قال المؤلف رحمه الله (فصل)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان الصلوات الواجبة ومواقيتها.
قال المؤلف رحمه الله (فمنَ الواجبِ خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ)1
الشرح أنَّه لا صلاة واجبة غيرُ هؤلاء الخمس فيُفهَم من ذلك أَنَّ الوتر 2 غيرُ واجبة وأن من ترك نوافل الصلوات كسنة الظهر وسنة العصر وغيرهما فلا إثم عليه وهو كذلك. وأما حديث البخاري «من رغب عن سُنتي فليس مني»3 فمعناه من ترك شريعتي وهو كاره طريقتي التي جئت بها فهو كافر. ويدلّ على أنه لا صلاة واجبة غيرُ هؤلاء الخمس وأنه لا مؤاخذة على الشخص بترك النوافل الحديثُ المرفوعُ حديثُ طلحةَ ابنِ عبيد الله أنّ رجلاً ثائر الرأس4 جاء إلى النبيّ فقال يا رسولَ الله أخبرني بما افترض الله عليّ من الصلاة فقال «خمس صلوات» ثم قال أخبرني بما افترض الله عليّ من الصيام ثم قال أخبرني بما افترض الله عليّ من الزكاة فعلمَهُ شرائع الإسلام فولّى الرجل وهو يقول والذي أكرمك بالنبوّة لا أتطوع شيئًا ولا أَنْقُصُ مما افترض الله عليّ شيئًا فقال صلى الله عليه وسلم «أفلح الرجل إن صدق» رواه البخاري في كتاب الصيام5 ، فقوله صلى الله عليه وسلم «أفلح الرجل إن صدق» أي فيما حلف عليه وهو أنّه لا يفعل شيئًا من النوافل ولا يترك شيئًا ممّا افترض الله عليه من أداء الواجب واجتناب المحرّم لأنه كان علّمه ما هو فرض وما هو حرام.
وإذا عُلم هذا ظهرَ بُطلانُ ما شاع عند بعض العوامّ من قولِ بعضهم إنَّ الرسول قال من لم يُصلِّ سُنتي فليس من أُمتي وقولِ بعضهم إنه قال من لم يصل سُنتي يأتي يوم القيامة وليس على وجهه قطعة لحم وقولِ بعضهم إنه قال من لم يصل سُنتي لم تنله شفاعتي يريدون به النوافل فكل ذلك كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم وضـلالٌ ولا ينفعهم قصـدهم بذلـك حثَّ الناس على النوافل.6
قال المؤلف رحمه الله (الظهرُ ووقتُها إذا زالت الشمس إلى مصيرِ ظلِّ كلِّ شىءٍ مثلَهُ غيرَ ظل الاستواء والعصرُ ووقتُها مِنْ بعدِ وقتِ الظهرِ إلى مغيبِ الشمسِ والمغربُ ووقتُها مِنْ بعدِ مغيبِ الشمسِ إلى مغيبِ الشفقِ الأحمرِ والعشاءُ ووقتُها مِنْ بعدِ وقتِ المغربِ إلى طلوعِ الفجرِ الصادقِ والصبحُ ووقتُها مِنْ بعدِ وقتِ العشاءِ إلى طلوعِ الشمس.)7
الشرح تجب معرفة أوقات هذه الصلوات الخمس وسائرِ ما يتعلّق بها من أحكامِهَا الضرورية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ خيارَ عباد الله الذين يُرَاعون الشَّمْسَ والقَمَرَ والأَظلّة لذكر الله» أي للصلاة حسّنه الحافظ ابن حجر في الأمالي وفي رواية أخرى أخرجها الحاكم في المستدرك زيادةُ ذكرِ «النجوم»8 ولم يكن في أيام الصحابة هذه الآلات الموضوعة لمعرفة الوقت بل كانوا يعرفونه بالمراقبة العِيانية،. ومعرفة المواقيت الأصلية التي علّمها الرسولُ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ فرض عين على المكلف ولا يجوز ترك تعلمها اعتمادًا على ما عمله الناس من تعيين مواقيتَ للمدن كالقاهرة ودمشق وحلبَ ونحوِ ذلك لأن دخول الأوقات يختلف باختلاف البلدان. فالظُّهْرُ أول وقتها زوال الشمس9 أي مَيْلها عن وسط السماء إلى جهة المغرب وانتهاء وقتها أن يصيرَ ظل كل شىء مثله زائدًا على ظل الاستواء فإذا صارَ الظلّ الجديد بعد طرح ظل الاستواء مثل الشىء انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر. وظل الاستواء10 هو الظل الذي يكون حين تكون الشمس في وسط السماء ووسط السماء يُعرَف على حسب تحديد الجهات بالنجم أو بالبوصلة المجربة أو نحوهما. نجمُ القطب مهم لمعرفة الجهات الأربع لأنه يلزم جهة الشّمال، يُضْبَطُ موضعه في الليل وتُغرز خشبة على اتجاهه ثم في النهار يُنظر إلى الظل على حسبه.
وأَمَّا وقت المغرب فيدخل بمغيب قُرص الشمس كله11 وينتهي بمغيب الشفق الأحمر والشفقُ الأحمر هو الحمرة التي تظهر بعد مغيب الشمس في جهة الغروب.
