لم يمنعهن الحياء من تعلم علم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه" رواه الطبراني بإسناد قوي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة" رواه الترمذي بإسناد صحيح.
وفي صحيح البخاري "والعلم قبل القول والعمل" واستدل على ذلك من قول الله تعالى:
﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾.
قال مجاهد رضي الله عنه: "لا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر". وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها "نعم النساء نساءُ الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء أن يتفقهن في الدين".
عائشة مدحت نساء الأنصار، أثنت عليهن بقولها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" ففي هذا مدحٌ للنساء اللاتي لا يستحين عن تعلم علم الدين. لو كان فيه ذكر شىء يستحى منه لا ينبغي للنساء أن يستحين عن تعلم ما ينبغي أن يتعلمنه، لا يمنعهن الحياء وفي ذلك ذم للنساء اللاتي يمنعهنَّ الحياء أن يتعلمن من علم الدين ما يحتجن إليه لو كان مما يُستحى منه عادةً، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها تحققت ذلك فيهن.
فقد روى البخاري أيضًا ومسلمٌ أن أم سليم بنت ملحان الأنصارية سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء" يعني المني.
روى البخاري هذا الحديث وأضاف إليه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غطت أي وجهه استحياءً مما ذكرته أم سليمٍ الأنصارية وقالت أتحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تربت يداكِ فبمَ يشبه الولد أمه". وعند مسلم أن التي قالت أتحتلم المرأة عائشة رضي الله عنها وأنها قالت لأم سُليمٍ "فَضَحْتِ النساء".
ففي هذا الحديث فوائد منها أنه لا ينبغي الاستحياء للنساء عن تعلم علم الدين وسؤال ما يحتجن إليه لأن أم سليم رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ سألت ولم تستحِ لأن هذا الأمر الذي قد تستحي منه النساء.
وفي هذا الحديث أيضًا أنه يجب على النساء الغسل إذا احتلمت وخرج منها مني في نومها وأنه لا غسل عليها إذا لم ترَ المني، وفي هذا الحديث أيضًا أن الولد لا يخلق من ماء الأب فقط بل يختلط به ماءُ الأم أي منيها وأنه لذلك أحيانًا يشبه الولد أمه.
ثم هذا المني علامته التي إذا تحققها الإنسان وجب عليه الغسل: الإحساس بلذةٍ بخروجه أو الإحساس بريح عجيب حين يكون رطبًا ويُعرف أيضًا بالتدفق أي بالخروج دفعات بقوة وشدة. وأما اللون فلا يشترط له لون واحد وإن كان الغالب في مني الرجل أن يكون أبيض ثخينًا وفي مني المرأة أصفر رقيقًا. وليس هذا علامة ضرورية أي أن اللون ليس علامة ضرورية إنما العلامة الأصلية التي يعرف منها المني من غيره هي اللذة بالخروج، ورائحة العجين في حال كونه رطبًا أو بياض البيض في حال كونه جافًا.
إذا خرج المني بسبب الاحتلام أي مداعبة الرجل والمرأة في المنام فقد وجب عليه الغسل لا فرق بين ذلك بين الذكر والأنثى وقوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لأم سليم "نعم إذا رأت الماء" يعني به الماء الذي يخلق منه الإنسان وهو المني ليس المذي لأن المذي لا يوجب الغسل إنما يوجب الاستنجاء وغسل ما أصابه، والمذي هو الذي يخرج عند المداعبة يقظةً أو التفكير في الجماع فلا يوجب الغسل لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمقداد رضي الله عنه لَما سأله عن حكم المذي: يغسل ذكره. وسبب الحديث أن علي بن أبي طالبٍ جاء إلى المقدادِ فأمره أن يسأل رسول الله عن حكم المذي لأن عليًا كان متزوجًا بفاطمة رضي الله عنها فاستحى أن يواجه رسول الله بالسؤال فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر منه فعلم عليٌ أن حكمه غسل موضع الخروج ليس الغسل الكامل وكان علي قبلاً لم يعلم أن المذي لا يوجب الغسل. كان كلما خرج منه المذي يغتسل، فتضرر من ذلك من كثرة الاغتسال في وقت البرد تضرر تشقق جلده، من كثرة الاغتسال في وقت البرد تشقق جلده كان يظن أن المذي يوجب الغسل كالمني فلما علم الحكم استراح.
فمن اهتم لأمر الدين فلم يستح من السؤال مما يستحى منه كمل دينه ونجا في ءاخرته، سلم له دينه ونجا في ءاخرته. وأما من استحى ولم يتعلم فقد عرض نفسه لعذاب الله ولأهمية ذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء أن يتفقهن في الدين".
فلا ينبغي أن يستهين مسلم يتعلم أحكام الطهارة والحيض فإن من استهان بذلك هلك لأن الطهارة شطر الدين أي نصف الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان" وفي رواية "نصفُ الإيمان". وقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جبريل في بعض رواياته لَما سأله جبريل، ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة وإسباغ الوضوء. ومهما كان أمر الصلاة والطهارة مهمًا مهما بلغ في الأهمية فإن هناك أمر أهم منه ومن كل عمل بر وهو الإيمان بالله ورسوله فإنه صلى الله عليه وسلم سُئل أي الأعمال أفضل قال: "إيمانٌ بالله ورسوله". وإنما كان الإيمان بالله ورسوله أفضل من الصلاة والصيام والحج والجهاد في سبيل الله وغير ذلك لأن الله تبارك وتعالى لم يجعل للإيمان به وبرسوله بديلاً ولا كفارة، ولا يغفر الله تعالى لمن ترك الإيمان بالله ورسوله فمات، لا يغفر الله لهم.
من عرف الله ورسوله كما ينبغي وتجنب الكفر ومات وهو يؤمن بالله ورسوله فإن الله تعالى يغفر لمن يشاء منهم الذنوب كلها لكنه لا بد أن يعذب قسمًا من المسلمين بترك الفرائض وارتكاب الكبائر، لا بد أن يعذب الله تعالى قسمًا من المسلمين الذين يموتون مؤمنين بالله ورسوله مع ترك الفرائض مع ترك الصلاة أو صيام رمضان أو الحج لمن استطاع أو الزكاة أو ارتكاب شرب الخمر أو الزنا أو غير ذلك، لا بد أن يعذب يوم القيامة قسمًا من المسلمين الذين وقعوا من ترك الفرائض أو ارتكاب الذنوب الكبيرة. لا بد أن يعذب قسمًا ولا بد أن يغفر لقسم من المسلمين الذين تركوا الفرائض أو ارتكبوا الكبائر لا بد أن يغفر الله لهم. وليس عند الله تعالى ذنب لا يغفر إلا الكفر، ما هو الكفر؟ الكفر أنواع: الإشراك بالله كفر، وتكذيب شرع الله كفر، وتكذيب شىء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كفر.
كانت سيدتنا عائشة رضي الله عنها أفقه امرأة، لم توجد امرأة أفقه منها لا قبلها ولا بعدها، هي أفقه النساء على الإطلاق، أعلم النساء بعلم الدين. قالت رضي الله عنها في بيان فضل العلم: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء أن يتفقهن في الدين" معناه أن نساء الأنصار لهن فضيلة وهي أنهن ما منعهنَّ الحياء أن يتعلمن علم الدين معناهُ كن يسألنَ عن كل ما يحتجنَ إليه من علم الدين حتى عن المسائل التي يستحي منها الناس مثل الاحتلام. كثير من النساء يستحين أن يذكرن الاحتلام، الاحتلام في النوم. أم سليم قالت: يا رسول الله .. أنس ادعُ الله له فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشياء إحداها أن يكثر الله ماله وولده ويطيل عمُرهُ.
فنال الدعوات الثلاث، تحقق له. أما من حيث المال فكان عنده من المال الشىء الكثير الكثير حتى إنه كان له بستان نخل يثمر في العام مرتين والعادة في النخل أنه لا يثمر في العام إلا مرة واحدة، وكان بستانه هذا يشم منه رائحة المسك من اقترب منه كان يشم منه رائحة المسك. وأما الأولاد فقد رزقه الله أكثر من مائة وخمسين ولدًا وأما من حيث العمر فقد عاش تسعين سنة وزيادة.
هذه أم سليم أم أنس بن مالك هذا رضي الله عنهما جاءت إلى الرسول وسألت رسول الله عن مسئلة يحتاج إليها في الدين وإن كان مما يستحي النساء منه أن يسألن ماذا قالت من حسن أدبها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخطابها قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ المعنى هل يجب على المرأة أن تغتسل إذا رأت في المنام أنها تداعب أنه حصل جماع هل عليها غسل فقال الرسول: "نعم إذا رأت الماء" أي عليها غسل إذا خرج منها المني في المنام عندئذ خجلت عائشة وأم سلمة أم سلمة غطت وجهها من الاستحياء وعائشة قالت لها: "فضحت النساء" ليس استنكارًا إنما تعجبًا من جرأتها من السؤال بالحق. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة وأم سلمة قولاً فيه عتاب لهما - أم سلمة وعائشة من زوجات الرسول - فقال عليه الصلاة والسلام: "تربت يداك فبم يشبه ولدُها" معناه لو كانت المرأة لا يخرج منها مني ما كان ولدُها يشبهها. إنما يشبه الولدُ أمه أحيانًا من أجل منيها لأن مني الرجل أحيانًا يسبق مني المرأة وأحيانًا الأمر بالعكس فإذا سبق مني الرجل مني المرأة أشبه الولد أباه وإذا سبق مني المرأة مني الرجل أشبه الولد أمهُ. فهذه أم سليم رضي الله عنها لو لم تسأل كانت بقيت في شك هل يجب عليها الغسل أم لا إذا خرج منها المني في المنام؟ فلو خرج منها وصلت صلاتها فاسدة وتستحق عذابًا في الآخرة لأنها ما تطهرت وصلت، والصلاة لا تصح إلا بطهور، لكنها هي استفادت وأفادت غيرها.
