من كان لأخيه عنده مظلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الأنبياء وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين.
أما بعد، فقد روى البخاري في الصحيح مرفوعًا "من كان لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم" معنى هذا الحديث أن من كان لأخيه المسلم عنده مظلمة في عرض أو مال لو كان سبه أو أكل له ماله بغير حق فليبرأ ذمته اليوم قبل يوم القيامة، لأنه إن لم يبرأ ذمته في الدنيا قبل الآخرة لا ترد عنه الدراهم ولا الدنانير شيئًا. فإن مات ولم يبرأ ذمته من هذه المظلمة إن كان له حسنات أخذ له صاحب الحق من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم تكف حسناته لذلك أخذ من سيئات المظلوم وحملت على الظالم.
وروى ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال لصحابي يقال له أبو جُري سُليم بن جابر "ولا تسبن أحدًا فإن عيرك أحد بما لا يعلم فيك لا تعيره بما تعلم به" قال سليم: "فما سببت بعد ذلك أحدًا ولا دابة". معنى الحديث خير لك أن لا تقابله بالمثل وهو حال أهل الكمال وهو أنهم يعفون بدل أن يردوا بالمثل. ثم إن المسبوب إذا رد على الساب بالمثل لا يطالبه المسبوب بذلك يوم القيامة ولكن يبقى حق الله، فإن تاب ذهبت عنه تلك المعصية.
وهذا معنى الحديث "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم" فيفهم من هذا الحديث أنه يجوز للمسبوب أن يرد بالمثل إن لم يكن في هذا السب كذب وهو معنى الآية ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ معناه لكم رخصة في أن تردوا بالمثل وإن كان ترك الرد أفضل.
فلو قال له "يا ظالم" يجوز له أن يقول له "يا ظالم" ولو قال له "يا خبيث" يجوز له أن يقول له "يا خبيث"، ولا يجوز له أن يزيد على ذلك أو أن يضربه بدل ذلك كما هو عادة كثير من الناس اليوم. وكذلك لا يجوز له أن يرد بالمثل إن كان في سبه كذب. وإن قال له "يا ظالم" ليس له أن يقول له يا لص وما أشبه ذلك. وإن سب له أخته أو أمه ليس له أن يسب له أخته أو أمه، فإن فعل فقد عصى الله وإن سبه وسب له أمه فلا بد أن يتوب من المعصيتين.
وإن قذف له أمه كأن قال له "يا ابن الزانية" فلا بد للقاذف من أن يتوب في المظلمتين، مظلمة قذف الأم ومظلمة إيذاء هذا الشخص لأنه تأذى بقذف أمه.
ورد في القرءان الكريم: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾، ﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ أي زوجته ﴿وَبَنِيهِ﴾ أي أبنائه فإن كان ظَلَم يفر منهم يوم القيامة لأنه يعرف أن ذلك اليوم يوم عقاب وقصاص، لكن أين المفر؟! أما الذين عاشوا وليس بينهم تبعات وظلم يشتاق بعضهم لرؤية بعض.