التمسّكُ بالعــقيدةِ الحقّــــةِ

سلسلة الذهب - الجزء الأول

سلسلة_الذهب الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على سيدِ الـمرسلينَ وخاتمِ النبيّينَ سيدِنا مـحمدٍ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومن اتّبعَ هُداهُ إلى يومِ الدّينِ. وبعدُ فإنَّ عقيدةَ أهلِ الـحقّ أَهَـمُّهَا أمرانِ:
أحدُهما: اعتقادُ أنَّ اللهَ موجودٌ لا يُشبِهُ شيئًا، ليسَ كشىءٍ من العالَـمِ لا يُشبِهُ العالَـمَ اللطيفَ ولا العالَـمَ الكثيفَ. العالَـمُ الكثيفُ كالإنسانِ والحجرِ والشجرِ مِـمَّا يُضبَطُ باليدِ أي يُـجَسُّ باليدِ، واللطيفُ ما لا يضبطُ باليدِ أي لا يُـجَسُّ باليدِ. اللهُ لا يُشبِهُ هذا ولا يُشبِهُ هذا، ليس متحيّزًا في مكانٍ وجهةٍ كالإنسانِ وسائرِ الأجسامِ؛ لأنَّ الـجسمَ لا بُدَّ لَهُ من جهةٍ ومكانٍ، اللهُ تعالى ليس كذلكَ، لا يتحيّزُ في جهةٍ ومكانٍ. كانَ قبلَ الـمكانِ والجهةِ بلا مكانٍ ولا جهةٍ، ثُـمَّ خَلَقَ الـمكانَ والجهاتِ الستَّ فهو ليسِ متحيّزًا في الـجهاتِ والمكانِ.
لا يَـجُوزُ أن يقالَ: اللهُ في مكانٍ كالعرشِ. ولا يَـجُوزُ أنْ يقالَ: اللهُ في كُلّ مكانٍ.
ولا يتصفُ اللهُ بصفاتِ الأجسامِ؛ لأنَّ الأجسامَ من صفاتِـهَا الـحركةُ والسكونُ، بعضُ الخلقِ متحركٌ دائمًا كالنجومِ وبعضُ الخلقِ ساكنٌ دائمًا كالعرشِ والسمواتِ السبعِ، وبعضُ الخلقِ ساكنٌ مرةً ومتحركٌ مرةً أُخرى، اللهُ ليسَ هكذا لا هو متحرّكٌ ولا هو ساكنٌ.
كذلكَ اللونُ من صفاتِ الخلقِ، البياضُ والسوادُ ونَـحوُ ذلكَ، كذلكَ التغيرُ صفةٌ من صفاتِ خلقِهِ فلا يَـجُوزُ على اللهِ التحوّلُ من حالٍ إلى حالٍ.
قدرتُهُ سُبحَانَهُ ليسَتْ كقدرتِنَا، قدرتُنَا تزيدُ وتنقصُ أمَّا قدرتُهُ سُبحَانَهُ أزليةٌ أبديةٌ لا تزيدُ ولا تنقصُ، وعلمُهُ أزليٌّ أبديٌّ لا يزيدُ ولا يَنقُصُ، وكلامُهُ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا لا يزيدُ ولا يَنقُصُ، كلامُهُ ليسَ ككلامِنَا؛ نحنُ نتكلَّمُ فنَنْطِقُ بِـحرفٍ وصوتٍ لذلكَ يكونُ كلامُنَا متجزّئًا يَـحصُلُ شىءٌ منهُ ثُـمَّ يَنتَهِي ثُـمَّ يَـحصُلُ شىء ثُـمَّ يَنتَهِي، أمَّا كلامُ اللهِ الذي هو متكلمٌ بهِ ليسَ هكذا؛ لأنَّهُ ليسَ حرفًا وصوتًا.
فلا يجوزُ لأحدٍ أن يعتقِدَ أنَّ اللهَ قرأَ القرءانَ بالحرفِ والصّوتِ، إِنَّـمَا جِبرِيلُ قرأهُ، أخذَهُ من اللوحِ الـمـحفوظِ بأمرِ اللهِ فقرأهُ على سيدِنَا مـحمدٍ، فمَنِ اعتَقَدَ أنَّ اللهَ قرأَ القرءانَ بالحرفِ والصوتِ فهو جاهلٌ باللهِ، عقيدتُهُ فاسدةٌ لأنَّهُ شبَّهَ اللهَ بِـخلقِهِ.
