باب الصبر

باب الصبر

رياض الصالحين

riyaDouSsali7een قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُواْ﴾ [ سورة ءال عمران/200]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة البقرة/155]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [سورة الزُّمَر/10]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [سورة الشُّورى/43]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلَاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الْصَّابِرِينَ﴾ [سورة البقرة/153]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [سورة مُحَمَّد/31]. والآيَاتُ فِي الأَمْرِ بِالصَّبْرِ وَبَيَانِ فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
25- وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَارِثِ بْنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَان، والحَمْدُ لله تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآن – أَوْ تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْءَانُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا". رَواهُ مُسْلِمٌ.
26- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِيَدِهِ: "مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبّرُهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيه.
27- وَعَنْ أَبِي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "عَجَباً لِأَمرِ الْمُؤْمِنِ إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، و إنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ". رَوَاهُ مُسْلِم.
28- وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "وَاكرْبَ أَبَتَاهُ، فَقَالَ: "لَيْسَ عَلى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ" فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ. يَا أَبَتَاهُ، جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ. يَا أَبَتَاهُ، إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم التُّرَابَ؟. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
29 – وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وَحِبّهِ وابْنِ حِبّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَرْسَلَتْ بِنْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم أَنَّ ابْنِي قَدِ احْتُضِرَ فَاشْهَدْنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئ السَّلامَ وَيَقُولُ: "إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم الصَّبِيُّ فَأَقْعَدَهُ فِي حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَإنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَمَعْنَى "تَقَعْقَع": تَتَحَرَّك وتَضْطَرِب.
30 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَالَ: "كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: "إِنّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَاماً أُعَلّمْهُ السّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاماً يُعَلّمُهُ، وَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ، وَكَانَ إذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إلَيْهِ فَإذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ. فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: اليَوْمَ أَعْلَمُ السَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَراً فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أَمْرُ الرَاهِبِ أَحَبُّ إلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ. فَأتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَوْمَ أَفْضَلُ مِنّي قَد بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرى وَإنَّكَ سَتُبْتَلى فَإنْ ابْتُليتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الغُلامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إنْ أَنْتَ شَفَيتَنِي. فَقَالَ: إِنّي لا أَشْفِي أَحَداً إنَّمَا يَشْفِي اللهُ تَعَالَى، فَإنْ ءامَنْتَ بِاللهِ تَعَالَى دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فآمَنَ بِاللهِ تعالى فَشَفَاهُ اللهُ تَعَالَى، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلسُ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبّي وَرَبُّكَ اللهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذّبُه حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلَامِ، فَجِيءَ بِالغُلَامِ فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وتَفْعَلُ، فَقَال: إنّي لا أَشْفِي أَحَداً إنّمَا يَشْفِي اللهُ تَعَالَى، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ. فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبى، فَدَعَا بِالمِنْشَارِ فَوُضِعَ المِنْشَارُ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيس المَلِك فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبى فَوُضِعَ المِنْشَارُ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالغُلامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إلى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإذَا بَلَغْتُم ذُرْوَتَهُ فإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِم بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاء يَمْشِي إلى المَلِك، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: كَفانِيهِمُ اللهُ تَعَالَى، فَدَفَعَهُ إلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ فِي قَرْقُورٍ وَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ فَإنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلا فاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِم بِمَا شِئْتَ، فانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إلَى المَلِك، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: كَفانِيهِمُ اللهُ تَعَالَى. فَقَالَ لِلْمَلِك: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَى تَفْعَلَ ما ءامُرُكَ بِهِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِي ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِد القَوْسِ ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ ارْمنِي فَإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ القَوسِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: ءامَنَّا بِرَبّ الغُلامِ، فأُتِيَ المَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ ءامَنَ النَّاسُ. فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ بِأَفْوَاهِ السّكَكِ فَخُدَّتْ وَأُضْرِمَ فِيهَا النِيرانُ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا أَو قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيْهَا فَقَالَ لَهَا الغُلامُ: يا أُمَّه اصْبِري فَإنَّكِ عَلَى الحَقّ". رَوَاهُ مُسلِمٌ.
"ذُرْوَةُ الجَبَلِ": أَعلاهُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الذّال المعْجَمَة وَضَمّها. "القرقور" بِضَمّ القَافَين: نَوع مِنَ السُّفُن. و"الصَّعِيد" هُنا: الأَرْضُ البارِزَة. وَ"الأُخدود": الشُّقُوقُ فِي الأَرض كالنّهرِ الصَّغِير. وَ"أَضْرَمَ": أَوْقَدَ. وَ"انكَفَأَتْ" أَي: انقَلَبَت. وَ"تَقَاعَسَت": تَوَقَّفَت وَجَبُنَت.
31 – وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: "اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي" فَقَالَتْ: إلَيْكَ عَنّي فَإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: "إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". مُتَّفَقٌ عَلَيه.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "تَبْكِي عَلَى صَبِيّ لَهَا".
32 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إَذَا قَبَضْتُ صَفِيَّه مِنْ أَهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلا الجَنَّةُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
33 – وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم عَنِ الطَاعُونِ؟ فَأَخْبَرَهَا: "أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لَلْمُؤمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ فِي الطَّاعُونِ فَيَمْكُثُ فَي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُصِيبُهُ إلا ما كَتَبَ اللهُ لَهُ إلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ". رواهُ البُخارِيُّ.
34 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم يَقُولُ: "إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: إذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ"، يُريدُ عَيْنَيْهِ. رَواهُ البُخَارِيُّ.
35 – وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فَقَالَتْ: إنّي أُصْرَعُ وَإنّي أَتَكَشَّفُ فادْعُ اللهَ تَعَالَى لي، قَال: "إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكِ" فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنّي أَتَكَشَّفُ فادْعُ اللهَ تَعَالَى لِي أَن لا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيه.
36 – وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَحمنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَأَني أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأنْبِيَاء صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِم ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ويَقُولُ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِقَومِي فَإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ". مُتَّفَقٌ عَلَيه.
37 – وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَال: "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمّ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
و"الوَصَب": المرض.
38 – وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً، قَال: "أَجَلْ إنّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ" قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْن؟ قَال: "أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيّئَاتِهِ وحُطَّتْ عّنْهُ ذُنُوبُه كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيه.
و"الوَعك": مَغْثُ الحُمَّى، وَقِيلَ: الحُمَّى.
39 – وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَضبطوا "يصب": بِفَتحِ الصاد وكَسرِها.
40 – وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُم الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإن كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُل: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إذا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي". مُتَّفَقٌ عَلَيه.
41 – وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ خَبَّابِ ابنِ الأرَتّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: شَكَوْنَا إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وَهُوَ مُتَوَسّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظَلّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، ألا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: "قَدْ كَانَ مَن قَبلَكُمْ يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأرْضِ فَيُجْعَلُ فِيها، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَينِ وَيُمْشَطُ بأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ مَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، واللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إلا اللهَ والذّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ". رواهُ البُخارِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: "وهُوَ مُتَوَسّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً".
42 – وَعَنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ ءاثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم نَاساً فِي القِسْمَةِ: فَأَعْطَى الأَقْرَعَ ابنَ حَابِسٍ مائَةً مِنَ الإبْلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاساً مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ وَءاثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي القِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: واللهِ إنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ ثُمَّ قَالَ: "فَمَنْ يَعْدِلُ إذا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ؟" ثُمَّ قَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ"، فَقُلْتُ: لا جَرَمَ لا أَرفَعُ إلَيْهِ بَعْدَها حَدِيثاً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَولُهُ: "كالصّرفِ" هُوَ بِكَسْرِ الصّاد المهملة: وهو صبغ أحمر.
43 – وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "إذا أَرادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنيا، وَإذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ".
