قاعدة عظيمة النفع في تنزيه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما ما أملاه العلامة المحدث الشيخ عبد الله الهرري غفر الله له ولوالديه
نقل البيهقي في كتاب «الأسماء والصفات»1 عن الإمام أبي سليمان الخطابي أنه قال: «إن الذي علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أنّ ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة فإن الصورة تقتضي الكيفية، والكيفية منفية عن الله وعن صفاته» .
وفيه أيضًا عن أبي الحسن علي بن محمد الطبري وجماعة ءاخرين من أهل النظر ما نصه2 : «والقديم سبحانه عالٍ على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد لأن المماسة والمباينة التي هي ضدها والقيام والقعود من أوصاف الأجسام والله عزَّ وجلَّ أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى.
وحكى الأستاذ أبو بكر بن فورك هذه الطريقة عن بعض أصحابنا أنه قال: «استوى بمعنى علا» ثم قال: «ولا يريد بذلك علوًّا بالمسافة والتحيز والكون في مكان متمكنًا فيه ولكن يريد معنى قول الله عزَّ وجلَّ  ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾[سورة الملك] أي من فوقها على معنى نفي الحد عنه. وأنه ليس مما يحويه طبق أو يحيط به قُطرٌ» اهـ ثم قال: «قلت: وهو على هذه الطريقة من صفات الذات، وكلمة «ثم» تعلقت بالمستوى عليه لا بالاستواء وهو كقوله  ﴿ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾[سورة يونس] يعني ثم يكون عملهم فيشهده، وقد أشار أبو الحسن علي بن إسماعيل إلى هذه الطريقة حكاية فقال: وقال بعض أصحابنا إنه صفة ذات ولا يقال لم يزل مستويًا على عرشه كما أن العلم بأن الأشياء قد حدثت من صفات الذات ولا يقال لم يزل عالمًا بأن قد حدثت ولمَّا حدثت بعد، قال: وجوابي هو الأول وهو أنالله مستوٍ على عرشه وأنه فوق الأشياء بائن منها بمعنى أنها لا تحله ولا يحلها ولا يمسها ولا يشبهها وليست البينونة بالعزلة تعالى الله ربنا عن الحلول والمماسة علوًّا كبيرًا». انتهى كلام البيهقي بنصه.
ثم قال عقبه ما نصه3 : «وفيما كتب إليَّ الأستاذ أبو منصور بن أبي أيوب أنَّ كثيرًا من متأخري أصحابنا ذهبوا إلى أن الاستواء هو القهر والغلبة ومعناه أن الرحمـن غلب العرش وقهره، وفائدته الإخبار عن قهره مملوكاته وأنها لم تقهره وإنما خص العرش بالذكر لأنه أعظم المملوكات فنبَّه بالأعلى على الأدنى». انتهى كلامه وحاصله كما لا يخفى أنَّ فوقية الله على عرشه فوقية القهر والعظمة. وما روي عن ابن عباس أنه فسر الاستواء بالاستقرار فهو من رواية السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح قال البيهقيّ4 : «رواية منكرة» اهـ، وهذا السند يسمى سلسلة الكذب فوجب الحذر من كتاب «تنوير المقباس من تفسير ابن عباس» فإنه كذب عليه.
وينبغي أن يُتَنَبّه لمراد من قال من الأئمة إنه بائن من الأشياء ومن قال منهم إنه تعالى غير مباين فإنه ليس خلافًا حقيقيًّا بل مراد من قال بائن أنه لا يشبهها ولا يماسها ومراد من قال ليس مباينًا نَفْيُ المباينة الحسية المسافية فمن نقل كلام من قال منهم إنه بائن وحمله على المباينة المسافية والمحاذاة كابن تيمية فقد باين الصواب وقَوَّلَ أئمة الحق ما لم يقولوه فَحَذَارِ حَذَار ممن يحمل كلامهم على غير محمله.
