معرفة الله تعالى وتنزيهه عن مشابهة المخلوقات

سلسلة الذهب - الجزء الأول

سلسلة_الذهب الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على المصطفى الماحي المظلَّلِ بالغمامِ سيدِنا محمدٍ طهَ الأمينِ وعلى صحابتِه الشُمِّ الكرامِ الهداةِ المهتدينَ ومن تَبِعَهُم وسارَ على دربِهِم إلى يومِ الدينِ.
أما بعد، فإن أفضل الأعمال معرفة الله تبارك وتعالى، ومعرفة الله تبارك وتعالى تكون بالتنزيه أي باعتقاد أنه تبارك وتعالى موجود لا كالموجودات.
الموجودات سوى الله تعالى حادثات كانت معدومة ثم وجدت بإيجاد الله تبارك وتعالى وليس بالطبيعة ولا بالعلة كما تقول الفلاسفة.
الفلاسفة يقولون إن وجود الله تبارك وتعالى اقتضى وجود العالم فكفروا بهذا، والذين قالوا منهم إن العالم وُجد بالطبيعة كفار أيضًا. الفلاسفة تقول: الله تعالى علة لوجود العالم معناه العالم حدث بوجود الله على زعمهم ليس الله تعالى خلقه باختياره إنما وجود الله اقتضى وجود العالم وهذا كفر.
الله تبارك وتعالى خلق العالم باختياره. وءاخرون يقولون: العالم وجد بالطبيعة وهذا كفر، الحق أن الله تبارك وتعالى أوجد العالم بمشيئته واختياره.
ثم إن الله تعالى ليس جوهرًا ولا عرضًا، الجوهر حجم لا يقبل القسمة لا بالتقدير ولا بالتحقيق لا تراه العيون من قلَّته. الله تبارك وتعالى ليس هذا وليس جسمًا.
إذا اجتمع جوهران فأكثر يصير جسم. الله تبارك وتعالى ليس جوهرًا ولا جسمًا، ليس شيئًا له مقدار أي مقياس. وقوله تعالى ﴿وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ الآية [سورة الرعد -8].
معناه كل المخلوقات لها مقدار أي مقياس، الصغير والكبير. الله تبارك وتعالى لا يجوز أن يكون له مقياس كبير بقدر العالم ولا مقياس أكبر من العالم. كل شىء له مقياس يحتاج إلى شىء خصّه بذلك المقياس، لذلك لا يجوز على الله تبارك وتعالى أن يكون له مقدار.
بعض أهل التوحيد يعبرون عن هذا بقولهم: الله موجود ليس له كمية ولا كيفية. الإيمان فيه إثبات وتنزيه. التنزيه نفيُ التشبيه. نفي التشبيه يقال له التنزيه. أما الإثبات فهو اعتقاد أن الله تبارك وتعالى موجود وأنه أزلي أبدي وأن صفاته أزلية أبدية لا تقوم به صفة حادثة.
النور ما كان موجودًا والظلام ما كان موجودًا قبل أن يخلقهما الله ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ الآية [سورة الأنعام -1].
هذه الآية معناها أن السموات والأرض كانت معدومة، والنور والظلام كانا معدومين ثم خلقها الله تعالى، معناه لا يكون الله تبارك وتعالى نورًا ولا ظلامًا ولا ريحًا ولا غير ذلك من الأجسام اللطيفة ومع ذلك يسمى الله النّورَ، النّور إذا أطلق على الله تبارك وتعالى معناه المنير. هو أنار السموات والأرض بالشمس والقمر والنجوم. الله تبارك وتعالى نور السموات والأرض هذا تفسيره، أي منوّر السموات والأرض ليس معناه أنه ضوء. الضوء والظلام مخلوقان هذا حادث وهذا حادث وإن كان الضوء أنفع للخلق.

