الإِسْلامُ دَانَتْ به الملائِكَةُ وَدَانَ به ءادَمُ عليه السَّلامُ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام المحدث عبد الله الهرري رحمه الله:
الإِسْلامُ هو دِينٌ عاش عليه الملائِكَةُ وجِبْرِيلُ عليه السَّلامُ، دَانَتْ به الملائِكَةُ وَدَانَ به ءادَمُ عليه السَّلامُ وعلى جميعِ أَنْبِيَاءِ اللهِ السَّلام.
ءادَمُ عليه السَّلامُ عاش مُسْلِمًا مُؤْمِنًا وَأَوْلادُهُ كذلك، عَلَّمَهُمْ أَحْكَامَ الإِسْلامِ فَعَاشُوا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ إِلى أَنِ انْتَهَى عُمُرُهُ. أَلْفُ سَنَةٍ عاش ءادَمُ عليه السَّلامُ، هذه الأَلْفُ سَنَةٍ ما كان فيها بَشَرٌ كَافِرٌ ؛ كانوا كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ يَعْرِفُونَ أَنَّ اللهَ تعالى هو الذي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، لا أَحَدَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ إِلا اللهُ. وكانوا يَعْرِفُونَ أَنَّ ءادَمَ نَبِيُّ اللهِ رسُولُ اللهِ، على الإِسْلامِ كانوا. بَعْدَمَا ماتَ ءادَمُ عليه السَّلامُ نَزَلَتِ النُّبُوَةُ على ابْنِ ءادَمَ الأَكْبَرِ واسْمُهُ شِيث، ثُمَّ لَمَّا مات شيثُ عليه السَّلامُ اللهُ تعالى أَعْطَى النُّبُوَةَ لإِدْرِيسَ، فَلَمَّا مات إِدْرِيسُ عليه السَّلامُ دَخَلَ الشِّرْكُ في البَشَرِ.
إِبْلِيسُ اللَّعِينُ ظَهَرَ لِبَعْضِ النَّاسِ وقال لَهُمُ اعْمَلُوا تَذْكَارًا لِفُلانٍ وَلِفُلانٍ وَفُلانٍ، لِخَمْسَةِ أَشْخَاصٍ كانوا مِنَ البَشَرِ كانوا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ أَتْقِيَاءَ صَالِحِينَ ذُكِرُوا في القُرْءانِ ﴿وَقَالُواْ لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)﴾ [سورة نوح] قال لَهُمُ اعْمَلُوا تِمْثَالا صُوَرًا لِهَؤُلاءِ حتَّى يَصِيرَ لَهُمْ عِنْدَكُمْ تَذْكَارٌ، فَاتَّخَذُوا صُوَرًا لَهُمْ، فَظَلُّوا يَقْتَنُونَ هذه الصُوَرِ لِلتَّذْكَارِ.
ثُمَّ بَعْدَمَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنَ الزَّمَنِ جَاءَ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسُ بِصُورَةِ بَشَرٍ، ما كان يَظْهَرُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ بِصُورَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، لا يَرَاهُ الإِنْسَانُ أَبَدًا على صُوْرَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، لَكِنْ عِنْدَمَا يَتَصَوَّرُ إِنْسَانًا أَوْ حَيَّةً يَرَاهُ الإِنْسَانُ.
بَعْدَ ذلك بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ جَاءَ وَظَهَرَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ هَؤُلاءِ كانوا ءَالِهَةً يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُعْبَدُوا، لازِمٌ تَعْبُدُوهُمْ فَعَبَدُوهُمْ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ انْقَلبُوا مُشْرِكِينَ، هذا أَوَّلُ ما دَخَلَ الكُفْرُ بِالبَشَرِ.
ثُمَّ اللهُ تعالى بَعَثَ نَبِيَّا اسمُه نوح، أَنْزَلَ عليه الوحيَ وأَمَرَهُ أَنْ يقولَ لِقَوْمِهِ اتْرُكُوا عبادةَ هذه الأَوْثَانِ التي تَعْبُدُونَها. كان نوحُ عليه السَّلامُ يَدْعُو العِبَادَ إِلى اللهِ يقولُ لَهُمْ: "اعْبُدُوا رَبَّكُمُ اللهُ الذي خَلَقَكُمْ وَاتْرُكُوا هذه الأَشْيَاءَ التي تَعْبُدُونَهَا" فما كانوا يَلْتَفِتُونَ لِكَلامِهِ ولَمْ يُؤْمِنْ بهِ إِلا عَدَدٌ قليلٌ؛ ثُمَّ نَزَلَ عليه الوَحْيُ بِأَنَّ قَوْمَكَ لا يُؤْمِنُونَ، أَيْ غيرَ الذين ءامنوا قَبْلَ هذا؛ فَدَعَا اللهَ عليهم بالهلاكِ فأَهْلَكَهُمُ اللهُ تعالى بالغَرَقِ.
ثُمَّ هؤُلاءِ الذين ءامنوا بِنُوحٍ على أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا الله وأَنَّ نُوحًا نَبِيُّ اللهِ رسولُ اللهِ، هؤُلاءِ عاشُوا وَحْدَهُمْ مِنْ غيرِ أَنْ يكونَ بينهم كافرٌ لأَنَّ الكفارَ كُلَّهُمْ هَلَكُوا بالغَرَقِ.
ثُمَّ بعد زمانٍ طويلٍ كَفَرَ بعضُ البشرِ حتى انتشَرَ الشِّرْكُ بالبشرِ ثُمَّ بَعَثَ اللهُ تعالى نبيًّا ءَاخَرَ يُسَمَّى هُودًا عليه السَّلامُ، فصار يَدْعُو عِبَادَ اللهِ إِلى الإِسْلامِ إِلى الإِيمانِ باللهِ وَحْدَهُ وبأَنَّه رسولُ اللهِ، فآمنَ به قِسْمٌ قليلٌ وكذَّبَهُ الأَكْثَرُونَ فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ تعالى بالريحِ، سَلَّطَ عليهِمُ الريحَ فَصَارَتْ تَرْفَعُهُمْ في الجوِّ ثُمَّ تَرْمِيهِمْ وقد انْقَلَعَ الرَّأْسُ عَنِ الجسدِ فأُهْلِكُوا ولَمْ يَبْقَ منهم إِلا المؤْمنونَ الذين ءامنوا باللهِ وَحْدَهُ وَبِنَبِيِّهِ هُودٍ عليه السَّلامُ. هؤُلاءِ عاشوا زمانًا طويلا ثُمَّ أَيضًا حَصَلَ الشِّركُ كما كان فيما قَبْلَهُ إِلى أَنْ بَعَثَ اللهُ تبارك وتعالى موسى عليه السَّلامُ. فموسى كان أَكْثَرَ الأَنبياءِ الذين كانوا قَبْلَهُ حَظًا في كَثْرَةِ الأَتْبَاعِ، تَبِعَهُ أَكَثَرُ مِمَّنْ تَبِعَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الأَنبياءِ.
بَعْدَ أُمَّةِ محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالكَثْرَةِ أُمَّةُ موسى هُمْ أَكثَرُ الأُمَم.
ثُمَّ بعد موسى عليه السَّلامُ كلَّما مات نبَيٌّ يَخْلُفُهُ نَبِيٌّ ءَاخَرُ حتى جاءَ المسيحُ، فَلَمَّا جاء المسيحُ قال لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رسولُ اللهِ إِليكم وأَظْهَرَ لَهُمُ المعجزات، أَحيا الموتى وأَبْرَأَ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ فقالوا إِنَّما أَنت سَاحِرٌ. على رَغْمِ هذه المعجزاتِ كَذَّبَهُ اليهودُ بعد أَنْ كانوا مُسْلِمِينَ مؤْمنين مُتَّبِعِينَ لِشَرِيعَةِ موسى عليه السَّلامُ انْقَلَبُوا كافرين كَذَّبُوا المسيحَ.
فَمَنْ كَذَّبَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ يكونُ كافِرًا ولا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ مُتَّبِعٌ النَّبِيَّ الذي قَبْلَهُ. الأَنبياءُ تَخْتَلِفُ شَرَائِعُهُمْ، فلا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ أَنْ يَتَشَبَّثَ بشىءٍ ويُخَالِفَ النَّبيَّ الجديدَ ويقولَ كان هذا الشىءُ حلالا في زمنِ النَّبيِّ الذي كان قَبْلَكَ كيف تُحَرِّمُ هذا الشىءَ؟ أَوْ كان حَرَامًا فكيف تُجِيزُهُ؟ يَكُونُ كافرًا ؛ بَلْ عليه أَنْ يَسْمَعَ وَيُطِيعَ لأَنَّ اللهَ تعالى يُحِلُّ شيئًا في زَمَنٍ ثُمَّ يُحَرِّمُهُ في زَمَنٍ بَعْدَهُ فالذي يَتَشَبَّثُ وَيَدَّعِي أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ الذي كان قَبْلَهُ في هذه الحادِثَةِ لا يَتَغَيَّرُ لا يَزَالُ هو الحكْمُ المعْمُولُ به فَيُكَذِّبُ هذا النَّبِيَّ الجديدَ فَيَصِيرُ كافرًا بِهذا النَّبِيِّ وبِالذي يَدَّعِي أَنَّهُ على دِينِهِ، يكونُ كافرًا بِالاثْنَيْنِ وبِجَمِيعِ الأَنبياءِ لأَنَّ الأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لا يُكَذِّبُ بَعْضُهمْ بَعْضًا". ا.هـ