تنبيه ما يروى عن الحاكم5 ثنا أبو العباس الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بُكَير عن محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمـن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد الله بن أبي سلمة قال: إن عبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بعث إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يسأله هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نعم. فرد عليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رسوله أن كيف رءاه؟ فأرسل أنه رءاه في روضة خضراء دونه فراشٌ من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسرٍ وملك في صورة أسد، وفي رواية في صورة رجل شاب. قال البيهقي6 : «فهذا الحديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذ لَم يبين سماعه فيه. وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس رضي الله عنهما وبين الراوي عنه. وليس شىء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي من وجه ءاخر ضعيف أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو زكريا العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا إبراهيم بن الحكم بن أبان قال: حدثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال نعم رءاه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ» اهـ، قال البيهقي: «إبراهيم بن الحكم بن أبان ضعيف في الرواية ضعفه يحيى بن معين وغيره» اهـ.
قلت: وهذا تشبيه صريح روى مثله ابن كثير في تفسيره7 ولا يستغرب منه ذلك لأنه من أتباع ابن تيمية إمام المشبهة. ومن يعتقد هذا وأمثاله من كل ما فيه تجسيم لله فهو جاهل بالله وقد تقدم قريبًا ما قاله الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في هذا وهو نفيس.
ولو كان الله تعالى كما تقول مشبهة الحنابلة كابن تيمية ومن قبله كأبي إسماعيل الهروي الذي تسميه المشبهة شيخ الإسلام في كتابه الذي سماه «الفاروق» لكان محدودًا وما كان محدودًا فهو مخلوق يحتاج إلى من حدَّه وتعالى الله رب العالمين الذي خلق المحدودات أن يكون محدودًا. وهكذا شأن من وصف الله بالتحيز في جهةٍ من الجهات لأن المتحيز في جهة يكون بقدر تلك الجهة، وكل مقدرٍ فهو مخلوقٌ حادثٌ قال الله تعالى﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾   أي بمقياس فكفى بالرجل كفرًا أن يجعل الله متحيزًا في جهةٍ من الجهات مقدَّرًا بالمقياس كما تُقدّر به المخلوقات.
فإن قالوا دليلنا قوله تعالى﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾   يقال لهم ينهدم عليكم هذا بِظاهر ءاية ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ فإن ظاهر الآية أن الله محيطٌ بالعالم إحاطة القبة بما تحويه وإحاطة الحُقة بما فيها، فإن قلتم نتمسك بظاهر الآيات فقد تناقضتم وإن أولتم ما يخالف عقيدتكم من الظواهر ومنعتم أهل السنة من تأويل ما يخالف الآيات الصريحة في التنزيه فقد تحكمتم. وعلى كلّ فأين ما تزعمون من الإيمان بقوله تعالى
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾  وقد ناقضتم الآية مناقضةً ظاهرة.
فوائد مهمة في التنزيه:
الأولى قال البيهقي في كتاب الاعتقاد عند ذكر حديث النزول إلى السماء الدنيا ما نصه8 : «هذا حديث صحيح رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأصحاب الحديث فيما ورد فيه الكتاب والسنة من أمثال هذا ولم يتكلم أحد من الصحابة والتابعين في تأويله على قسمين منهم من قَبِلَه وءامن به ولم يؤوله ووَكَل علمه إلى الله ونفى الكيفية والتشبيه عنه، ومنهم من قبله وءامن به وحمله على وجه يصح استعماله في اللغة ولا يناقض التوحيد» اهـ.
ثم قال: «وفي الجملة يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشىء من خلقه لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين بائنٌ من جميع خلقه وأن إتيانه ليس بانتقال من مكان إلى مكان وأن مجيئه ليس بحركة وأن نزوله ليس بنُقلة وأن نفسه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة وأن يده ليست بجارحة وأن عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف فقد قال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾  وقال  ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾  وقال ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ » اهـ.
ثم قال: «أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بَالُويَه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجة ثنا الوليد بن مسلم قال سئل الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيفية» اهـ.