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ". رَوَاهُ التّرْمَذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
44 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: كَانَ ابْنٌ لأَبي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يشْتَكِي فَخَرَجَ أَبو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبو طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ما فَعَلَ ابنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُليْمٍ وَهِيَ أُمُّ الصَّبِيّ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ العَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَاب مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارُوا الصَّبيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "أَعْرَّسْتُمُ الليْلَةَ؟" قَالَ: نَعَم، قَال: "اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا" فَوَلَدَتْ غُلَاماً فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَقَالَ: "أَمَعَهُ شَيْءٌ؟" قَالَ: نَعَمْ تَمَرَاتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيّ ثُمَّ حَنَّكهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيه.
وَفِي رِوَايَة البُخاريّ: "قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: فَرَأَيْتُ تِسْعَةَ أَولادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَوا القُرْءانَ" يَعْنِي مِنْ أَولادِ عَبْدِ اللهِ الْمَولُودِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مَاتَ ابْنٌ لأَبي طَلْحَةَ مِنْ أُمّ سُلَيمٍ فَقَالَتْ لأَهْلِهَا: لا تُحَدّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدّثُهُ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْه عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَت تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا، فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبعَ وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَو أَنَّ قَوماً أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُم أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لا، فَقَالَتْ فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ، قَال: فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى إذَا تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي، فانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "بارَكَ اللهُ فِي لَيْلَتِكُما". قَالَ: فَحَمَلَتْ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فِي سفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فأَخْبَرَهُ إذَا أَتَى المدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لا يَطْرُقُهَا طُرُوقاً فَدَنَوْا مِنَ المدِينَةِ، فَضَرَبَهَا المخَاضُ، فاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم. قَالَ: يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: إنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُني أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم إِذَا خَرَجَ وَأَدخُلَ مَعَهُ إذَا دَخَلَ وَقَد احْتُبِسْتُ بِمَا تَرَى، تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الذِي كُنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا وَضَرَبَهَا المخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلَدَتْ غُلاماً. فَقَالَتْ لِي أُمّي: يَا أَنَسُ لا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم. وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيثِ.
45 – وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَالَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ". مُتَّفَقٌ عَلَيه. و"الصرعة": بِضَمّ الصاد وَفَتحِ الراء، وأصله عِنْدَ العَرب: مَن يصرع النَّاسَ كَثيراً.
46 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قَال: كُنْتُ جَالِسا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ وأَحَدُهُمَا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "إنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ مِنْهُ مَا يَجِدُ" فَقَالُوا لَهُ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَالَ: "تَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". مُتَّفَقٌ عَلَيه.
47 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَالَ: "مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى رُءوسِ الخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُخَيّرَهُ مِنَ الحُوْرِ الْعِينِ مَا شَاءَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والتّرْمذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
48 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: أَوْصِنِي، قَالَ: "لا تَغْضَبْ"، فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: "لا تَغْضَبْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
49 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "مَا يَزَالُ البَلاءُ بَالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ". رَوَاهُ التّرمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
50 – وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَال: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فَنَزَلَ على ابنِ أخِيهِ الحُرّ بنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّاناً، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابنِ أَخِيهِ: يا ابنَ أَخِي لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فاستَأْذِن لِي عَلَيهِ، فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: هِيْ يَا ابنَ الخَطَّابِ، فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى هَمَّ أَن يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المؤمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: ﴿خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾ [سورة الأعراف/199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاهَا، وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. رَوَاهُ البُخَارِيُّ
51 – وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قَالَ: "إنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الحَق الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
و"الأثرة": الانفراد بالشيء عمن لَهُ فِيه حق.
52 – وَعَنْ أَبِي يَحْيَى أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ألا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاناً؟ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَونَ بَعْدِي أَثَرَةً فاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
و"أسيد" بِضَمّ الهَمْزَة. و"حضير" بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة، والله أعلم.
53 – وَعَنْ أَبِي إبراهِيمَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ وَاسْأَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ" ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". مُتَّفَقٌ عَلَيه.