قال المؤلف رحمه الله (فيتلخصُ مِن معنَى مَا مَضَى إِثباتُ ثلاثَ عشْرةَ صفةً لله تعالى تكرَّرَ ذِكرُها في القرءانِ إمَّا لفظًا وإما معنًى كَثيرًا وهي الوُجودُ والوَحدانيةُ والقِدمُ أي الأزليةُ والبَقاءُ وقِيامُهُ بنفسِهِ والقُدرةُ والإِرادةُ والعِلمُ والسَمْعُ والبَصَرُ والحَيَاةُ والكَلامُ والمخالفة للحوادثِ).
الشرح أن هذه الصفاتِ الثلاثَ عشرة الواجبةَ لله تجب معرفتها على كل مكلف ولا يجب عليه حفظ ألفاظها بل الواجب اعتقاد معانيها. ويتلخص من معنى ما مضى إثباتُ هذه الصفات الثلاثَ عشْرةَ لله تعالى وقد تكرر ذكرها إما باللفظ الظاهر وإما بالمعنى الوارد في النصوص أي في القرءان والحديث وهي
الوجود أي أن الله تعالى موجود. قال الله تعالى ﴿أفيْ اللهِ شكٌ﴾1 وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيرُهُ» رواه البخاري2 وغيره3.
والوحدانية أي أنه واحد لا شريك له قال الله تعالى ﴿لو كان فيهما ءالهةٌ إلا اللهُ لفسدتا﴾4 أي لو كان لهما5 أي للسمـٰوات والأرض ءالهـة غـيرُ الله لفسدتا.
والقِدَم أي أنه لا ابتداء لوجوده قال الله تعالى ﴿هو الأول والآخر﴾6.
والبقاء أي أنه لا نهاية لوجوده لا يموت ولا يَهلِكُ ولا يتغير قال الله تعالى ﴿ويبقى وجهُ ربِّكَ﴾7 أي ذاته8.
والقيام بالنفس أي أنه مستغن عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه فالعالم لا يستغني عن الله طرفة عين قال الله تعالى ﴿فإن الله غني عن العالمين﴾9.
والقدرة فالله قادر على كل شىءٍ أي كلِّ ممكنٍ عقليٍّ وهو ما يجوز عقلاً وجوده وعدمه، فالقدرة صفة أزلية لله تعالى بها يوجِد ويُعْدِم. والله لا يُعجزه شىء. قال الله تعالى ﴿وهو على كل شىءٍ قدير﴾10.
والإرادة أي المشيئة وهي تخصيص الممكن العقليّ ببعض ما يجوز عليه من الصفات دون بعض وبوقت دون ءاخر قال الله تعالى ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء اللهُ ربُّ العالمين﴾11.
والعِلم أي أن الله يعلم كل شىء بعلمه الأزلي ولا يتجدد له علم لأن عِلْمهُ علم واحد شامل لكل المعلومات يعلم به سبحانه ذاتَه وصفاتِه وما يُحْدِثه من مخلوقاته يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون. قال الله تعالى ﴿وأن الله قد أحاط بكل شىءٍ عِلمًا﴾12.
والسمع والبصر أي أن الله يسمع بسمعه الأزلي الذي ليس كسمع غيره ويرى برؤيته التي ليست كرؤية غيره قال الله تعالى ﴿وهو السميع البصير﴾13.
والحياة أي أن الله حي بحياةٍ أزلية أبدية ليست بروحٍ ولحم ودمٍ قال الله تعالى ﴿الله لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ﴾14.
والكلام أي أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام واحد أزلي أبدي ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً قال الله تعالى ﴿وكلَّم اللهُ موسى تكليمًا﴾15 16 17.
والمخالفة للحوادث أي جميعِ المخلوقات أي أنه لا يشبه شيئًا من خلقه قال الله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾18.
قال المؤلف رحمه الله (فلما كانت هذه الصفات ذكرها كثيرًا في النصوص الشرعية قال العلماء تجب معرفتها وجوبًا عينيًا.)
الشرح تجب معرفة هذه الصفات وجوبًا عينيًّا على كل مكلفٍ. نصَّ على ذلك العديد من العلماء المتأخرين منهم محمّد بن يوسف السنوسيُّ19 20 صاحبُ العقيدةِ السنوسيةِ21 ومحمد بن الفَضاليّ الشافعيُّ22 23 وعبد المجيد الشُّرنوبيُّ المالكي24 25 وقبلهم بكثيرٍ ذكر مثلَ ذلك الإمام أبو حنيفة في "الفقه الأكبر" ومثله نصَّ على ذلك الحافظ النوويُّ في كتاب "المقاصد" وغيرهم كثير.
قال المؤلف رحمه الله (ولَمَّا ثبتَتِ الأَزليةُ لذَاتِ الله وجبَ أَن تكونَ صفاتُهُ أزليّةً لأنَّ حُدوثَ الصّفةِ يستلزمُ حدوثَ الذَّاتِ.)
الشرح لما كان ذات الله أزليًا وجب أن تكون صفاته القائمة بذاته أزليةً لأنه لو كان يحدث في ذات الله تعالى حوادثُ لوجب أن يكون ذاتُه حادثًا لأن قيام الحوادث بذاته معناه أنه يتغير من حالٍ إلى حال والمتغيِّر لا يكون إلهًا فلما ثبت في العقل قِدمُ الله تعالى وأزليتُه ثبوتًا قطعيًّا وجب أن تكون صفاتُه أزليةً26.
-------------