الثانية قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري شرح صحيح البخاري» ما نصه9 : «وأما الساق فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾  [سورة القلم] قال عن شدة من الأمر والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدت ومنه: [الرجز]
قد سنَّ أصحابُك ضربَ الأعناقْ
                   وقامَت الحربُ بنا على ساقْ
وجاء عن أبي موسى الأشعري في تفسيرها10 عن نور عظيم. قال ابن فورك11 : معناه ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف. وقال المهلب: كشف الساق للمؤمنين رحمة ولغيرهم نِقمة. وقال الخطابي12 : تهيب كثير من الشيوخ الخوض في معنى الساق.
ومعنى قول ابن عباس أن الله يكشف عن قدرته التي تظهر بها الشدة. وأسند البيهقي13 الأثر المذكور عن ابن عباس بسندين كل منهما حسن. وزاد: إذا خفي عليكم شىء من القرءان فابتغوه من الشعر، وذكر الرجز المشار إليه.
وأنشد الخطابي14 في إطلاق الساق على الأمر الشديد: [مشطور الرجز]
في سَنَةٍ قد كشفت عن ساقها
وأسند البيهقي15 من وجه ءاخر صحيح عن ابن عباس قال يريد يوم القيامة» اهـ.
الثالثة قال محمد بدر الدين بن بلبان الحنبلي الدمشقي المتوفى سنة 1083 من الهجرة في كتابه «مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات» ما نصه16 : «ويجب الجزم بأنه سبحانه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض لا تحله الحوادث ولا يحل في حادث ولا ينحصر فيه، فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر. فيجب الجزم بأنه سبحانه بائن من خلقه فالله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان ولا يعرف بالحواس ولا يقاس بالناس ولا مدخل في ذاته وصفاته للقياس لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا فهو الغني عن كل شىء ولا يستغني عنه شىء ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء فمن شبهه بشىء من خلقه فقد كفر كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأجسام» اهـ.
وقال أيضًا17 : «فلا يتعدد علمه». اهـ
وقال18 : «لم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفًا بصفاته العليا وأسمائه الحسنى وبأنه سبحانه عالم بعلمٍ واحد قديمٍ باق ذاتي محيطٍ بكل معلوم كلي أو جزئي على ما هو عليه فلا يتعدد علمه بتعدد المعلومات ولا يتجدد بتجددها ليس علمه جلَّ وعلا ضروريًا ولا نظريًا ولا كسبيًا ولا استدلاليًّا لأن هذه صفات لعلم المخلوق فهو جلَّ وعلا منـزه عن مشابهته مطلقًا» اهـ.
ثم قال19 : «وبأنه سبحانه على كل شىء قدير بقدرة واحدة وجودية قديمة باقية ذاتية متعلقة بكل ممكن فلم يوجد شىء ولا يوجد إلا بها وبأنه تعالى مريد بإرادة واحدة قديمة ذاتية باقية متعلقة بكل ممكن وبأنه تعالى حي بحياة واحدة وجودية قديمة ذاتية وبأنه تعالى سميع بصير بسمع وبصر قديمين ذاتيين وجوديين متعلقين بكل مسموع ومبصَر وبأنه تعالى قائل ومتكلم بكلام قديم ذاتي وجودي غير مخلوق ولا محدث ولا حادث» اهـ.
الرابعة قال البياضي في كتابه «إشارات المرام من عبارات الإمام» ممزوجًا بالشرح20 : «(فمن قال لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر) لكونه قائلاً باختصاص البارىء بجهة وحيز وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاجٌ مُحْدَثٌ بالضرورة فهو قول بالنقص الصريح في حقه تعالى (كذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض) لاستلزامه القول باختصاصه تعالى بالجهة والحيز والنقص الصريح في شأنه سيما في القول بالكون في الأرض ونفي العلو عنه تعالى بل نفي ذات الإلـه المنـزه عن التحيز ومشابـهة الأشياء وفيه إشارات:
الأولى أن القائل بالجسمية والجهة منكر وجود موجود سوى الأشياء التي يمكن الإشارة إليها حسًّا فهم منكرون لذات الإله المنـزه عن ذلك فلزمهم الكفر لا محالة» اهـ.
