لا يقالُ مُنذُ كَمْ للهِ في الألوهيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين لهُ النّعمة وله الفَضلُ وله الثّناءُ الحسن صلواتُ الله البَرّ الرحيم والملائكةِ المقَرّبين على سيّدِنا محمّدٍ أشرفِ المرسلين وعلى إخوانِه الأنبياء والمرسلينَ وسَلامُ الله علَيهِم أجمَعين وبعدُ
فإنّ أعظَمَ مَا يُتقَرّبُ به إلى الله أداءُ ما افتَرض الله على عبادِه، فالله تعالى افتَرض على عبادِه على كلّ بالِغ عاقلٍ ذكَرٍ أو أُنثى افتَرَض علَيهِم أن يؤدّوا الواجِبات ويجتَنِبُوا المحرَّمات فأداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرّمات يُقرّبُ إلى الله أكثرَ مِنَ النّوافل، فالواجباتُ أقسامٌ منها واجباتٌ عِلمِيّة وواجباتٌ عمَلِيّة، والواجباتُ العلمِيّة نوعانِ نوعٌ اعتِقاديٌّ يُعتَقدُ اعتقادًا ونَوعٌ يُعرَفُ مَعرفَةً، الواجِباتُ الاعتقاديّةُ أهمّها وأعلاها وأفضَلُها معرفةُ الله ورسولِه، هذا أعظَمُ الأمور التي فَرَض الله علَينا اعتقادَها، هذا أعظَمُ الفرائض الاعتقاديّة.
لا يقالُ مُنذُ كَمْ للهِ في الألوهيّة، كَم لهُ في الألوهيّة مِنَ الزّمَن، اللهُ تعالى مَوجُودٌ قَبلَ الزّمان والمكان، الزّمانُ حَادثٌ والمكانُ حَادث، مَن لا يَعلَمُ هذا يقَعُ في الكفر.
بعضُ الناس كانوا يبِيعُونَ وُرَيقاتٍ يُقالُ لها مُناجاةُ موسى فيها كفرٌ ظَاهر، فيها أنّ موسى عليه السلام قالَ يا ربِّ كَمْ لكَ في الألوهيّة، فمَن عرَف العقيدةَ الحقّةَ أوّل ما يَرى هذا الكلام يعتَبِرُه كُفرًا ويُتلِفُ هذا الكتابَ لأنه واجبٌ إتلافُه، لا يجوز تركُه.
فالله تعالى وصفاتُه وجودُه وأُلوهيّتُه وعِلمُه وقُدرَتُه ومَشيئَتُه وحَياتُه وسَمعُه وبصَرُه أزليٌّ أي ليس شيئاً يحدُثُ عليه، يَطرأ عليه، نحن وجودُنا حادث لم نكن ثم كُنّا وكذلك عِلمُنا حادث نخرج مِن بطُونِ أُمّهاتِنا لا نَعلَمُ شَيئًا ولا نميّز بينَ ما ينفَعُنا وما يضُرّنا، نحن عِلمُنا حادِث وكذلك قُدرتُنا حادثةٌ، أوّلَ ما نخرجُ مِن بطُونِ أُمّهاتِنا لا نستَطيعُ أن نخطُوَ خَطْوةً، عِلمُنا حادثٌ وكلُّ ما فِينا حتى إرادَتنا حادثةٌ، الله تعالى ليسَ هَكذا الله مَوجودٌ بلا ابتداءٍ وعِلمُه مَوجُودٌ ثابتٌ لهُ بلا ابتداءٍ وكذلكَ أُلوهيّتُه، ليسَت ألوهيتُه منذُ خلَق الخَلقَ بل ألوهِيّتُه أزليّة، فالحاصلُ أنه لا يجوز أن يُعتَقد في الله أنهُ اكتسَب شيئًا مِنَ الصّفات بعدَ أن لم يكن متّصفًا بها، كلّ صفاتِه أزليّةٌ أبديّة، لم يَستَفِد بخلقِ العالم شيئًا لم يستَفِد بخلق العالم عِلماً لم يَستفِد بخلق العالَم قُدرةً لم يَستفدْ بخلق العالم مشيئةً لم يَستفدْ بخلق العالم حِكمةً، لم يستفِدْ بخلق العالم كَمالا، الله تعالى كامِلٌ بكمالِه الأزليّ الأبديّ، لا يَزيدُ ولا يَنقُص، فإن قِيلَ فلِم إذن خَلَقَ الخَلقَ يُقال خلقَ الخَلقَ إظْهارًا لقُدرتِه فيَشكرُه مَن شاءَ اللهُ لهُ السّعادة فيَسعَد بالنّعيم الأبدي في الآخِرة، ويَشقَى مَن شَقيَ، السعيدُ يَسعَدُ بطَاعة الله، يُطيعُ ربّهُ ويؤمنُ به وبرسُولِه، ويُطيعُ ربّه فيما فرضَ يؤدّي الفرائض ويجتَنبُ المحرّمات، هذه السّعادةُ الكاملةُ أمّا السّعادةُ النّاقصةُ فهي أن يموتَ الإنسانُ مسلمًا وعليه ذنُوبٌ ولم يتبْ منها، يموتُ مؤمنًا لكنّه غافلٌ لا يؤدّي الفرائضَ كلّها أو بعضَها ولا يجتنبُ المحرماتِ كلَّها أو بعضَها هذا بما أنه يموتُ على الإيمان سعيدٌ سعادةً ناقصةً ليست سعادتُه كاملةً.
إنما السّعيد الكاملُ هو الذي يؤدّي فرائضَ الله الاعتقاديةَ والعِلميّة والعمَلِيّة ويجتَنب محرماتِ الله أي ما حَرّم الله، هذا هو السّعيدُ الكامل، الله تعالى خلَق هذا العالم لا ليَستَفِيدَ منه بل ليُظهِرَ قُدرتَه للعبادِ فينتَفعَ مَن شاء الله لهُ بأن يكونَ مؤمنًا بالله ورسوله مؤدّيًا لما افتَرض اللهُ عليه مجتَنبًا لما حرّمَ الله عليهِ فيَسعد السّعادةَ الكبرى.
الله تعالى لم يزدَدْ بخَلق العالم كمالاً، فالله تعالى خلَق العالم إظهارًا لقُدرتِه لا ليَنالَ كمالاً غيرَ كمالِه الأزلي، كمالُه أزليّ لا يَقبَلُ الزّيادة والنّقصان كلُّ كامِلٍ مِنَ الخَلقِ يَقبَلُ الزّيادةَ كذلكَ النّاقصُ يَقبَلُ الزّيادةَ في النُّقصان أمّا الله تعالى كاملٌ لا يَقبَلُ الزّيادةَ والنّقصان.