الجنة النار والدليل على أنهما خلقتا

بسم الله الرحمن الرحيم

يجب الإِيمان بالجنة ودوامِها ونعيمها إلى غير نهاية، والنار ودوامِها ودوام عقابها إلى غير نهاية، فالجنة أعدت للمتقين لإِيمانهم على التأبيد، والنار أعدت للكافرين جزاءً لكفرهم على التأبيد، قال تعالى: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا [سورة النبإ] لأن الدين يُعتقد للأبد، وقد صرح الله في كتابه بذكر الخلود في جزاء الكافرين وجزاء المؤمنين فوجب القول ببقائهما إلى الأبد، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين إلا جهم بن صفوان وبعض المعتزلة في بقاء الجنة والنار وابن تيمية في بقاء النار فخرجوا بذلك من الإسلام. وكان ابن تيمية نقل في كتابه «منهاج السنة النبوية» أنه لا خلاف بين المسلمين في ذلك إلا أن جهمًا خالف فكفَّره المسلمون ثم قال هو بخلاف ذلك في النار في بعض تآليفه كرسالته المسماة الرد على من قال بفناء الجنة والنار 1.
فالجنة والنار باقيتان أي دائمتان لا يطرأ عليهما عدم مستمر ولا غير مستمر لقوله تعالى في حق الفريقين ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. وأما ما قاله بعض المتصوفة من أنهما يهلكان ولو لحظة تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [سورة القصص] فهو مخالف لظاهر النص ولا داعي إلى الخروج عنه فإن قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ليس نصًّا في أن المراد بالوجه الذاتُ المقدسُ بل الوجه هنا مؤول بالمُلك كما قاله البخاري في صحيحه في تفسير سورة القصص 2، ويصح تأويله بأن المراد بوجهه كل ما يُتَقَرَّب به إليه من الحسنات.
ثم الجنة والنار مما ثبتتا بالدلائل السمعية لأن العقل لا يستقل بإدراك ذلك والآيات والأحاديث الواردة في بيانهما أشهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى، والمراد بإثباتهما عند أهل الحق وجودهما الآن أي أنهما مخلوقتان. قال الله تبارك وتعالى في الجنة: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [سورة ءال عمران] وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [سورة الأعراف] . وقال صلى الله عليه وسلم: «دخلتُ الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» . رواه مسلم وأحمد والترمذي عن ابن عباس 3، والبخاري والترمذي وغيرُهما4 من حديث عمران بن الحصين، وابن حبان عن أسامة بن زيد 5 وعبد الله بن عمرو 6، وأحمد في مسنده عن أبي هريرة 7 كما يستدل على وجود الجنة بقصة ءادم وحواء وإسكانهما الجنة، وأما حمل ذلك على بستان من بساتين الدنيا فهو بعيد لا تقبله النصوص فالمسلمون أجمعوا أن الجنة والنار موجودتان الآن وليس كما زعم أكثر المعتزلة أنهما تُخلقان يوم الجزاء.
