها غيرُ محمودةٍ إلا هؤلاءِ الأربعةَ : ذِكرَ الله أي طاعةَ الله،وما والاه أي ما يساعدُ على طاعةِ الله أي كالمالِ الحلال،وعالما ومتعلمًا أي العالمَ بعلم الدين ومتعلّمَه،ما سوى هؤلاء الأربعةِ ليس له عاقبةٌ محمودةٌ من هذه الحياة الدنيا لأنَّ ما سوى هؤلاء الأربعةِ غرورٌ كما قال تعالى ﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ الآيةَ [سورةَ ءال عمران]185.
ثم أهمُّ علمِ الدينِ، أي أحبُّه إلى الله وأنفعُه في الآخرة، هو علم العقيدة الذي يُعرفُ به الخالقُ كما يجبُ، فهذا أي العلمُ بالله هو الفقهُ الأكبر، أما علم الأحكام فهو الفقهُ الأصغر، وذلك لأنه لا تصح عبادةُ المعبود إلا بعد معرفته، ولا تصحُ معرفةُ الله إلا على طريقةِ التنزيهِ وهي معنى هذه الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ الآيةَ [سورة الشورى]11. هذه الآيةُ فيها التنزيهُ الكليُّ، فهذه الآيةُ لفظُها وجيزٌ ومعناها واسعٌ لأنها أبلغُ من قولِ : "اللهُ ليسَ مثلَه البشرُ"، ومن قول "اللهُ ليس مثلَه الملائكةُ"، ومن قول "الله ليس مثلَه النورُ" لأنَّ كلمةَ "شىء" تشملُ كلَّ ما سوى الله من الأجسامِ اللطيفةِ كالنورِ، والأجسامِ الكثيفةِ كالإنسانِ والشمسِ والقمر والنجم، وتشمَل الحركةَ والسكون واللون والانفعال والتغير وكلَّ صفاتِ الحجمِ وكلَّ الأعراضِ أي صفاتِ الحجمِ. صفاتُ الحجمِ الكثيفِ وصفاتُ الحجمِ اللطيف تسمى عرضًا، فهذه الآية تُنزّه اللهَ تعالى عن ذلك كلِه، فمن نزّهَ اللهَ تعالى عن كونه جسمًا لطيفًا أو جسمًا كثيفًا وعن صفاتِ الحجمِ كلها كالتحيزِ في جهةٍ ومكانٍ واعتقد أنه موجودٌ مع تنزهِهِ عن هذا كلِّه فقد عرف اللهَ.
والمكان هو الفراغُ الذي يشغلُه الحجمُ، الحجمُ اللطيفُ والحجم الكثيف يشغلُ الفراغَ،فهذا الفراغُ الذي يشغله هو المكانُ، ليس المكانُ الحجمَ الصلبَ الذي يُمَسُّ بالحجمِ فقط، نحن الآنَ نُمَاسُّ ما تحتَنا، هذا المكانُ الصلبُ هذا مكانُنا، والفراغ الذي يحوينا مكان لنا، فالله تبارك وتعالى منزه عن أن يكون متحيّزًا بمُمَاسَّةِ شىءٍ صلبٍ كالعرشِ وعن التحيزِ في الفراغِ من غيرِ مماسةِ شىءٍ.
الشمسُ والقمرُ و النجوم مكانُهُنَّ الفراغُ الذي يَشغَلنهُ، فالله تبارك وتعالى لا يجوز أن يكون متحيزًا في الفراغ من دون مماسة شىء صَلبٍ، ومنزّه من أن يكون متحيزًا في الفراغ مع مماسة شىءٍ كالعرش، وذلك لأن الحجمَ هو الذي يتحيَّزُ والله ليس حجمًا فلا يجوز عليه التحيُّز في مكان واحد كالعرشِ ولا في جميع الأماكنِ، فمن عرف اللهَ تعالى على هذا الوجه فقد عرف الله، فمن أفرَدَهُ بالعبادة أي غايةِ التذللِ فهو الذي عرف اللهَ وعبده ومن لم يكن كذلك لم يعرفِ اللهَ، ولا يقال أنه يعبد الله.
المـجَسّمَةُ وكل من يعتقد أنَّ اللهَ تعالى متحيزٌ على العرشِ مماسًا قاعدًا عليه أو واقفًا في الفراغِ فوق العرش من غيرِ مماسةٍ للعرش غيرُ عارفٍ بالله فهو جاهلٌ بالله ولا يعبد اللهَ إنما يعبد شيئًا تخيله في الفراغ أو متحيزًا على العرش وهذا معنى الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ الآيةَ [سورة الشورى]11.
ثم بعد هذا كلُّ ءايةٍ قرءانيةٍ أو حديثٍ نبويٍّ ظاهره يوهمُ أن اللهَ حجم وأنَّ له أعضاءَ وأن له حركةً أو سكونًا أو غيرَ ذلك من صفات الحجم لا يجوز اعتقادُه على ظاهره، بل يقالُ إن تلكَ الآياتِ وتلك الأحاديثَ لها معانٍ غيرُ هذه المعاني الظاهرة فمن سلك هذا المسلكَ ءامنَ بآيةِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ الآيةَ [سورةَ الشورى]11 وبتلكَ الآياتِ والأحاديثِ وسلِم من الوقوع في التناقض وهذا مذهبُ أهل السنةِ الذي كان عليه الرسولُ والصحابةُ ومن تبعهم من علماء الإسلام إلى يومنا هذا.
