كتب ومتون كتاب الصراط المستقيم
 تَفْسِيرُ مَعِيَّةِ الله المَذْكُورَةِ في القُرْءَانِ

تَفْسِيرُ مَعِيَّةِ الله المَذْكُورَةِ في القُرْءَانِ

الصراط المستقيم

الصراط-المستقيموَمَعْنَى قَولِه تَعَالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ (4)﴾ [سورة الحديد] الإحاطةُ بالعِلْمِ، وتَأْتي المَعِيَّةُ أَيْضًا بمعْنى النُّصْرَةِ والكِلاءَةِ، كقَولِه تعَالى ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ (128)﴾ [سورة النحل].
ولَيسَ المعْنِيُّ بِهَا الحلولَ والاتّصالَ ويَكْفرُ مَنْ يَعتَقِدُ ذَلِكَ لأَنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعَالى مُنَزَّهٌ عن الاتّصالِ والانْفِصَالِ بالمَسَافَةِ.
فَلا يُقَالُ إنَّه مُتَّصِلٌ بالعَالَم ولا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ بالمَسَافَةِ لأَنَّ هذِهِ الأمُور مِنْ صِفَاتِ الحَجمِ والحجمُ هو الذي يَقبَلُ الأمرَينِ والله جلَّ وعَلا لَيْسَ بحادِثٍ، نفَى ذلكَ عن نفسِهِ بقولِهِ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ (11)﴾.
وَلا يُوصَفُ الله تَعَالى بالكِبَرِ حَجْمًا1 ولا بالصّغَرِ، ولا بالطُّولِ ولا بالقِصَرِ لأَنَّهُ مُخالِفٌ للحَوادِثِ، ويَجبُ طَرْدُ كُلّ فِكْرَةٍ عَن الأَذْهَانِ تُفْضِي إلى تَقْدِيرِ الله تَعالى وتَحدِيدِه.
كَانَ اليَهُودُ قَدْ نَسَبُوا إلى الله تعالى التَّعَبَ، فَقَالوا إنَّه بَعْدَ خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ استَراحَ فاسْتَلْقَى علَى قَفَاهُ، وقولهم هَذَا كُفرٌ.
والله تعَالى مُنزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وعَنِ الانْفِعالِ كالإحْسَاسِ بالتَّعبِ والآلام واللذَّاتِ فالذي تَلحَقُهُ هَذِهِ الأحْوالُ يَجبُ أنْ يكُونَ حَادِثًا مَخْلُوقًا يَلْحَقُه التّغَيُّرُ، وهَذا يَسْتَحيلُ عَلى الله تعَالى.
قالَ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)﴾ [سورة ق].
إنَّما يَلْغَبُ مَن يَعْمَلُ بالجَوارِحِ والله سُبْحَانَهُ وتَعَالى مُنزَّهٌ عن الجارِحَةِ.
قال تَعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)﴾ [سورة غافر].فَالله تَعالى سَميعٌ وبَصيرٌ بلا كيْفِيَّةٍ، فالسَّمْعُ والبَصَرُ هُمَا صِفَتَانِ أزَليّتانِ بلا جَارحَةٍ، أيْ بلا أُذُنٍ أوْ حَدَقَةٍ وبلا شَرْطِ قُرْبٍ أو بُعْدٍ أو جِهَةٍ، وبدُوْنِ انبِعَاثِ شُعاعٍ منَ البَصَرِ، أو تَمَوُّجِ هَوَاءٍ.
ومَنْ قَالَ لله أُذُنٌ فَقَدْ كَفَرَ ولَو قَالَ لَه أُذُنٌ لَيْسَت كآذانِنا، بِخلافِ مَنْ قالَ لهُ عَيْنٌ ليسَتْ كعُيُونِنَا وَيَدٌ لَيْسَت كأَيدينَا بل بمَعْنَى الصّفَةِ فَإنَّهُ جَائِزٌ لوُرُودِ إطْلاقِ العَيْنِ واليَدِ في القرءانِ ولَم يَرِدْ إطْلاقُ الأُذُنِ عَلَيْهِ.
------------------

1 ) فقولنا: "الله أكبر" معناه أكبر من كل كبير قدرًا ودرجة وقوة وعلمًا لا امتدادًا، وهذا مراد السلف بقولهم في الآيات المتشابهة: "أمرُّوها كما جاءت بلا كيفية" ليس معناه أن له كيفية ليست معلومة لنا. وليس موافقًا للسلف من يقول بناء على ذلك استواء الله تعالى على العرش جلوس ولكن لا نعلم كيفية ذلك الجلوس.

الصراط المستقيم

قائمة الصراط المستقيم