عليكم بإتقان علم التوحيد
المجسّم وكل من يعتقد أن الله تبارك وتعالى جسم لطيف أو كثيف كافر. الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه قال هذا في كتاب النوادر ، والإمام الشافعي رضي الله عنه قال المجسّم كافر. اهـ
كُتُب ابن حجر المكيّ احذروا ما فيها من الكلام، وكذلك كتاب اسمه القواعد مذكور فيه أن العاميّ الذي يعتقد أن الله تبارك وتعالى في جهة لا يكفر. هذا قول فاسد، من قال إن الله تعالى حالٌّ في جهة السماء أو العرش كافر لأنه جعله جسمًا. كل شىء يحلّ في جهة هو جسم، النور يحل في الأرض ثم يذهب ويأتي الظلام مكانه. ثم ان الله تعالى ليس له بداية، وصفاته ليس لها ابتداء، لا يوجد من هو هكذا إلا الله. فإن الله تبارك وتعالى لما كان أزليًّا ليس لوجوده ابتداء وجب أن تكون صفاته كذلك أزلية أبدية لا تنقطع. قال أهل التوحيد من أهل السُّنة: قدرته قدرة واحدة أزلية أبدية، ومشيئته كذلك مشيئة واحدة أزلية أبدية، وسمعه كذلك سمع واحد أزلي أبدي لا ينقطع ولا يتجدد بل هو دائم، وبصره بصر واحد أزلي أبدي، كذلك علمه علم واحد أزلي أبدي لا يزيد ولا ينقص، كذلك كلامه. كلامه كلام واحد أزلي أبدي لأنه ليس حرفًا ولا صوتًا. الحرف والصوت لهما ابتداء وانتهاء فهما حادثان.
الكتب الأربعة ليس الله قرأها بهذه اللغات إنما كتبها في اللوح المحفوظ. أمر القلم فجرى بقدرته على اللوح المحفوظ فكتب، وأمر جبريل عليه السلام أن ينزلها على هؤلاء الأنبياء. القرءان الكريم يقال له كلام الله ولا يجوز أن يقال مخلوق لأنه يُوهم أن كلام الله الذاتي مخلوق حادث.
في القرن الثاني امتُحِن المسلمون، علماءُ دُعوا إلى القول أن القرءان مخلوق فمنهم من امتنع ومنهم من أجاب خوفًا من القتل. أحمد بن نصر الخزاعيُّ من أكابر علماء الحديث رضي الله عنه طُلب فقيل له قل القرءان مخلوق فقال لا أقول، فقُطع رأسه ورفع على رمح ووكّل به من يجعله مستدبر القبلة، فالرأس في الليل كان يستقبل القبلة ويقرأ القرءان. أما عند التعليم يجوز أن نقول القرءان بمعنى اللفظ المنزّل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مخلوق، ليس من تأليف جبريل عليه السلام ولا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا يُتوهم أن كلام الله الذاتي حرف وصوت كما تقول المشبهة.
الماتريدية والأشعرية متفقون على أن الله تبارك وتعالى لا تقوم به صفة حادثة. الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه قال: "من شك في أن صفة الله حادثة أو قديمة كافر ومن توقف كذلك كافر" اهـ. وقال أيضًا "نحن نتكلم بالآلات والحروف والله يتكلم بلا ءالة ولا حرف" اهـ.
فائدةٌ: أهلُ السنةِ همُ الذينَ بقُوا على ما كان عليه الصحابةُ. الصحابةُ اتَّبعوا الرسولَ صلى الله عليه وسلم ثم التابعون اتّبعوا الصحابةَ ثم التابعون علَّموا مذهبَ أهلِ السنةِ أتباعَ التابعين وهكذا خَلَفًا عن سلف وصلَ إلينا، ثم شذَّ عن ذلك أناسٌ بعضهم في زمنِ سيدنا عليّ وهما فرقتان إحداهما الخوارج ثم بعد ذلك ظهرتِ المعتزلةُ، بعضُ هذه الفرقِ كفار وبعضها ليسوا كافرين لكن فسّاقٌ. الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "ستفترقُ أمتي إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّهم في النارِ إلا واحدةً وهي الجماعةُ" اهـ. معناه ما كانَ عليهِ الصحابةُ ومن تبعهم وهم أكثرُ الأمَّةِ. أما الاثنتانِ والسَّبعونَ فِرقةً مجموعُهم أقلُّ من أهلِ السُّنةِ.
وفي روايةٍ قيلَ: "منْ هم يا رسولَ اللهِ؟ قال "ما أنا عليهِ وأصحابي". معنى الحديثِ أنَّ من خالفَ أهلَ السنةِ استحقَ النارَ بعضُهم كفارٌ يُؤبَّدون في النارِ وبعضُهم الذين لم يبْلغوا درجةَ الكفرِ لا يؤبَّدون في النَّار.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين