من إملاءات المحدّث الهرري كتاب سلسلة الذهب - الجزء الأول
 فضلُ المهاجرين والأنصارِ

فضلُ المهاجرين والأنصارِ

سلسلة الذهب - الجزء الأول

سلسلة_الذهب الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أكرم المرسلينَ وعلى ءالهِ الطيبينَ وصحابتِه الكرامِ الميامينِ. أما بعدُ فقد قالَ الله تعالى في كتابِهِ الكريم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ الآيةَ [سورةَ التوبةِ - 100].
ورَوَينا في صحيحِ ابنِ حبانَ من حديثِ سعيد بنِ زيدٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ : "أبو بكرٍ في الجنَّةِ وعُمرُ في الجنَّة وعثمانُ في الجنَّةِ وعليٌّ في الجنَّةِ وطلحةُ بنُ عُبيدِ الله في الجنَّةِ والزُبيرُ بنُ العوّام في الجنَّةِ وأبو عبيدةَ عامرُ بنُ الجرَّاحِ في الجنَّةِ وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ في الجنَّةِ وسعيدُ بن زَيدٍ في الجنَّةِ وعبدُ الرحمنِ بنُ عوف في الجنَّةِ".
يُستدلُّ من هذا الحديثِ أنَّ هؤلاء العشَرةَ الذين هم في مقدمةِ الأولين من المهاجرين هم خيارُ أصحابِ رسولِ الله لأنه عليه الصلاة والسلام عدَّهم في مجلسٍ واحدٍ وأخبرَ بأنَّهم من أهلِ الجنةِ ثم بعد هؤلاءِ العشَرةِ عددٌ كثير من المهاجرينَ الأولين كلُّهم مرضيونَ عندَ اللهِ. اللهُ رضي عن الجميعِ وكلُّهم راضون عنهُ.
اللهُ إذا أخبرَ في القرءانِ أنه راضٍ عن عبدٍ فلا يَسخَطُ عليه أبدًا وكلُّ من رضي الله عنه فلا يكونُ مسخوطًا عليه أبدًا فمنْ أساء الظنَّ بواحدٍ منهم واعتقدَ أنه صارَ مسخوطًا عليه بعدَ وفاة رسولِ الله فقدْ خالفَ القرءانَ. الله تعالى عالِمُ الغيبِ، عالِـمٌ بما مضى وعالـِمٌ بما سيأتي فلو كانَ يحصُلُ من هؤلاء الذين أخبرَ اللهُ تعالى عنهم ما يُوجب السَّخَطَ عند اللهِ لم يُخْبِرْ في القرءانِ بأنه رضي عنهم لكنَّه عَلِم أنهُ لنْ يحصُلَ منهم ما يوجبُ سَخَطَ اللهِ عليهم، فكلُّ هؤلاء من المهاجرين الأولين أولياءُ الله وأحبابُه ومن رضي بذلك فلنفسِه ومن قال عنهم إنه صار مسخوطًا عليهم بعد وفاةِ رسول الله فهو ملعونٌ بعيدٌ من الدرجات العُلى.
معنى المهاجرين هم الذين هاجروا إلى المدينةِ حُبًّا في الله ورسوله من أهل مكةَ، تركوا مكةَ وذهبوا إلى دارِ الهجرةِ لأنه كانتْ في أولِ الأمر الهجرةُ إلى المدينة بعدما هاجر رسولُ الله على من استطاعَ فرْضًا مؤكدًا، فهؤلاء العشَرةُ الذين هاجروا من مكةَ إلى المدينةِ امتثالا لأمر الله هم من المهاجرينَ الأولينَ الذين أثنى اللهُ عليهم في القرءانِ، ومنهم عمارُ بنُ ياسرٍ وبلالُ بنُ رباحٍ وأبو ذرٍ الغِفاريُّ وخلْق كثيرٌ، كلُّ هؤلاءِ دخلوا في قولِ اللهِ تعالى، فأثنى اللهُ عليهم وأخبرَنا أنه راضٍ عنهم وأنهم راضون عنه.
وأما الأنصارُ فهم كانوا من أهلِ المدينةِ ءامنوا بالرسولِ صلى الله عليه وسلم ونصروا دينَ الله فسُمُّوا الأنصارَ، اسمُ الأنصارِ اسمٌ إسلاميٌ لم يكنْ قبل ذلكَ، إنما أهلُ المدينةِ أغلبُهم من قبيلتَين: قبيلةِ الأوسِ وقبيلةِ الخزرجِ، فكانوا يُسَمَّوْن الأوسيّينَ والخزرجيينَ ولكنْ عندما نصروا رسولَ اللهِ سَمَّاهمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلَّم بذلِك الاسمِ. فالأنصارُ أيضًا من السابقينَ الأولينَ، اللهُ تعالى رضيَ عنهم ولو حصلتْ منهم بعضُ المعاصي، لا يسخطُ عليهم أبدًا لأنه عالـِمٌ بما كانَ وبما سيكونُ. لو كانَ أحدٌ من هؤلاء ينقلبُ كافرًا بعدَ موتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما أخبرَ الله أنهُ راضٍ عنهم فكلُّ هؤلاءِ تجبُ محبتُهم.
وأما معنى رضاهم عن اللهِ فهو عبارةٌ عن كونِـهِم مؤمنين صادقين مُسَلّمين لله تسليمًا. فمن وصف هؤلاء بأنهم انقلبوا بعد وفاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فخانوا أهلَ البيتِ فهو الخائنُ المفتري على اللهِ ورسولِه. الله تبارك وتعالى الذي خَلَقَ الخَلْقَ جميعًا وهو عالمٌ في الأزل بأحوالِ الناس أخبر أنه راضٍ عنهم، ومعنى ذلك أنهم يموتون على الإيمانِ والتقوى لا يخرجون عن ذلك، فهم كرماءُ على الله في الدنيا والآخرة ومُبغِضهم هو المخالفُ للقرءانِ، فهل بعد بيان الله تعالى بيانٌ ! لا، المؤمنُ هو الذي يُصَدِّقُ بكلّ ما جاء به كتابُ اللهِ وأما الذي يُصدّق ببعضٍ ولا يصدقُ ببعضٍ فأمرُه معلومٌ. فبعد ثناءِ الله تعالى على أولئكَ فمَنْ خوَّنَهم فلا يضرُّهم شيئًا من الدرجاتِ العُلى عندَ اللهِ.
ثمَّ إنَّ أهلَ البيتِ كانوا مع أولئِك، عليٌّ والعباسُ وأولاد العباسِ العشَرةُ كل هؤلاء كانوا يُصَلُّون وراءَ الخلفاءِ الثلاثة ما أحدٌ من أهل البيت أنِفَ أن يصلِيَ خلفَ هؤلاء الثلاثةِ، لولا أنهم كانوا يحبونهم محبةً صادقةً ما كانوا يُصلّون خلفَهم.
ثم زيادةٌ على ذلك مما يدلُ على أن أهلَ البيتِ كانوا راضين ومحِبينَ محبةً صادقةً لهؤلاءِ الثلاثةِ لا منافَقَةَ فيها أنَّ عليًّا كانَ له أولادٌ سمَّى واحدًا منهم أبا بكرٍ وآخرَ عمرَ وآخرَ عثمانَ الأكبرَ وآخرَ عثمانَ الأصغرَ، ثم الحسينُ بن عليٍّ كانَ له ولدٌ سماهُ أبا بكرٍ قُتِل مع أبيهِ الحسينِ في كربلاءَ . لولا أنهم يحبونَ أبا بكرٍ كانوا يُسمُّون أبا بكر ؟! ثم إنَّ عليًّا زوَّج عمرَ بنَ الخطَّابِ في زمنِ خلافتِه أمَّ كُلثومٍ بنتَ فاطمةَ أختَ الحسنِ والحسينِ من أجلِ التبركِ بنسبِ فاطمةَ فولدتْ له ولدًا سمّاه زيدًا - كان يُسَمّى زيدَ بنَ عُمرَ - ثمَّ بعدَ وفاةِ عمرَ رضي اللهُ عنه توفي زيدٌ وأمُهُ في ءانٍ واحدٍ فصُلّيَ عليهما في ءانٍ واحد صلاةَ الجِنازةِ، الولد وُضِعَ في المقدمةِ وأمه وضِعت خلفَهُ، لو كانَ عليٌّ في نفسِه حَزازةٌ من عمرَ ما كان زوَّجَه من ابنتِه الصغيرةِ السِنِّ وعمرُ كان في سنّ بين الخمسينَ والستين، ألا يكفي هذا دليلا على صدق محبة عليٍّ لعمرَ ولأبي بكر رضي الله عنهم ؟ ففي هذا التزويجِ دليل على أنه راضٍ على خلافةِ عمرَ وراضٍ عن الذي استخلفَه أبو بكر، فمن حقّق النظرَ في أحوال الصحابة عَلِمَ يقينًا بلا شكٍ ولا ريبٍ أن أهلَ البيت كانوا مُحبين لأهل السنة، بل وعلى عقيدة أهلِ السُّنة والجماعة.