ثم قال: «الثانية. إكفار من أطلق التشبيه والتحيز وإليه أشار بالحكم المذكور لمن أطلقه واختاره الإمام الأشعري فقال في النوادر: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به كما في شرح الإرشاد لأبي القاسم الأنصاري. وفي الخلاصة أن المشبه إذا قال له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر» اهـ.
ثم نقل عن الآمدي في كتابه المنائح: «ومن وصفه تعالى بكونه جسمًا منهم من قال إنه جسم أي موجود لا كالأجسام كبعض الكرَّامية، ومنهم من قال إنه على صورة شاب أمرد، ومنهم من قال على صورة شيخ أشمط21 وكل ذلك كفر وجهل بالرب ونسبة للنقص الصريح إليه تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا» اهـ.
قال الإمام أبو حنيفة في الوصية والفقه الأكبر: «ولقاء الله تعالى لأهل الجنة حق بلا كيفية ولا تشبيه ولا جهة» اهـ قال البياضي22 : «وفيه إشارات الأولى. أنه تعالى يُرى بلا تشبيه لعباده في الجنة يخلق قوة الإدراك في الباصرة من غير تحيز ومقابلة ولا مواجهة ولا مسامتة اهـ.
وإنما الذي يتحيز الجسم فالجسم الكثيف كالشمس والنجم والشجر والحجر والإنسان وسائر ما يمكن جسه باليد والجسم اللطيف كالنور والظلام لا بد أن يكون متحيزًا في جهة من الجهات فيكون له مقدار وكل ما له مقدار يحتاج إلى من خصه بذلك المقدار دون غيره، والله لا يحتاج إلى غيره ويدل على ذلك قول الله تعالى ﴿وَكُلُّ شَىءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)﴾ وقد تقدم بيانه.
الخامسة في قول الإمام الطحاوي في تسميته عقيدته المشهورة «ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة» دليل على أن كل الأئمة المجتهدين يكفّرون المجسم وذلك لقوله في هذا الكتاب: «تعالى - يعني الله - عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات» وقوله: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر»، ففي قوله هذا أوضحُ الدليل على أنهم يكفرون من يقول بالتجسيم ومن يقول بوصف الله تعالى بوصف من أوصاف الخلق كالحركة والسكون والاتصال بشىء والانفصال عنه والحلول في مكان أو في كل مكان لأن هذه من أوصاف البشر وغير البشر من العوالم، بل اعتقاد هذا من سخافة العقل لأن الله تعالى لو كان جسمًا لاستحال أن يخلق الجسم ولو كان يصح في العقل أن يكون الخالق جسمًا لصحت الألوهية للشمس، فماذا يقول هذا المجسم لله لو قيل له أنت تقول الله جسم والشمس جسم فكيف لا تصح على موجب قولك الألوهية للشمس مع أن الشمس جسم كبير حسن المنظر كثير النفع فبأي جواب يرد وليس عنده من حيث العقل دليل بل عابد الشمس يسكته، يقول له عابد الشمس أنا أقول الشمس هي الإلـه لأنها جسم كبير مشاهد كثير النفع تنفع البشر والنبات والهواء أما معبودك الذي تزعم أنه خالق العالم وتزعم أنه جسم قاعد فوق العرش فليس مشاهدًا لك ولا لنا وليس له منفعة مشاهدة فكيف لا تستحق الشمس التي أنا أعبدها الألوهية ويستحق الذي تقول إنه جسم قاعد على العرش فالمجسم الوهابي أو غيره ليس عنده جواب. فإن قال: قال الله في القرءان  ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ، قال عابد الشمس أنا لا أؤمن بكتابك أريد منك دليلاً عقليًّا على صحة ما تقوله وعلى بطلان ديني من عبادة الشمس. هنا ينقطع المجسم أما المنزه لله تعالى