وأمّا العشاء فوقتها من بعد وقت المغرب أي بعد مغيب الشفق الأحمر كله إلى طلوع الفجر الصادق12. وأَمَّا الصبح فوقتها من بعد وقت العشاء أي من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. والفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الشرقي الذي يبدو دقيقًا ثم يَنْتَشِرُ ويتوسّع ويسبق الفجرَ الصادق الفجرُ الكاذب13 وهو بياضٌ عموديٌّ يظهر في جهة الأُفق الشرقي وهو لا يدل على دخول وقت الصبح وإنما يدل على اقتراب دخوله.
قال المؤلف رحمه الله (فتجبُ هذهِ الفروضُ في أوقاتِها على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ طاهرٍ أي غير الحائض والنفساء14)
الشرح أَنَّ معرفةَ هذه الأوقاتِ وإيقاعَ الصلاة فيها لا قَبْلَها ولا بعدَها فرضٌ فيجب أداء كلٍّ من الخمس في وقتها ولا يجوز تقديمها على وقتها أي فعلها قبل دخول وقتها ولا تأخيرها عن وقتها بلا عذر لأنَّ الله تعالى قال ﴿فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾15. والمراد بالسهو عن الصلاة في هذه الآية تأخير الصلاة عن وقتها حتى يدخل وقتُ الصلاة الأُخرى16 فتوعَّدَ الله من يُخْرِجُها عن وقتها بالويل17 وهو الهلاكُ الشَّديد.
وقول المؤلف "على كل مسلم"18 يعني به أنَّ الكافر لا يقال له صَلّ وهو على كفره إنما يُقال له أَسْلِمْ فإذا أسلم أمرناه بالصلاة.
ويعني بقوله "بالغ" أنَّ غير البالغ لا تجب عليه الصلاة19 بحيث يعاقب على تركها وهو دون البلوغ وإنما يجب أمره بالصلاة، متى ما بلغ سبع سنين قمرية إذ ا كان مميزًا
ويعني بقوله "عاقل" أن المجنون لا تجب عليه الصلاة ، والمجنون هو من فقد عقله فلا يدري ما يفعل أو يقول.
ويعني بقوله "طاهر" أي من الحيض والنفاس ويقال امرأة طاهر وامرأة حائض.
قال المؤلف رحمه الله (فيحرمُ تقديمُها على وقتِها وتأخيرُها عنه لغيرِ عذرٍ)
الشرح يُفْهَمُ من هذا أَنَّ من قدّم الصَّلاة على وقتها لا تصح صلاته ومَنْ أَخَّرهَا عَنْه عصى الله بتأخيره. وأشد المعصيتيْن معصية التقديم على الوقت لأَنَّه لا تبرأ ذمَّته ولا تقع صلاته أَداءً ولا قضاءً.
وقول المؤلف "لغير عذر" أخرج ما إذا كان التقديم أو التأخيرُ لعذر فإنه لا إثم في ذلك. والعذر في ذلك ما يبيح الجمع من سفر أو مرض20 أو نحو ذلك بشروطه.
قال المؤلف رحمه الله (فإِنْ طرأَ مانعٌ كحيضٍ بعدما مضى منْ وقتِها ما يسعُها وطهرَها لنحوِ سَلسٍ لزمَهُ قضاؤُها)
الشرح أن الذي طرأ عليه المانع بعد دخول الوقت كأنْ حاضَت المرأة21 في أثناء وقت الظهر أو أُصيب شخصٌ بالجنون أو الإغماء بعدما مضى من أوّل وقت الصلاة ما يسعُ الصلاةَ مع طهرها لمن لا يُمْكنه تقديمُ طهرِهِ على الوقت22 كَسَلِسِ البول يلزمه أن يقضيهَا بعد زَوَال المانع أي بَعْدَ ذهاب الحيض بالنسبة للحائض وبعد زوال غَيْبوبَة العقل بالنسبة للمجنون والْمُغْمَى عليه.
ومثل السَّلِس في هذا الحكم نحوُهُ كالمستحاضة . والمقصود بالطهر الاستنجاءُ والوضوءُ أو التيممُ لمن كان مريضًا ونحوَه ممن لا يمكنه استعمال الماء.
قال المؤلف رحمه الله (أو زالَ المانعُ وقدْ بقيَ من الوقتِ قدرُ تكبيرةٍ لزمتْه23ُ وكذا ما قبلَها إِن جُمِعَتْ معها فيجبُ العصرُ معَ الظهرِ إِنْ زالَ المانعُ بقدرِ تكبيرةٍ قبلَ الغروبِ والعشاءُ معَ المغربِ بِإِدراكِ قدرِ تكبيرةٍ قبلَ الفجرِ.)
الشرح إنْ زالَ المانع كالحيض أو الجنون أو الإغماء وكان القدرُ الذي بقيَ قدرَ ما يسعُ تكبيرة الإحرام فقط وجبت تلك الصلاةُ والتي قبلها إن كانت تجمع معها أي في السفر ونحوه24 كأن كانت تلك الصلاة العصرَ لأن العصر تجمع في السفر مع ما قبلها وهي الظهر وكذلك العشاءُ لأنها تجمع مع ما قبلها وهي المغرب.
-------------