ثم إنّ من دلائل صدقِ محبةِ أهلِ البيتِ للخلفاء الراشدين الثلاثةِ أنَّ امرأةً تُسمّى أسماءَ بنتَ عُميسٍ كانت من الصحابياتِ، وكانت زوجةَ جعفرٍ الطَيّارِ رضي الله عنه وعنها وقد سُمّي بالطيّار لأنه بعدما قُتِل في معركة تُسمّى غزوةَ مُؤْتَةَ جاءَ جعفرٌ مع جبريلَ وميكائيلَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلَّموا عليه فَرَدَّ عليهم السلام،ُ وكانتْ زوجةُ جعفرٍ بالقربِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أسماءُ هذا جعفرُ مع جبريلَ وميكائيلَ سلَّموا عليَّ فرددتُ عليهم السلامَ وأخبرني أنه أصيبَ في مُقدَّم جسدِه بسبعين إصابةٍ أو سبعين ونيّف وأنه قُطِعَتْ يدُه اليمنى ثم يدُه اليسرى فلما قُطِعت يداه عوَّضه الله عنهما بجناحَين يطير بهما في الجنة". هذا إخبارُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان بوحيٍ من اللهِ قبل أن يأتيَه الخبرُ عن الجيش، ثم جاء الخبرُ عن الجيش بما يوافق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قُطِعتْ يدُه اليمنى فحملَ الرايةَ بيدِه اليسرى ثم قُطِعتْ يدُه اليسرى فأخذها زيدُ بنُ حارثةَ ثم قُتِل فأخذها عبدُ الله بنُ روَاحةَ.
فأسماءُ زوجتُه وَلَدَت له ولدًا سمّتْه محمدًا ثم زوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر الصديقِ رضي الله عنه في غزوة حُنَيْنٍ فولدت من أبي بكر رضي الله عنه ابنًا له سمته محمدًا أيضًا، ثم بعدما توفي أبو بكرٍ رضي الله عنه تزوَّجها علي رضي الله عنه، وقد روى الشعبيُّ بأنّ أسماءَ افتخر ولداها محمدُ بنُ جعفر ومحمدُ بن أبي بكرٍ رضي الله عنه فقال كلٌّ : أنا خيرٌ وأكرمُ أبًا بحضور عليٍ، فقال عليٌّ : اقضي بينَهما. فقالت أسماءُ : "ما رأيت شابًّا أكرمَ من جعفرٍ وما رأيتُ شيخًا أكرمَ من أبي بكرٍ" فقال عليٌّ رضي الله عنه: "وما أبقيتِ لنا ؟" انظروا إلى صِدق عليٍّ لأبي بكر رضي الله عنهما حتى بعد مماته فكيف في حياتِه.
فهذه الحادثةُ تشهدُ أنّ عليًّا كان يحبُّ أبا بكر رضي الله عنه محبةً ليس فيها نفاقٌ ولا رياءٌ لأنه لو كان لا يُضْمِرُ محبتَه كان غضِب عندما قالت أسماءُ "وما رأيتُ شيخًا أكرمَ من أبي بكر " بل قال : " ما أبقيتِ لنا ؟".
فلا يكون الإنسانُ عند الله تعالى مقبولا تقيًّا مرضيًّا مهما عمِل من الحسناتِ ما دام في قلبه بُغْضٌ واعتراضٌ على أحدٍ من الخلفاء الثلاثةِ لا يكون عند الله تعالى من الأخيار ولا حتى قريبًا منهم
وءاخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ.

 

 

سلسة الذهب
harariyy.org

قائمة سلسة الذهب