وأهلُ الجنّةِ على صورةِ أبيهم ءادم ستّونَ ذراعًا طولاً في عرضِ سبعةِ أَذرعٍ حسانُ الوجوهِ فمن كانَ في الدنيا من المؤمنين دميمًا تَذهَبُ عنه دمامتُهُ ويجعله الله تعالى في الجنّةِ جميلاً كجمالِ يوسفَ الصّدّيق 8 أي يعطيهِ شَبَهًا بيوسفَ الصدّيق في الجمالِ، والذي كان قصيرًا يذهَبُ عنه قصرُهُ وهكذا. ويجعلُ الله تعالى في كلّ واحدٍ علامةً تميّزهُ عن غيرِهِ بحيث يعرف أنَّ هذا هو فلانٌ حتّى إن زارَهُ من كانَ يعرفهُ في الدّنيا يعرفهُ تلكَ الساعة وذلك أنَّ أهلَ الجنّةِ يتزاورونَ وتزاورُهُم يحصُلُ إمّا بأن يطيرَ بالشخصِ سريرُهُ حتّى ينزلَ به أمامَ سرير الذي يريدُ زيارته فيجلسانِ متقابِلَينِ، من سهولةِ السيرِ هناكَ السّريرُ الذي عليهِ الإنسانُ بمجرّدِ ما يشتاقُ لصاحبِهِ الذي يريدُ رؤيتهُ يطيرُ به بقدرةِ الله تعالى حتّى ينزل بهِ أمامَ سريرِ ذلكَ الشخص فيتجالسانِ فيتحدّثانِ وإما بواسطة خيول الجنة فإنهم أحيانًا يركبون خيولا من ياقوت لها أجنحة من ذهب تطير بهم، ثمّ يطيرُ بهِ إذا أرادَ الرجوعَ إلى منزلِهِ وهذا هو معنى الآية ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [سورة الحجر] . وأمّا قولُهُ تعالى: ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [سورة الغاشية] قالَ ابن عبّاسٍ 9: «ألواحُهَا من ذهبٍ مكلّلَة بالزَّبرجَدِ والدُّر والياقوتِ مرتفعة ما لم يجئ أهلهَا فإذا أرادَ أن يجلسَ عليها أصحابُهَا تواضَعَت لهم حتّى يجلسوا عليها ثم ترتفِعُ إلى موضِعِهَا» اهـ.
وأهلُ الجنّةِ جردٌ مردٌ في عمرِ ثلاثةٍ وثلاثينَ عامًا10 لا تنبتُ لهم لحيةٌ وليس على أذرعتِهِم ولا على بطونِهِم ولا على سيقانِهم شعرٌ إلا شعرَ الرّأسِ والحاجِبِ والأهداب، طعامُهُم وشرابُهُم لا يتحوَّلُ إلى الغائِطِ والبولِ إنّما يفيضُ من جِسمهم عرقًا كالمسكِ ليس كعرقِ الدنيا الذي يتولَّدُ منه الوَسَخُ والقَملُ.
وقد روى مسلمٌ 11 من حديثِ أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مُنادٍ: إنَّ لكم أن تَحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أَنْ تَصِحُّوا فلا تَسقموا أَبدًا، وإنَّ لكم أنْ تَشِبُّوا فلا تَهرموا أبدًا، وإنَّ لكم أنْ تنعموا فلا تَبأسوا أبدًا» . وءاخرُ من يدخل الجنةَ من المؤمنينَ له مثل الدنيا وعشرة أمثالِهَا وقد وردَ في ذلك حديثٌ صحيحٌ رواهُ البخاريُّ وغيرُه12 .
والواحدُ من أهلِ الجنّةِ أقلّ ما يكونُ عندَهُ من الولدانِ المخلَّدينَ عشرة ءالافٍ 13 بإحدى يدي كلّ منهم صحيفة من ذهبٍ وبالأخرى صَحيفة مِن فِضَّةٍ قالَ تعالى: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ [سورة الزخرف] والأكوابُ جمعُ كوبٍ وهو إناءٌ مستديرٌ لا عروةَ لهُ أي لا أذنَ لَهُ. وقال تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ [سورة الطور] أي يطوفُ عليهم للخدمَةِ غلمانٌ كأنّهم من الحُسنِ والبَيَاضِ لؤلؤٌ مكنونٌ أي لم تمسَّهُ الأيدي وهؤلاء الغِلمان خلقٌ من خلقِ الله ليسوا بشرًا ولا جنًّا ولا ملائكة.
وأنكرت الملاحدة وجود الجنة والنار فقالت الفلاسفة: خراب هذا العالم شىء لا يصح والأفلاك يجب أن تظل على ما هي عليه إلى الأبد اهـ ولذلك أحالوا وجود الجنة والنار بالصفة التي ذكرت بالنصوص الشرعية وليس لكلامهم حجة من عقل أو نقل وإنما هو وهم محض فلا يقام له وزن.

--------------------------------------