فإن قال قائلٌ:" كيف تقولون اللهُ موجودٌ وليس حجمًا بالمرة لا هو حجم كبير ولا هو حجم صغير والموجود لا بدَّ أن يكونَ له حجم كبيرٌ أو صغير؟ " يقالُ له: أنتَ تقيسُ الخالقَ على المخلوقِ، كيف يكونُ الخالقُ حجمًا ويخلق الحجمَ ، الحجمُ لا يخلقُ الحجمَ، اللهُ تعالى هو خلق الحجمَ الصغيرَ كحبةِ الخردلِ وما هو أصغرُ منها وهو خلق ما فوق ذلك من الحجمِ، فلو كانَ حجمًا كبيرًا أو صغيرًا ما استطاع أن يخلق شيئًا من الحجم، هذا هو الحكمُ العقليُ وما أنتَ تقوله هو حكمُ الوهم، أنت تتبع حكمَ الوهم، وهمُ الإنسان إذا تخيل يتخيل أنَّ اللهَ حجم كبيرٌ كالعرشِ أو أكبرُ منه أو دون ذلك كما يتوهمُ بعضُ الكفار أنَّ الله بصورة إنسان، هؤلاء تبعوا الوهمَ ما تبعوا العقلَ، يقال له: فلو كان اللهُ حجمًا كما تتصورُ المجسّمةُ أنه حجمٌ فوق العرش له أعضاءُ لكانتِ الشمسُ أولى بأن تكونَ إلهًا لأن الشمسَ حجمٌ كبيرٌ جميلُ الشكل كثيرةُ النفع تنفعُ البشرَ والشجرَ والنباتَ.
فلو كان يجوزُ أنْ يكون اللهُ حجمًا لكانتِ الشمس أولى بأن تكونَ إلهًا، لكن لا يصح أن تكونَ الشمسُ إلهًا لأنها حجمٌ لها شكلٌ مخصوص ولونٌ مخصوص تحتاجُ لمن أوجدها على هذا الحجم بدلَ حجمٍ أصغرَ من هذا أو أكبرَ من هذا على وصفٍ غيرِ هذا، وهي لا تصلحُ أنْ تكونَ إلهًا وهكذا الحجمُ كلُّه، كلُّ حجمٍ مخلوقٌ، العرشُ وحبةُ الخردل كلاهما محتاجٌ لمنْ أوجدَه على هذا الحجمِ.
فإذًا، الله ليس حجمًا، موجودٌ ليس حجمًا، وهذا الذي يجبُ اعتقادُه وإن كانَ وهمُ الإنسان لا يتصورُ موجودًا ليس حجمًا بالمرة، اللهُ لا هو حجم كثيف كالإنسان ولا هو حجم لطيفٌ كالنورِ وهذا الاعتقادُ هو اعتقاد أهل السنة.
بعد هذا وبعد معرفةِ الرسول والإيمانِ به، أهمُّ أمور الدين معرفةُ أن كلَّ ما يحصلُ ويدخلُ في الوجود من حجمٍ أو حركةٍ أو سكونٍ أو انفعالٍ، لذةٍ وألمٍ وفهمٍ وذكاءٍ وبلادةٍ وتفكيرٍ وخاطرٍ، كلُّ هذا اللهُ الذي يخلقُه وأما الإنسانُ لا يخلقُ شيئًا من حركاتِه وسكناتِه ولا من الإدراك والفهمِ والمعرفةِ والعلمِ والنظر والنطق، كل ذلك الله يخلقه في الإنسان، الإنسان لا يخلق شيئًا إنما يفعل، الإنسان يفعل والله يَخلق الإنسانَ وأفعالَهَ، الله هو الذي يخلق النظرَ هو الذي يخلق النطقَ إن كان بخير أو بِشَرّ هو يخلقه.
هذه المسئلةُ الثانيةُ هي أهمُّ علومِ التوحيدِ بعد معرفةِ اللهِ ورسولِه، كثير من الناس من أهل هذا العصر خرجوا من هذا الاعتقادِ الذي هو الحقُّ الذي جاء به القرءانُ، إلى عقيدةٍ فاسدة هي أنَّ الإنسانَ يخلقُ أفعاله الاختياريةَ. اليومَ كثيرٌ من الدكاترةِ الذين يتخرجون من بعض الجامعات هذا اعتقادُهم كثيرٌ منهم فسدوا، لا نقول كلُّهم بل أكثرُهم.
هذا الزمنُ الذي نحن فيه هو الزمان الذي ذكره الرَّسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "المتمسكُ بسنتي عند فسادِ أمتي له أجرُ شهيد" اليومَ فسد َكثيرٌ من الأمةِ، فمن تمسكَ في هذا الزمن بسنّةِ الرسول أي عقيدةِ الرسول شريعةِ الرسول فهو شهيدٌ عند الله - أي له أجرُ شهيدٍ - انظروا ما أكثرَ من يخالفُ الحقَ فنردُّ عليه في هذا البلد وفي غير هذا البلدِ، وهذا تصديقُ حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
والله سبحانه أعلم و أحكم .
وءاخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ.