من إملاءات المحدّث الهرري كتاب سلسلة الذهب - الجزء الأول
 "ءاهٍ" لَيسَ اسمًا مِن أَسماءِ اللهِ

"ءاهٍ" لَيسَ اسمًا مِن أَسماءِ اللهِ

سلسلة الذهب - الجزء الأول

سلسلة_الذهب الحَمدُ للهِ رَبّ العالمينَ لَهُ النّعمَةُ ولَهُ الفَضلُ ولَهُ الثَّناءُ الحَسَنُ، صَلواتُ اللهِ البرّ الرَّحيمِ والملائِكَةِ المقرَّبينَ على سيِدِنا مُحَمَّدٍ أَشرَفِ المـرسَلينَ وحَبيبِ رَبّ العالمَينَ وعلى جَميعِ إِخوانِهِ مِنَ الأَنبياءِ والمـُـرسَلينَ وءالِ كُلّ والصَّالحينَ وسَلامُ اللهِ عَلَيهِم أَجمعينَ.
أما بَعدُ فَقد رَوى التّرمذيُّ في جامِعِهِ والإِمامُ المجتَهِدُ أبو بَكرِ بنُ المنذِرِ في الأَوسَطِ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليهِ وسلَّمَ قالَ: "إذا تثَاءَبَ أَحَدُكُم فَلْيَضَعْ يَدَهُ على فِيْهِ - أي على فَمِهِ - ولا يَقُلْ ءاهٍ ءاهٍ فإنَّ الشَّيطانَ يَضحَكُ مِنهُ". هذا الحَديثُ صَحيحٌ وقَد قالَ فيهِ التّرمذِيُّ إِنَّهُ حَديثٌ حَسَنٌ، والحَسَنُ والصَّحيحُ أَخَوانِ.وهذا الحَديثُ فِيهِ دِلالَةٌ على أَنَّ "ءاه" لَيسَ مِن أَسماءِاللهِ، وهَذا الحَديثُ فيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَن تَثاءبَ أَن يَضَعَ يَدَهُ على فيهِ وَإن وَضَعَ يَدَهُ اليُسرى كانَ أَحسَنَ.
فإَنْ قيلَ: إنَّ الدَّليلَ على أَنَّ "ءاه" مِن أَسماءِ اللهِ قَولُهُ تَعالى ﴿إِنَّ إبراهيمَ لأَوَّاهٌ حَليمٌ﴾ [سورة التوبة/ءاية114] فَالجوابُ: أَنَّ الأَوَّاهَ مَعناهُ الرَّحيمُ كَما قالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، والمعنى أَنَّ إِبراهيمَ عَليهِ السَّلامُ شَديدُ الرَّحمةِ لِعِبادِ اللهِ، ولَيسَ مَعناهُ أَنَّهُ كانَ يَقولُ "ءاه"، لَكنَّ بَعضَ المحرّفينَ الّذينَ يجهَلونَ لُغَةَ العَرَبِ قالوا: "الأوَّاهُ" مَعناهُ قولُ ءاهٍ ءاهٍ، وهَذا جَهْلٌ مِنهُم بِلُغَةِ العَرَبِ.
القُرءانُ الكَريمُ إذا تُرِكَ فيهِ شىءٌ مِن صِفاتِ الحُروفِ كالغُنَّةِ في مَوضِعِها والتَّرقيقِ في مَوضِعِهِ والتَّفخيمِ فيمَوضِعِهِ مَعَ المحافَظَةِ على مَخارِجِ الحُروفِ فإنَّ هذا يمنَعُ الثَّوابَ في قِراءَةِ القُرءانِ، وأَمَّا مَع تَغييرِ الحُروفِ فَفيهِ مَعصيةٌ.
اسمُ اللهِ يُقرأُ كَما جَاءَ في القُرءانِ ﴿اللهُ لا إلهَ إلّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ﴾ اللّامُ المـُشدَّدَةُ والأَلِفُ التي تَطلُعُ بِاللّفظِ ثُـمَّ الهاءُ، مَن تَرَكَ واحَدًا مِن هَذِهِ الحُروفِ فَقَد أَثِمَ أَي وَقَعَ في المعصِيةِ، هَذا في الذّكرِ وفي قِراءَةِ القُرءانِ مَن فَعَلَهُ فَعَلَيهِ ذَنبٌ، فالّذي يَعتبِرُ "ءاه" اسمًا للهِ فَذَنبُهُ كَبيرٌ.وقَد سُئِلَ الشيخُ سليمٌ البِشريُّ شيخُ الأَزهَرِ قَبلَ نحوِ سبعينَ سَنَةً عَن هؤلاءِ الّذينَ يَذكرونَ بـ "ءاه" فَقال: حُضورُ مجالِسهِم حَرامٌ.
وأَمَّا مَن قالَ "ءاه" لِترويحِ نَفسِهِ ولَيسَ بِقَصدِ الذّكرِفَيجوزُ، وأَمَّا إِن قَصَدَ ذِكرَ اللهِ بِذلِكَ فَذنبُهُ عَظيمٌ. وأَمّا حَديثُ "إنَّ ءاهٍ مِن أَسماءِ الله" فَهُو مَكذوبٌ على رَسولِ اللهِ ومَن نَسَبَهُ إلى رَسولِ اللهِ فَهو مَلعونٌ، فإنَّ أَكثَرَ مَن يَدَّعي الطَّريقَةَ اليَومَ جُهّالٌ مُنحَرِفونَ لَيسوا بشىءٍ. واستِشهادُهُم بهذِهِ الآيةِ ﴿إنَّ إبراهيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ على أَنَّ "ءاه" مِن أَسماءِ اللهِ يَدُلُّ على شِدَّةِ جَهلِهِم.
اللهُ تَعالى وَصَفَ سَيّدَنا إِبراهيمَ في هذِهِ الآيةِ بالرَّحمَةِ والحِلمِ فهِيَ مَدحٌ لإِبراهيمَ عليهِ السَّلامُ؛ وأَمَّا "ءاه" فلَيسَ فيها مَدحٌ بَل المريضُ يَقولُ "ءاه"، وقَد نَصَّ فُقهاءُ المذاهِبِ الأَربَعَةِ على أَنَّ الأَنينَ يُفسِدُ الصَّلاةَ و"ءاه" مِن ألفاظِ الأَنينِ، لكِنَّ المالِكِيَّةَ قالوا: "مَن قالَ في الصَّلاةِ "ءاه" فِإنْ كانَ مِن خَشيةِ اللهِ أَو خَوفِ النّارِ أَو خَوفِ العَذابِ لا تُبطِلُ الصَّلاةَ وإلّا أبطَلَت". وأَمَّا في المذاهِبِ الثَّلاثَةِ الأُخرى تَبطُلُ الصَّلاةُ ولَو قالها بِسَبَبِ ذَلِك.
فإن قالَ بعَضُ هؤلاءِ المـُـــحرّفينَ لاسمِ اللهِ: "اليَومَ حَصَلَت لَنا تجَلّــِياتٌ" أَي نَزَلَت رَحَماتٌ وبَرَكاتٌ، يُقالُ لهُم: هَذا لَيسَ تجلياتٍ، بَل هذا الشَّيطانُ لَهُ فيهِ حَظٌّ حَيثُ أَوهَمَكُم أَنَّ هذا فيهِ عِبادَةُ اللهِ.
وأَمّا ما يَحصلُ لهُم مِنَ الفَرَحِ النَّفسانيّ فَهذا فَرَحُ الهَوى ولَيسَ مِن مَحَبَّةِ اللهِ، إنَّما الشَّيطانُ يُوهِمُهُم أَنَّ هَذا شَىءٌ عَظيمٌ عِندَ اللهِ.
الشَّخصُ المَريضُ يَقولُ "ءاه" والمظلومُ يَقولُ "ءاه" وقَد قالَ بَعضُ المـَـدَّاحينَ:
ءاهٍ ممّا جَنيتُ إِن كانَ يُغني **** أَلِفٌ مِن عَظيمِ ذَنبٍ وهَاءُ
مَعناهُ "ءاه" ماذا تُفيدُني مِن ذنوبٍ، مَعناهُ أنا كَثيرُ الذُّنوبِ.
أي إن كان يُغني أَلِفٌ وهاءٌ مِن عظَيمِ ذَنبٍ فـ "ءاهٍ" ممّا جَنيتُ مِن ذُنوبٍ كثيرةٍ ولكنَّها لا تُغني أي لا تفيدُ، فهذا دليلٌ على أنَّ "ءاه" لَيس مِن أسماءِ اللهِ لأنَّ ذِكرَ اللهِ يُفيدُ.
"ءاه" و"هاه" كلاهُما مَذمومٌ عِندَ التَّثاؤبِ ففِي الحديثِ رِوايةٌ: "إذا تَثاءَبَ أَحدُكُم فَلا يَقُل ءاهٍ أو هاه". أَمّا المريضُ إِن قالَ ذلِكَ فَلا يُلامُ.ثُـمَّ ممَّا يَدُلُّ على أَنَّ "ءاه" ليسَ مِن أَسماءِ اللهِ أَنَّهُ لا تَثبُتُ به اليَمينُ وكَذا لا تَثبُتُ اليَمينُ بِقولِ "واللا" بِدونِ هاءٍ بَل مَن قالَ ذلِكَ عَليهِ مَعصِيَةٌ؛ لأَنَّهُ حَرَّفَ اسمَ اللهِ، حَذَفَ حَرفَينِ مِن اسمِ اللهِ، حرفًا يأتي بِاللّفظِ بينَ اللّامِ والهاءِ ثُـمَّ الهاءَ. أَمَّا إن قالَ "واللهِ" بالأَلِفِ وبِكَسرِ الهاءِ، أَو "واللهْ" بِتَسكينِ الهاءِ ثَبَتَتِ اليَمينُ.
وسبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ربّ العالمينَوصلى اللهُ وسلَّمَ على سيدِنا محمدٍ الأمينِ وءالِهِ وأصحابِهِ الطيّبينَ

 

 

سلسة الذهب
harariyy.org

قائمة سلسة الذهب