معنى الإيمان بالله أن يعتقد الإنسان أن الله تعالى موجود وأنه لا أحد يستحق أن يتذلل له نهاية التذلل إلا هو، الله تعالى هو فقط يستحق أن يتذلل له غاية التذلل. وضع الجباه التي هي أشرف أعضاء الإنسان على موطىء الأقدام على الأرض متضرعين إلى الله تعالى مقدسين مسبحين ممجدين له، هذا غاية التذلل ولا يستحق هذا التذلل أحدٌ إلا الله. ثم معرفة الله تعالى والإيمان به لا يصح مع تشبيهه بشىء من خلقه، ليعلم ذلك الإنسان. لا يكون الإنسان عند الله مؤمنًا عارفًا الله إلا بأن يؤمن بوجوده من غير تشبيه لله تعالى بخلقه، فمن عرف الله تعالى ولم يشبهه بشىء من خلقه لم يشبهه بالنور ولا بالظلمات أي لم يعتقد بقلبه أن الله نور ولا أنه ظلمة ولا أنه هواء ولا أنه روح ولا أنه كالإنسان ولا أنه كالشمس أو القمر لم يشبهه بشىء إنما اعتقد أن الله موجود من غير أن يشبهه بشىء فهذا عرف الله وءامن به.
أما من ظن أنه عرف الله وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله بلسانه وهو يعتقد أن الله كالشمس شىء أبيض منير هذا لم يعرف الله وليس مؤمنًا ليس مسلمًا، كذلك الذي يظن أن الله تعالى مثل الهواء هذا ما عرف الله ما ءامن بالله، كذلك الذي يعتقد أن الله شىء قاعد على العرش فوق السموات السبع على ظهر العرش أو تحت العرش، فوق السموات وتحت العرش، من اعتقد أن الله كذلك فما عرف الله ولا ءامن به ولو كان نطق بلسانه أنه عرف الله أنه ءامن بالله فهو عند الله ليس بمسلم ولا مؤمن، لأن الله تعالى لو كان يشبه الإنسان ما خلق الإنسان، ما استطاع أن يخلق الإنسان. نحن لا نستطيع أن نخلق إنسانًا مثلنا.
وكذلك لو كان يشبه الملائكة ما استطاع أن يخلق الملائكة، لو كان يشبه الشمس والقمر ما استطاع أن يخلق الشمس والقمر. لو كان يشبه الهواء ما استطاع أن يخلق الهواء، لو كان يشبه الروح ما استطاع أن يخلق الروح. نحن فينا أرواح كل واحد منا له روح والملائكة لهم أرواح والجن لهم أرواح، وهذه البهائم لها أرواح. فالله تبارك وتعالى لو كان له روح لم يستطع أن يخلق هذه الأشياء الإنسان والملائكة والجن والبهائم والطيور. ولو كان يشبه النور كالشمس والقمر ما استطاع أن يخلق الشمس والقمر لأن مشابه الشىء لا يستطيع أن يخلق مشابِهَهُ. فلذلك الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه، لا يشبه هذا العالم الذي رأيناه وما لم نره من العوالم، لا يشبه شيئًا من ذلك ولا يحُلُّ في شىء من خلقه ولا يلمس ولا يُلامس شيئًا من خلقه لا يجوز عليه الملامسة والجلوس والقعود والتعلق في الهواء. الله تبارك وتعالى ليس متعلقًا في الهواء في الفضاء ولا هو متصلٌ بالعرش مماس للعرش أو لسماء من السموات ولا هو ذو شكلٍ ضخم ولا هو ذو شكل صغير ولا هو ذو شكل نعتبره نحن متوسطًا، لا يجوز عليه الشكل لا يجوز عليه المقدار لا يجوز أن يكون له مساحة. الإنسان له مساحة طول وعرض وسمك، كذلك الشمس لها حجم ولها مساحة كذلك الأرض لها مساحة كذلك العرش المجيد الذي هو أعظم خلق الله مساحة، له مساحة له حدود وأبعاد. فالله تبارك وتعالى ليس كهذه الأشياء كلها فهو كما قال تبارك وتعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ شىء موجود لا يشبه الموجودات ثم الله تبارك وتعالى وجوده ليس كوجودنا.