عن الجسمية والتحيز في المكان والمقدار والكمية والحجم وكل صفات الجسمفيقول لعابد الشمس: أنا معبودي هو الذي تصح له الألوهية لأنه لا يشبه شيئا ولا يجوز عليه التغيُّر كما يجوز على الشمس، الشمس لها طلوع وغروب ويعتريها كسوف في بعض الأوقات فهي تحتاج إلى من يدبرها وإلى من خصصها بهذه الصفات التي فيها بدل غيرها لأنه لا يصح في العقل أن تكون هي خلقت نفسها، لا يصح أن تكون هي جعلت نفسها على هذا الشكل الخاص أي الاستدارة، ولا أن تكون هي خصت نفسها بالحرارة التي هي عكس صفة القمر، ولا أن تكون جعلت نفسها على هذا الحجم والمقدار. فالعقل لا يصحح وجود شىء من الأشياء إلا بإيجاد موجد ليس جسمًا وليس متحيزًا في جهة من الجهات، فذلك الموجود هو الذي يصح في العقل أن يكون خالقًا للعالم مدبرًا له للشمس وما سواها وذلك الموجود هو المسمى الله. عرفنا وجوده بالعقل وعرفنا اسمه بطريق الأنبياء23 .
فإذا تبين ذلك علم شدة سخافة عقل المجسم الذي يعتقد أن مكون العالم على اختلاف أنواعه من حيث صغر الحجم وكبره والحرارة والبرودة واللون هو جسم قاعد على العرش. يقال له أنت جسم فاخلق إن كنت تستطيع حبة خردل وهي جسم.
تنبيه قول الطحاوي «هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني» معناه أن تعبيره في الكتاب على حسب أساليب هؤلاء الثلاثة ليس المراد أن ما اشتمل عليه هذا الكتاب من نفي الجسمية والتحيز في المكان عن الله وغير ذلك من صفات البشر خاص بهؤلاء المجتهدين الثلاثة. يدفع هذا الوهم الاسم الذي سمى به عقيدته وهو «ذكر بيان عقيدة أهل السنة» أهل السنة هم الصحابة ومن تبعهم في العقيدة فأهل السنة كلهم ينفون عن الله كل صفات الخلق من حركة وسكون وقيام وقعود وانفصال واتصال ومماسة وتكرر إراداته في ممر الأوقات والكلام بالحرف والصوت وقيام صفة حادثة بالله ويقولون إن قول المشبهة بما فيهم من الوهابية وأسلافهم بخلاف ذلك ضلال.
وفي قول أبي حنيفة في الفقه الأكبر «والله يتكلم بلا ءالة ولا حرف» بيان أن الله منزه عن أن يكون تكلم بالقرءان بالحرف والصوت. وإنما القرءان له إطلاقان أحدهما كلام الله الواحدُ الذاتيُّ الأزليُّ الأبدي الذي لا يتبعض ولا يتجزأ والإطلاق الآخر أنه يراد به الألفاظ والحروف التي قرأها جبريل بإذن الله على محمد صلى الله عليه وسلم ثم قرأها محمد على أصحابه، ولا يقال إن الله تعالى تكلم به على هذا الوجه لأن الحروف بعضها تحصل من انطباق الشفتين كالباء والميم والفاء وبعضها من الحلق مع انفتاح الشفتين فلا يجوز أن يكون الله تعالى ينطق بالحروف لأنه يلزم عليه تشبيهه بخلقه ومع ذلك القرءان بمعنى الحروف التي نزل بها جبريل يقال له كلام الله لأنه عبارة عن الكلام الذاتي الذي ليس حرفًا ولا صوتًا.
ومن الدليل على أن حروف القرءان لا يصح أن ينطق الله بها إنما الذي نطق بها هو جبريل بعد أن أخذه من اللوح المحفوظ بأمر الله قوله تعالى ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾  أي جبريل وذلك لأن جبريل أخذه بأمر الله من اللوح المحفوظ ونزل به إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أوقات متفرقة وقرأه عليه بأوقات متفرقة فلو كان الله تكلم به بالحرف والصوت ما قال ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ بل لقال إنه لقولي.
وأما قوله تعالى ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ﴾  فمعناه جمعناه لك في صدرك فاتبع قرءانه أي قراءته.
فصل قال مشاهير أهل السنة كالبيهقي24 إن كلام الله واحد أزلي أبدي كسائر صفاته من قدرته ومشيئته وعلمه وسمعه وبصره وحياته. وأما قول الله تعالى في القرءان ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ فالتعبير فيه بلفظ الجمع لتعظيم كلامه ليس لأنه متعدد ككلام الخلق فإن الخلق هم الذين يتكلمون كلامًا يتخلله السكوت ويكون مؤقتًا بوقت.
قالوا كذلك ذكر اليد المضافة إلى الله بلفظ التثنية ولفظ الجمع للتعظيم ليس لأن الله تعالى له يدان اثنتان وأيد كثيرة من الجوارح وذلك في قوله ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾وقوله  ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾. وكذلك قالوا في العين أضافها الله إلى نفسه بلفظ الإفراد وبلفظ الجمع قال تعالى  ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾  وقال  ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ كما عبر عن ذاته بلفظ الجمع قال تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾وقال ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾وقال  ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾كلمةُ فاعلين جمع لكن لم يرد بها الجمع إنما أراد بها ذاته المقدس الواحد الأحد.
وقد أنكر الحافظ ابن الجوزي الحنبلي25 قول ابن خزيمة «لربنا عينان ينظر بهما» فابن خزيمة مجسم ومن ذكره بلفظ التعظيم كقول النووي في أول المجموع26 فيه أي ابن خزيمة «إمام الأئمة» فذلك لأنه إنما عرف عنه أنه حافظ للحديث ولو عرف ذلك ما مدحه بل ذمه لأنه قال في «شرح المهذب»27 بتكفير المجسم كما قال إمامه الإمام الشافعي محمد بن إدريس28 : «المجسم كافر». ورَوَى الإمام الجليل أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي القاضي حسين بن محمد29 الذي كان يلقب حبرُ الأمة كما قيل في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبرُ الأمة عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: «من اعتقد أن الله جالس على العرش كفر». ونقل صاحب كتاب «الخصال» الحنبلي30 عن الإمام أحمد قوله: «من قال الله جسم لا كالأجسام كفر».
والعجب من هؤلاء الذين يعتقدون أن الله جسم قاعد على العرش كيف تجرأوا على هذا، وكيف توهموا ذلك. ألا يعلمون أن الجسم يحتاج إلى خالق؟! وهل من جسم غير مخلوق لله؟! الجسم الكثيف والجسم اللطيف كلاهما مخلوقان بشهادة القرءان وذلك قوله تعالى  ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾القرءان أثبت أن الله تعالى هو أوجد الجسم الكثيف كالسموات والأرض والجسم اللطيف كالظلام والنور. ومعنى ذلك أنه لم يكن جسم لطيف ولا جسم كثيف قبل أن يخلقهما الله تعالى والله موجود بلا ابتداء قبل الجسم فكيف يكون جسمًا والجسم حادث يحتاج إلى من يُحدثه، فيا سخافة عقل من يعتقد أن الله نور محسوس أو جسم كجسم البشر، وكيف ساغ عندهم أن يخلق الجسم جسمًا فكأنهم قالوا الله جسم خلق الأجسام وهذا يرده العقل والنقل.
