الحَياءُ مِن شِيَمِ المُرسَلينَ والصّالحينَ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيِّدِ المرسَلينَ سَيِّدِنا محمَّدٍ وعلى جميعِ إِخوانِهِ مِنَ النَّبييّنِ والمرسَلينَ وعلى ءالِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ. اللَّهُمَّ عَلِّمنا ما جَهِلنا وذَكِّرنا ما نَسينا وَزِدنا عِلمًا ونَعوذُ بِكَ مِن حالِ أَهلِ النّارِ.
قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مِن كَرامَتي على رَبِّي أَنّي وُلِدتُ مَختونًا ولم يَرَ أَحَدٌ سَوأتِي". اهـ
هذا الحديثُ صحيحٌ رَواهُ الحافِظُ المقدِسي عَبدُ الواحِدِ في كِتابِهِ "المختارة".1 المعنى أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يُخْتَن كما يُخْتَنُ الأَطفالُ. اللهُ أَغناهُ عَن ذَلِكَ لأَنَّهُ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ كامِلٌ مِن كُلِّ جِهَةٍ. فَهو كانَ حيِيًّا أَي كَثيرَ الاستِحياءِ، وَقَد قالَت عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها: "لم يَرَ مِنِّي ولا رَأيتُهُ مِنهُ" وَهذا حالُ الأَنبياءِ كُلِّهِم، موسى عَلَيهِ السَّلامُ عندما كانَ يَغتَسِلُ كانَ يَذهَبُ إِلى حَيثُ لا يَراهُ النّاسُ، وكانَ عادَةُ النّاسِ أَن يَغتَسِلَ بعضُهُم أَمامَ بَعضٍ مَع كَشفِ العَورَةِ، فَلَمّا وَجَدوهُ على خِلافِ عادَتِهِم قالوا إِنَّ بِهِ أُدرَةً2 لِذَلِكَ لا يِغتَسِلُ أَمامَنا إِلاّ مُنفَرِدًا، فَجاءَ ذاتَ يَومٍ إِلى مَكانٍ لِيَغتَسِلَ وَراءَ صَخرَةٍ وكانَ النّاسُ بِمَعزِلٍ عَنهُ، هذِهِ الصَّخرَةُ تَستُرُهُ عَنهُم لا يَرَونَهُ، فَلَمّا وَضَعَ ثَوبَهُ على الحجَرِ هَرَبَ الحَجَرُ بِثَوبِهِ فَصارَ يَلحَقُهُ وهُو يَقولُ: "ثوبي حَجَر ثوبي حَجَر" وكانَ يَضرِبُهُ حتى صارَ أَثرٌ ظاهرٌ على الحَجَرِ، خَرَقَ اللهُ لَهُ العادَةَ فَرَأَوهُ ما بِهِ شَىءٌ ممّا ظَنّوا بِهِ.
وَقَد صَحَّ في حَديثِ الرَّسولِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ في حَديثِ شَمائِلِهِ أَنَّهُ كانَ أَشَدَّ حَياءً مِنَ العَذراءِ في خِدرِها. والخِدْرُ هو سِترٌ يُعمَلُ جانِبَ البَيتِ للبِنتِ البِكْرِ، هذِهِ كانَت عادَةَ العَرَبِ الأُوَلِ هِي تَنفَرِدُ بِهِ تُلازِمُ ذَلِكَ المَكانِ. الحياءُ مِن شِيَمِ المُرسَلينَ والصّالحينَ. وَمِنَ الحَياءِ الممدوحِ أَن لا يُلِحَّ الشَّخصُ في طَلَبِ دَيْنِهِ مِنَ المدينِ وقَد صَحَّ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: "الحياءُ مِنَ الإِيمانِ".

فَالحياءُ الّذي مَدَحَهُ الرَّسولُ هو الحَياءُ الّذي يُبعِدُ صاحِبَهُ عَنِ الرَّذائِلِ ومُنكَراتِ الأَخلاقِ، أَمّا الحياءُ الّذي يَمنَعُ صاحِبَهُ مِن تَعَلُّمِ ما يحتاجُهُ للدِّينِ كالمرأةِ الّتي تَستَحي مِن تَعَلُّمِ أَحكامِ الحيْضِ والنِّفاسِ، والرَّجُلِ الّذي يَستَحي مِن تَعَلُّمِ أَحكامِ الجنابَةِ فَهذا مَذمومٌ عِندَ اللهِ، بَل قَد يؤدي بِصاحِبِهِ إِلى الهلاكِ لِتَركِ تَعَلُّمِ ما فَرَضَ اللهُ عَلَيهِ مِن أُمورِ الدِّينِ، وذَلِكَ لأَنَّ الصَّلاةَ أَفضَلُ الأَعمالِ بَعدَ الإِيمانِ بِاللهِ وَرَسولِهِ فَمَن صلاّها كَما أَمَرَ الشَّرعُ الشَّريفِ فَقَد أَقامَ رُكنًا مِن أَركانِ الإِسلامِ، ومَن أَضاعَها فَقَد خَسِرَ هذا الرُّكنَ العَظيمَ. والصَّلاةُ لا تَصِحُّ إِلاّ بِاستيفاءِ شُروطِها ومِن أَعظَمِ شُروطِها الطُّهورُ. قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: "الطُّهورُ شَطرُ الإِيمانِ" رواهُ مُسلِمٌ، ورواهُ ابنُ حِبّانَ بِلَفظِ "الوُضوءُ نِصفُ الإِيمانِ". فلِهذا كانَت المحافَظةُ على شُروطِ الصَّلاةِ أَمرًا عَظيمًا في الدِّينِ ومَن لا يحافِظُ على شُروطِها لَيسَ لَهُ شىءٌ مِن ثوابِها بَل عَلَيهِ الوِزرُ الموصِلُ إِلى العَذابِ الأَليمِ في الآخِرَةِ. قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ:"مَن حافَظَ على الصَّلواتِ الخَمسِ كانَ لَهُ نورٌ وبُرهانٌ ونجاةٌ يَومَ القِيامَةِ ومَن لم يحافِظْ عَلَيها لم يَكُن لَهُ نورٌ ولا بُرهانٌ ولا نجاةٌ يَومَ القِيامَةِ وكانَ مَع فِرعَونَ وهامانَ وأُبَي بنِ خَلَفٍ". هؤلاءِ الثَّلاثَةُ رُءوسُ الكُفرِ، أَمّا فِرعونُ فَأَمرُهُ أَشهَرُ، وَأَمّا هامانُ فَكانَ هو وَزيرَهُ يُنَفِّذُ لَهُ أَوامِرَهُ في الكُفرِ والمعاصي فَهو رأسٌ مِن رُءوسِ الكُفرِ، وأَمّا أُبَي بنُ خَلَفٍ كانَ مِن أَشَدِّ المشرِكينَ مِن قُريشٍ على رَسولِ اللهِ وعلى أَصحابِ رَسولِ اللهِ في مَكَّةَ. وءاخِرُ دَعوانا أَن الحمدُ للهِ رَبِّ العالمين وَصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ أَشرَفِ المُرسَلينَ.

-----------------------

1- المختارة : كتابٌ أَلفهُ ذَكَرَ فيهِ أَحاديثَ هو يَحكُمُ عليها بالصِّحّةِ .
2- الأدرة مَن يُصيبهُ فتقٌ في إحدى خِصيتيهِ .