هؤلاءِ الذينَ يعتقدُونَ أنَّ اللهَ قرأَ القرءانَ على جبريلَ، وجبريلُ قَرَأَهُ على مـحمدٍ، جعلُوا اللهَ مثلَ خلقِهِ، حتى الـحرفُ والصوتُ وكلُّ اللغاتِ ما كانَتْ موجودةً قبلَ أن يَـخلُقَهَا اللهُ، واللهُ تعالى كان متكلّمًا قبلَ وجودِ الـحرفِ والصّوتِ ولا يزالُ متكلّمًا إلى ما لا نهايةَ لَهُ. كلامُهُ ليسَ شيئًا يتقطَّعُ، وعلمُهُ ليسَ شيئًا يَتَقَطَّعُ، وقدرتُهُ ومشيئتُهُ وكلُّ صفاتِهِ ليس أشياءَ متقطعةً. ومشيئتُهُ لا تتغيرُ، مشيئةُ اللهِ واحدةٌ شاملةٌ لكُلِّ ما يدخُلُ في الوجودِ. لا يشاءُ وجودَ شىءٍ ثُـمَّ يغيّـِرُ إلى مشيئةٍ أخرى كخلقِهِ، نَـحنُ نشاء في نفوسِنَا وجودَ شىءٍ ثُـمَّ تَتَغَيَّرُ مشيئتُنَا فنشاءُ عدمَ وجودِهِ، نشاءُ أن لا يكونَ بعدَ أن كُنَّا نشاءُ أن يكونَ، تتغيرُ مشيئتُنَا فنشاءُ أنْ لا يكونَ ذلكَ الشىءُ، أمَّا مشيئةُ اللهِ ليسَتْ كذلك.
فمَنْ عَرَفَ اللهَ على هذا الوجهِ فهو عارفٌ باللهِ، أما مَنْ لَـمْ يعرِفْهُ على هذا الوجهِ فهو غيرُ عارفٍ باللهِ كما قالَ سيدُنا عليٌّ: "مَنْ زَعَمَ أنَّ إِلَـهَنَا مـحدودٌ فقد جَهِلَ الخالقَ الـمعبودَ" أي من اعتَقَدَ أنَّ اللهَ لهُ حجمٌ ما عَرَفَ خالقَهُ.
معنى كلامِ سيدِنَا عليٍّ أنَّ اللهَ ليسَ مـحدودًا، أي ليس حجمًا صغيرًا ولا كبيرًا، فمن اعتقَدَ أنَّ اللهَ حجمٌ كبيرٌ أو صغيرٌ أو بينَ الكِبَرِ والصِّغَرِ هذا ما عرف اللهَ.
أما معنَـى: "اللهُ أكبرُ" أي اللهُ أقوَى من كلّ قادرٍ وأعلمُ من كلّ عالِـمٍ، ليسَ معناهُ أنَّ اللهَ شىءٌ ضخمٌ أَخَذَ مِساحةً كبيرةً، لأنَّ اللهَ هو خَلَقَ الـحجمَ الصغيرَ كحبةِ الخردلِ وخَلَقَ ما هو أكبَرُ منهَا بقليلٍ كحبةِ سِـمسِمٍ وما هو أكبَرُ منهَا بقليلٍ كحبةِ قمـح ... ثُـمَّ هكذا إلى العرشِ وهو أكبَرُ الـمخلوقاتِ حجمًا.
ما أجهلَ هؤلاءِ الذينَ يظنُّونَ أنَّ اللهَ شىءٌ لهُ حجمٌ، لو كانَ لهُ حجمٌ لاحتَاجَ إلى خالقٍ خلقَهُ على ذلكَ الـحجمِ.
الشمسُ خَلَقَهَا اللهُ على هذا الـحجمِ، جَعَلَ شكلَهَا مستديرًا ولونَـها بياضًا وجعلَ صفتَهَا الـحرارةَ. كلُّ شىءٍ لَهُ حَجمٌ لَا يكونُ إِلهًا، والإلهُ ليسَ حجمًا كثيفًا ولا حَجمًا لطيفًا ولا متّصفًا بصفاتِ الـحجمِ اللّطيفِ والكثيفِ.
ثم الأمرُ الثانِي من أمورِ العقيدةِ الذي هو أهمُّ الأمورِ اعتقادُ أنَّ اللهَ هو خالقُ كلّ شىءٍ، لا شىءَ يدخلُ في الوجودِ من الـحجمِ والحركاتِ والسكناتِ، حركاتُ العبادِ وسكناتُـهُم والنظراتُ والكلامُ والمشيُ والتفكيرُ إلا بِـخلقِ اللهِ، اللهُ يَـخلقُهُ في عبادِهِ. إن نطقْنَا فاللهُ خالقُ هذا النطقِ لَسْنَا نحنُ خلقنَاهُ، وإن نظرنَا إلى شىءٍ فاللهُ هو الذي يَـخلُقُ هذا النظرَ، وإن تَفَكَّرْنَا في شىءٍ فاللهُ هو الذي يَـخلُقُ هذا التفكيرَ، وهكذا كلُّ أفعالِ العبادِ. فمن اعتَقَدَ أنَّ غيرَ اللهِ يَـخلُقُ شيئًا من الـحركاتِ أو السّكناتِ أو التفكيرِ أو الـمـحبَّةِ أو البُغضِ أو الفرحِ أو الـحزنِ فهو مُشرِكٌ كافرٌ أَشرَكَ باللهِ الذي خَلَقَهُ.
كَمَا أنَّ اللهَ خَلَقَ أجسامَنَا، هو الذي يَـخلُقُ نُطقَنَا وحركاتِنَا وسكناتِنَا وكلَّ شىءٍ نفعلُهُ.
هاتانِ الـمسألتانِ أهمُ مسائلِ العقيدةِ، ثُـمَّ بعدَ هاتينِ الـمسألتَينِ الـمسائلُ الأُخرَى من أركانِ الإيمانِ من جُـملةِ الـمهِمَّاتِ لكنْ ليسَتْ كهاتَينِ الـمسألتَينِ، البعضُ يقولونَ والعياذُ باللهِ: "اللهُ يَـخلُقُ الأجسامَ وحركاتِ النائمِ والحركاتِ التِـي تَـحصُلُ بلا إرادةٍ مِنَّا، أمَّا الـحركاتُ التِـي نعملُهَا بإرادتِنَا كالنطقِ والنظرِ والمشيِ والتفكيرِ. يقولونَ: "نَـحنُ نَـخلُقُهُ" هؤلاءِ كفارٌ مشركونَ؛ لأنَّ الخلقَ بِـمعنَـى إبرازِ الـمعدومِ من العدمِ إلى الوجودِ خاصٌّ باللهِ فمَنْ جَعَلَ هذا لغيرِ اللهِ أشركَ باللهِ.
وكذلكَ الذي يعتقدُ في اللهِ أنَّهُ متحيزٌ في مكانٍ أو أنَّهُ حجمٌ كبيرٌ أو أنَّهُ حجمٌ كحجمِ البشرِ هذا ما عَرَفَ اللهَ، كفرُهُ من جهلِهِ باللهِ.أمَّا بعدَ هذا كالإيمانِ بالملائكة والإيمانِ بالكتبِ السماويةِ والإيمانِ بالرسلِ والإيمانِ باليومِ الآخِرِ ليسَ بدرجةِ هاتَينِ الـمسألتَينِ.
من عَرَفَ سيدَنَا مـحمَّدًا واعتقدَ أنَّ اللهَ هو الـموجودُ الذي لا يَستَحِقُّ أن يُعبَدَ غيرُهُ صارَ مُسلمًا مؤمنًا، يكفِي لأصلِ الإيمانِ هذا، من عَرَفَ اللهَ تعالى كما يَـجِبُ واعتَقَدَ أنَّهُ لا يَستَحِقُّ أن يُعبَدَ إلا هو، واعتَقَدَ أنَّهُ لا يَـخلُقُ شيئًا من الأشياءِ إلا اللهُ، وءامَنَ بسيدِنَا مـحمدٍ أنَّهُ رسولُ اللهِ فهو مُسلمٌ مؤمنٌ لو لَـمْ يُؤَدّ الفرائضَ، لَوْ لَـمْ يَـخطُرْ لَهُ أمرُ الـملائكةِ، لَوْ لَـمْ يَـخطُرْ لَهُ أمرُ الآخرةِ. إِنَّـمَا استحضرَ في قلبِهِ معرفةَ اللهِ ومعرفةَ الرسولِ، ولَـمْ يعتقدْ أنَّ ما سوَى اللهِ يَـخلُقُ شيئًا من الأشياءِ، هذا يقالُ لهُ مؤمنٌ مسلمٌ.
لكنْ لا يكونُ مؤمنًا كاملًا حتى يؤديَ الفرائضَ كلَّهَا ويجتنبَ الـمـحرماتِ كلَّهَا ويتعلمَ علمَ الدينِ الضروريَّ ويعملَ بذلك، عندئذٍ يكونُ مسلمًا كاملًا وليًا، يكونُ مِنَ الذينَ لا خوفٌ عليهِم ولا هُم يَـحزَنُونَ.
وءاخرُ دعوانَا أنِ الـحمدُ للهِ ربّ العالمينَ