أما الدليل النقلي فكقوله تعالى  ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾لأن كلمة شىء تشمل كل أنواع العالم وصفات العالم كل هذا شىء والله نفى عن نفسه أن يكون كشىء من العالم، ومعنى هذه الآية أن الله تعالى ليس جسمًا كثيفًا ولا جسمًا لطيفًا ولا هو متصف بصفاتهما كالحركة والسكون واللون فالمشبهة خالفوا القرءان فجعلوا الله جسمًا متصفًا بصفات الأجسام حيث أثبتوا له النزول الحسي والمجيء الحسي. وقد تقدم أنه ثبت عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال في قول الله تعالى ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ «إنما جاءت قدرته» يعني ءاثار قدرة الله العظيمة التي تظهر يوم القيامة كشهادة الأرض على الإنسان بما عمل عليها من خير أو شر وغير ذلك من الأمور العِظام التي تظهر ذلك اليوم مما يبهر العقول، والعجيب أن بعض المجسمة من الحنابلة31 الذين يعتقدون أن الله جسم يتحرك وينتقل من مكان إلى مكان نقل أن أحمد فسر هذه الآية32 بمجيء الأمر فأين عقولهم!؟.
وأما الدليل العقلي على بطلان عقيدة أن الله جسم أن الجسم له حد ومقدار فيحتاج إلى من حدَّه بذلك الحد فالعرش خلقه الله تعالى على حده الذي هو عليه يعلمه ولا نعلمه وكذلك السمـوات السبع حدَّها بحد يعلمه ولا نعلمه كذلك الأرض محدودة بحد يعلمه الله لا نعلمه كذلك سائر الأجرام العلوية والسفلية. فيستحيل أن يكون خالق هذه الأجسام جسمًا فالجسم لا يكون إلا حادثًا والحادث لا يوجِد المعدوم من العدم إلى الوجود.
الإنسان جسم لا يستطيع أن يخلق أصغر جسم فكيف جاز عند المجسمة أن يكون الله جسمًا ثم يخلقَ هذه الأجسام العرش والكرسي والسموات وغير ذلك.
والشرع لا يأتي بما ينافي العقلَ الصحيح وقد أرشد القرءان الكريم إلى الاستدلال بالعقل كما في قوله تعالى  ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ فكيف غاب عن قلوبهم أن خالق الشىء مبرزَه من العدم إلى الوجود لا يشبه ما يخلقه.
والعجب العجاب من الوهابية حيث إنهم سموا ابن تيمية شيخ الإسلام وهو القائل في كتابه «منهاج السنة النبوية»33 «إن الله على عرشه ما يفضل عنه مقدار أربع أصابع» وهذا من أقبح التجسيم لأنه يلزم من هذا أن يكون الله تعالى مربعًا إن كان العرش مربعًا أو مسبعًا إن كان العرش مسبعًا أو مستديرًا إن كان العرش مستديرًا فيا سخافة عقول من يعتقدون هذا الاعتقاد. ألم يقرأ هؤلاء المجسمة في القرءان ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾    ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ ألم يعلموا أن العالم يشبه بعضه بعضًا ولو من جهة واحدة وأن الله جعل لكل فرد منه مقدارًا نور الشمس جعل له مقدارًا وظلام الليل كذلك جعل له مقدارًا. نور الشمس يحل في مساحة من الأرض ثم بعد غيبوبة الشمس يحل الظلام هذا المقدار من الأرض فكيف يوصف خالق ذلك كله بصفات الخلق أو بالمقدار.
تنبيه ما ذكرناه من تكفير الشافعي للمجسم ذكرهالسيوطي في كتابه «الأشباه والنظائر»34 والإمام نجم الدين بن الرفعة في كتابه «كفاية النبيه»35 وأطلق النووي في شرح «المهذب» تكفير المجسم. وأما ما في بعض كتب الشافعية ككتاب القواعد لعز الدين بن عبد السلام36 وبعض كتب ابن حجر الهيتمي كالزواجر37 من ترك تكفير المبتدعين في الاعتقاد الشامل للمجسمة والجهوية والمعتزلة القائلين بأن العبد يخلق فعل نفسه استقلالاً وغيرهم فلا قيمة له لأنه مخالف لنص الإمام الشافعي رضي الله عنه. وقد صرح بتكفير المجسم عبد الرؤوف المناوي في كتابه «فيض القدير»38 عند شرح حديث «أبى الله أن يقبلَ عملَ صاحبِ بدعةٍ حتى يدَعَ بِدعتَهُ»39 قال في مقام تقسيم البدعة إلى كفرية وغير كفرية: «أما من كُفِّر بها كمنكر العلم بالجزئيات وزاعم التجسيم أو الجهة أو السكون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه فلا يوصف عمله بقبول ولا رد لأنهأحقر من ذلك» اهـ.
وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه حلية الأولياء40 بالإسناد أن عليًّا رضي الله عنه قال: «من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود» والمحدود الحجم الذي له مقدار، العالم العلوي والسفلي كله محدود العرش محدود بحد يعلمه الله والأرض كذلك.
وأما المعتزلة فهم صنفان صنف كفرهم الأئمة وصنف لم يكفروهم، والمكفَّرُون منهم هم الذين يقولون «العبد يخلق أفعال نفسه» أي يوجدها من العدم إلى الوجود بقدرة أعطاه الله إياها والذين يقولون «الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها» والذين يقولون «الله أراد وقوع الخير الطاعة والإيمان من عبده وأراد العبد الكفر والمعاصي فخلقها العبد» هؤلاء كفار. وأشد منهم الذين قالوا «الله كان قادرا على خلق أفعال العبد وحركاته وسكناته قبل أن يعطيه القدرة عليها فلما أعطاه القدرة عليها صار عاجزًا عنها» والفرقة التي لا تُكَفَّر هم القائلون «صاحب الكبيرة إذا مات ولم يتب هو مخلد في النار» و«أن الله لا يُرى في الآخرة لأن الشىء الذي يُرى يكون له جهة أي يكون في جهة من الرائي ويكون جسمًا والله ليس جسمًا»، هؤلاء لا يُكفَّرون لأنهم تأولوا.
والعجبُ من إطلاق بعض الشافعية كالنووي القولَ بصحة الاقتداء بالمعتزلة في الصلاة41 بدون تفصيل فإما أن يكون ذلك لعدم علمه بالفرقتين المذكورتين وإما أن يكون قصد الذين لم يصلوا إلى حد الكفر منهم ولكن الإطلاق غلط فإن كثيرًا من الشافعية بعده أطلقوا القول بصحة الاقتداء بهم.
وذكر الحافظ اللغوي خاتمة الحفاظ واللغويين محمد مرتضى الزبيدي الحنفي في شرح إحياء علوم الدين42 أن من الذين يكفرون منهم أي من أهل البدع الاعتقادية: «الجهمية والقدرية والروافض الغالية والخطابية والمشبهة - أي المجسمة - ونحوهم ممن تكفره بدعتهم». قال: «إن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز».
وسئل43 الإمام أبو الحسن الأشعري كما في كتابه النوادر هل يعرف الله تعالى عبد يعتقد أن الله جسم؟ فقال: «إن هذا القائل غير عارف بالله وإنه كافر به». ويفهم من قول أبي جعفر الطحاوي رحمه الله «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» تكفير المجسمة كما تقدم لأنهم وصفوا الله ببعض معاني البشر أي صفاتهم كالحركة والسكون والتحيز في جهة فوق أو غيرها وقيام صفات حادثة بذات الله والنطق بالحروف والانفعال كالانزعاج أو الانبساط أو التأذي والانتفاع فالله منـزه عن أن ينتفع بشىء من خلقه ولا يتشرف الله بشىء من خلقه كالقعود على العرش الذي هو بزعم المشبهة شرف لله ولا يدرون أنه تنقيص لله لأن الاحتياج إلى شىء هو من صفات البشر فمن وصف الله بشىء من هذه الأشياء فقد شبهه بخلقه وجسَّمه. ففي قول الطحاوي هذا بيان أن كل أئمة أهل السنة يُكفِّرون من يصف الله بشىء من هذه الأشياء لأنه سمىكتابه هذا «ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة» فكأنه قال بيان عقيدة أئمة أهل السنة على الإطلاق.

--------------------------------------