كتب ومتون الأربعون في التصوف
 باب في جواز الكرامات للأولياء

باب في جواز الكرامات للأولياء

الأربعون في التصوف

الأربعون_في_التصوف
أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ ثنا أحمد بن عبد الوارث بن جرير العسال بمصر أنا الحارث بن مسكين أنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر [27] رضي الله عنه بعث جيشًا [28] فأمّر عليهم رجلاً يُدعى سارية [29]، فبينما عمر يخطب [30] فجعل يصيح: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، فقدم رسولٌ من الجيش فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا فإذا صائح يصيح: يا سارية الجبل فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى، فقلنا لعمر: كنت تصيح بذلك [31].

قال ابن عجلان: وحدثني إياس بن معاوية بن قرة [بذلك] [32].

أنا عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا أيوب بن محمد الوزان ثنا خطاب بن سلمة الموصلي ثنا عمر بن أبي الأزهر عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه خطب يومًا بالمدينة فقال: يا سارية الجبل من استرعى الذئب فقد ظلمه، فقيل يذكر السارية والسارية بالعراق، فقال الناس لعلي رضي الله عنه: ما سمعت عمر يقول يا سارية وهو يخطب على المنبر فقال: ويحكم دعوا عمر فإنه ما دخل في شئ إلا خرج منه. فلم يلبث إلا يسيرًا حتى قدم سارية فقال: سمعت [33] صوت عمر فصعدت الجبل [34].
-------------

[27] وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مُحدّث، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناسٌ مُحدَّثون فإن يكُ في أمتب أحدٌ فإنه عمر" رواه البخاري [كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3689] ومسلم [كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه 2398] وزاد مسلم في صحيحه: "قال ابن وهب: تفسير محدثون: مُلْهَمون" اهـ، وهذا التفسير قاله أكثر العلماء، نص على ذلك الحافظ في "فتح الباري" [7/50]، والمُلهَم هو الذي يُلقى في نفسه الشئُ فيُخبِر به حدسًا وفِراسة، وهو نوع يَختصُّ به الله عز وجل من يشاء من عباده الذين اصطفى مثلُ عمر، كأنهم حُدثوا بشئ فقالوه. قاله ابن الأثير في "النهاية" [1/350]، ونقله ابن منظور في "لسان العرب" [2/134].
[28] أرسله إلى نهاوند بفارس، وتقع جنوبي همذان وبها كانت وقعة للمسلمين زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[29] هو سارية بن زُنَيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محمية بن عبد بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، كان من أشد الناس حُضرًا أي عدوًا، ذكره بعضهم في عداد الصحابة وبعضهم في التابعين. قال الحافظ في "الإصابة": "تقدم في ترجمة أسيد بن أبي إياس بن زنيم ما يشعر بأن له صحبة، وقال ابن عساكر: "له صحبة"، وذكره ابن حبان في التابعين، وقد تقدم أنهم كانوا لا يؤمّرون إلا الصحابة"، وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة": "ذكره ابن سعد وأبو موسى ولم يذكروا له ما يدل على صحبته لكنه أدرك" اهـ. انظر: الإصابة [2/2]، أسد الغابة [2/2]، التجريد [1/203]، الوافي [15/75]، تاريخ مدينة دمشق [20/1891]، الإكمال [3/395: باب ذييم وزنيم، و4/246: باب سارية وشارية].
[30] كان يخطب بالمدينة وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[31] هذه الرواية ثابتة حسّن إسنادها عدد من الحفاظ، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" [2/3] بعد أن ذكر هذه الرواية عن ابن وهب ما نصه: "وهكذا ذكره حرملة في جمعه لحديث ابن وهب وهو إسناد حسن" اهـ، ووافقه على تحسينه تلميذه السخاوي في "المقاصد الحسنة" [ص/737]، وكذا وافقه الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" [7/260]، وقال الحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" [7/106، حوادث سنة 23هـ]: "وقال عبد الله بن وهب عن يحيى..." فذكر القصة ثم قال: "وهذا إسناد جيد حسن" اهـ. وقال العجلوني في "كشف الخفاء" [2/515]: "قال في اللآلئ: وقد أفرد الحافظ القطب الحلبي لطرقه جزءًا ووثق رجال هذا الطريق وقال: ذكره ابن عساكر وابن ماكولا [وغيرهما]، وسارية له صحبة" اهـ. وقال الحافظ الزبيدي في "الإتحاف" [7/260]: "وقد أفرد لطرقه القطب الحلبي الحافظ جزءًَا" اهـ.
[32] هذه الزيادة من تاريخ ابن عساكر [20/24 و25].
[33] هذا دليل على صحة سماع الحيّ الغائب خطاب من يناديه من بعيد، وردٌ على مانعي التوسل بالحي الغائب لزعمهم أن الغائب لا يسمع وقد ظهر لك أيها القارئ ثبوت سماع سارية صوت سيدنا عمر بن الخطاب وبين نهاوند ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافة بعيدة جدًا.
[34] قال الحافظ في "الإصابة" [2/3] ما نصه: "أخرج القصة الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وأخرجها سيف مطولة عن أبي عثمان وأبي عمرو بن العلاء عن رجل من بني مازن فذكرها مطولة، وأخرجها البيهقي في "الدلائل" واللالكائي في "شرح السنة" والدير عاقولي في "فوائده" وابن الأعرابي في "كرامات الأولياء" من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: وجّه عمر جيشًا ..." وذكر القصة ثم قال: "وروى ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه..." اهـ.
قلنا: أسند الحافظ ابن عساكر في تاريخه [20/ 24-25-26-27] هذه الروايات عن الواقدي [وهو متروك] وسيف [ضعيف الحديث] والبيهقي والدير عاقولي، وأسندها عن مردويه ابن الأثير في "أسد الغابة" [2/154] وفي سندها فرات بن السائب قال فيه الدراقطني غيره متروك [لسان الميزان 4/503]، وأسندها عن سيف كذلك الطبري في تاريخه [2/553-554، حوادث سنة 23].