خطب الجمعة المجموعة الثالثة
 أحكامُ الصّيامِ

أحكامُ الصّيامِ

خطب الجمعة المجموعة الثالثة

إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورَسولُهُ وصفِيُّهُ وحَبيبُهُ منْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادِيًا ومُبَشّرًا ونَذيرًا، بَلَّغَ الرسالَةَ وأَدَّى الأمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزاهُ اللهُ عنَّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًا منْ أنبيائِهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسَلَهُ.
أمَّا بعدُ فيا عبادَ اللهِ أوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العليّ العظيمِ، يقولُ اللهُ تبارَكَ وتعَالى في مُحْكَمِ التَّنْزيلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*﴾ [سورة البقرة].
إخوةَ الإيمانِ إنَّ صِيامَ شهرِ رمضانَ المبارَكِ عبادةٌ عظيمةٌ خَصَّها اللهُ بخصائِصَ منها ما ورَدَ في الحديثِ القدسيّ الذي أخرَجَهُ البُخاريُّ: قالَ اللهُ تعالى: «كلُّ حسنَةٍ بِعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلا الصّيَام فإنَّهُ لي وأنا أجزِي بِهِ».
فلذا أصغِ أخي المسلمَ بِسَمْعِكَ جَيِدًا لهذِهِ الخُطْبَةِ التي سَنَتَكَلَّمُ فيها بإذْنِ اللهِ ربّ العالمينَ عنْ أحكامِ الصّيامِ.
أولاً إن صيامَ رمضانَ وجوبُهُ معلومٌ مِنَ الدينِ بالضَّرورَةِ فَمَنْ أَنْكَرَ فَرْضِيَّتَهُ فهوَ كافِرٌ إلاّ أنْ يكونَ قريبَ عَهْدٍ بالإسلامِ أوْ نَشَأَ في بادِيَةٍ بعيدَةٍ عنِ العلماءِ. أمّا مَنْ أفطَرَ في رمضانَ لغيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيّ وهوَ يَعْتَقِدُ وجوبَهُ فلا يَكْفُرُ بلْ يَكونُ عاصِيًا وعليْهِ قضاءُ الأيَّامِ التي أفطَرَ فِيها.
أمّا فرائضُ الصّيامِ فهِيَ اثْنانِ: النّيَّةُ والإمساكُ عنِ المُفَطّراتِ.
والنّيَّةُ محلُّهَا القَلْبُ يعني لا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بها باللّسانِ، ويَجِبُ تبييتُها أي إيقاعها ليلاً قَبْلَ الفَجْرِ لكُلّ يومٍ معَ تعيينِ أنَّهُ مِنْ رمضانَ. يعني لِمُجرَّدِ أنَّك تَيَقَّنْتَ منْ دخولِ المغرِبِ فَنَوَيْتَ صيامَ اليومِ الثاني صَحَّتْ هَذِهِ النّيَّةُ، ثمَّ تَعَاطي المفَطّراتِ بعدَ المغربِ وقَبْلَ طلوعِ الفَجْرِ مِنْ أَكْلٍ وشُرْبٍ وجِماعٍ وغيْرِ ذلكَ لا يُؤَثِّرُ على هذهِ النّيَةِ.
ويجبُ الإمساكُ عنِ المفطراتِ عنِ الأكلِ والشُّربِ وعنْ إدخالِ كلِّ ما لَهُ حجْمٌ ولَوْ صغيرًا إلى الرَّأْسِ أوِ البَطْنِ ونَحْوِهِما مِنْ مَنْفَذٍ مفتوحٍ كالفَمِ والأنْفِ (ولَوْ كانَ ذلكَ أجزاءً صغيرةً كدُخانِ السيجارةِ) والقُبُلِ والدُّبُرِ. يعني منِ استعْمَلَ الحُقْنَةَ في الدُّبُرِ أَفْطَرَ. والإمساك عن المفطرات وقته من الفجر إلى المغربِ، ومنْ أَكَلَ أو شَرِبَ ناسِيًا ولوْ كثيرًا لم يُفْطرْ وَلَوْ في صيامِ النَّفْلِ في صيامِ التَّطوعِ. فَفِي الحديثِ الصحيحِ: «مَنْ نَسِيَ وهوَ صائمٌ فَأَكَلَ أوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فإنَّما أطْعَمَهُ اللهُ وسَقَاهُ».
ومِنَ المفطراتِ الاسْتِمْناءُ وهوَ إِخراجُ المنِيّ بِنَحوِ اليَدِ، ومِنَ المفطراتِ أيضًا الاستِقَاءَةُ وهي إخراج القيْء بِطَلَبٍ مِنْهُ بِنَحْوِ إدخالِ إصبَعِهِ في فَمِهِ أَفْطَرَ، ومِنَ المفطّراتِ الجِماعُ في نَهارِ رمضانَ فَمَنْ فعلَ ذلكَ معَ العِلْمِ والتَّعَمُّدِ والاخْتِيارِ أَفْطَرَ، أي إذا كان عالِمًا بالحكمِ وغيرَ نَاسٍ وغيرَ مُكْرَهٍ أَفْطَرَ.
ومما يُفْسِدُ الصيامَ أيضًا الرّدَّةُ أيِ الكفرُ بعدَ الإسلامِ سواءٌ كانَ هذا الكُفْرُ بالقولِ كَسَبّ اللهِ، أوِ بالفعل ِ كالدَّوْسِ على المصحفِ، أو بالاعتِقادِ كاعتقادِ أنَّ اللهَ جسمٌ يُشْبِهُ المخلوقاتِ فهذا لا صيامَ لهُ لأنَّ العبادةَ لا تَصِحُّ مِنْ كافرٍ. نَعَمْ إخوةَ الإيمانِ ليسَ بِمُسْلِمٍ منْ سبَّ اللهَ أوِ اسْتَخَفَّ باللهِ ولوْ مازِحًا أو غاضِبًا، وليسَ بِمُسْلِمٍ منْ شَبَّهَ اللهَ بِخَلْقِهِ لأنَّ اللهَ لا يُشْبِهُ أحدًا مِنْ خلقِهِ فَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ شَىءٌ أخرَجَهُ عَنْ دينِ اللهِ لا يعودُ إلى الإسلامِ إلا بالنُّطْقِ بالشَّهادَتَيْنِ «أشهدُ أن لا إلـهَ إلا اللَّهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللَّهِ» ولأهميةِ هذا الموضوعِ سنتكلَّمُ عَنْهُ بِمَزيدِ مِنَ التَّفصيلِ في الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ بإذنِ اللهِ رب العالمينَ.
اللهمَّ لا تجعلْ مصيبَتَنَا في دينِنَا يا ربَّ العالَمينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ حبَّكَ وحبَّ مَنْ يُحِبُّكَ والعَمَلَ الذي يُبَلّغُنا حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حبَّكَ أحبَّ إليْنا مِنْ أنْفُسِنَا وأهْلِنَا والماءِ الباردِ، وأعِنَّا على القيامِ والصيامِ وتَعَلُّمِ وتَعْليمِ عِلْمِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ بِجَاهِ سَيّدِنا محمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
هذا وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكْم.

الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ لهُ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورَسولُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرْسَلَهُ.
يقولُ اللّهُ تعالى في كِتابِهِ العزيزِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ*﴾.
إخوة الإيمان اعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا*﴾. اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ. يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ*﴾. اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا، فاغفرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.

عبادَ اللهِ، إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا. وَأَقِمِ الصلاةَ.