على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والصلاة والسلام على محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى ءاله الطاهرين وصحابته الطيبين.
أما بعد فقد قال عليه الصلاة والسلام: "فيما أنزل الله تعالى في تلك الصحف التي أنزلها على إبراهيم عليه السلام: "على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن تكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر فيها فيما صنع الله وساعة يخلو فيها لمطعمه ومشربه. وعلى العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه مقبلاً على شأنه حافظًا للسانه فمن حسَب كلامه من عمله قل أن يتكلم إلا فيما يعنيه".

هذه الجمل التي هي في صحف إبراهيم التي رواها رسول الله فيها نصائح كبيرة، من عمل بها استفاد لآخرته وفي دنياه لأن فيها محاسبة الشخص نفسه أي يفكر في نفسه ماذا عملت اليوم؟ حتى إذا عرف أنه عصى يتوب يتدارك نفسه بالتوبة، وحتى إذا تذكر حقًا أضاعه من حقوق الله تعالى يتداركه.

ثم في هذه الجمل حفظ اللسان عن كل ما فيه شر وعن بعض ما ليس فيه شر، لأن كثرة الكلام يسبب الوقوع في كلام فيه معصية.

في هذه الجمل النصيحة بأن يُقبل المسلم على شأنه أي يتفقد حال نفسه ليصلحها، إذا رأى نفسه عمل عملاً حسنًا ليثبت عليه وليزداد فيه وإن رأى من نفسه عملاً سيئًا حتى يغير حاله إلى الحسن.

وفي هذه الجمل التفكر فيما صنع الله، التفكر يزيد خشية من الله. والتفكر الذي يحبه الله هو التفكر في مصنوعات الله لينظر إلى نفسه يقول: أنا كنت نطفة ثم الله تعالى خلقني إنسانًا بشرًا سويًا ثم طوّرني من حالة الضعف إلى حالة القوة، أليس الإنسان أول ما يولد لا يتكلم ولا يعلم شيئًا ولا يمشي ولا يميز ما ينفعه مما يضره؟! ثم الله تعالى طوّره من الضعف إلى القوة بعد أن كان ضعيفًا الله تعالى يخلق فيه القوة والنشاط. ثم هذا النشاط إن استعمله في الخير أي عندما يصير الشخص بالغًا إن استعمل نشاطه وصحته فيما ينفعه لِما بعد الموت في القبر وفي الآخرة كان حازمًا في أمره.

وفي هذه الجمل الأمر بحفظ اللسان لأن اللسان كما وصفه بعض العلماء ثعبان إذا لم يحفظ الشخص لسانه فإنه يهلكه كما يهلك الثعبان بسُّمه من لسعه، كذلك هذا اللسان إذا لم يحفظه صاحبه عن الشر عن الكفر والمعاصي يهلكه.

ثم السبيل إلى حفظ اللسان والقلب من المعاصي بتعلم علم الدين، علم أهل السنة الذي يعرف به ما يحل من الكلام ومن النظر ومن المشي ومن الاستماع - الكلام منه ما يحل استماعه ومنه ما يحرم استماعه - ومعرفة ما يحل أكله وما يحرم، ومعرفة ما يحرم من المال كسْبه من غيره. لأن الإنسان ما خلق ليأكل ويشرب وينام، لأن الأكل والشرب والنوم يشارك الإنسان فيه البهائم، الحمار همه بالنهار الأكل ثم إذا رد إلى مأواه ينام، والإنسان إذا كان حاله حال الحمار لا يكسِب من حياته هذه ما ينجيه في الآخرة من الهلاك. فعلم الدين هو السبيل الذي يعرف به ما يضر في الآخرة وما ينفع في الآخرة. اللهم اجعلنا ومحبينا من المتعلمين العاملين المحسنين، واغفر لنا وفقهنا في الدين. وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.