عقوق الوالدين من الكبائرِ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين آدم وابراهيم وعيسى وموسى ومن بينهم من النبيين وعلى آله الطاهرين.
أما بعد فإن عقوق الوالدين من الكبائر التي توعّد اللهُ فاعلَها بالعذاب الشديد في النار. ومعنى العقوق أن يؤذي والدَيه أذىً ليس بهينٍ، ومع ذلك فإيذاءُ الوالدين سواء كان أذىً شديداً أو خفيفاً فهو حرام.
ومن الأمثلة على العقوق شتمُ الامِ أو الأبِ أو ضربُ الأمِ أو الأبِ أو إهانتهما أو أحدهما.
ومن جملة العقوق إذا أطاع الولد أمه على ظلم ابيه أو أطاع أباه على ظلم أمه، ولا ينفعه عند الله تعالى إن أطاع أمه وظلم أباه لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، ونُصرة أحد الأبوين في ظلم الآخر حرام.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التعاون على الظلم بقوله:"ليس منا من دعا الى عصبية" رواه ابو داود. فالمراد بالعصبية هنا التعاون على الظلم من أجل القومية أو القرابة. وقد ورد في النهي عن الظلم أحاديث عدة منها ما جاء عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حَرَّمت الظُلمَ على نفسي وجعلته بينكم مُحَرَّماً فلا تَظَالموا" رواه مسلم. ومعنى " إني حرمت الظلم على نفسي" أي نَزَّهْتُ نفسي عن الظلم.
فربنا منـزه عن الظلم فلا يتصور منه ظلم لأن الظلم مُحال في حق الله، وقال الله تعالى ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾. والظلم لغةً: وضع الشىء في غير محله، وهو مجاوزةُ الحدِّ أو التصرف في حق الناس بغير حق، وهذا مستحيل على الله أي لا يجوز في حق الله لأن الله هو المالك المطلق يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد. أما نحن فإننا نملك أشياء ملّكنا اللهُ اياها ولا بد أن نلتزم أحكامَ الشرع كما أمرنا الله.
وليُعلم أن عذاب عقوق الوالدَين المسلمَين عند الله تعالى عظيم حيث أن عاقّهما لا يدخل الجنةَ مع المسلمينَ الأولينَ بل يدخلها بعد عذاب شديد مع الآخرين وذلك لأن هذا الذنب هو من كبائر الذنوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة عاقٌّ" رواه البخاري ومسلم، أي لا يدخلها مع الأولين وليس المعنى أنه كافر محروم من الجنة.
قال الله تعالى ﴿وقضَى ربُّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يَبْلُغَنَّ عندك الكِبَرَ أحدُهُما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍ ولا تَنْهَرهُما وقُلْ لهما قولاً كريماً واخفِض لهما جناحَ الذُّلِّ من الرحمةِ وقلْ ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً﴾. (سورة الاسراء).
ومعنى قوله تعالى ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً﴾ أي براً بهما وشفقةً وعطفاً عليهما. ومعنى قولِه ﴿وقُل لهما قولاً كريماً﴾ أي قولاً ليناً لطيفاً. فالله سبحانه وتعالى نهى عن أن يقال لهما أفٍ وأمر سبحانه وتعالى بأن يقال لهما القولَ الكريمَ أي الليِّن لا سيما عند الكِبَرِ، وأن يخفض لهما الجناح بأن يكلمهما بأدب واحترام.
قال الله تعالى: ﴿ووصَّينا الانسانَ بوالدَيه حملتهُ أمه وهناً على وهنٍ وفصَالُه في عامين أن اشكر لي ولوالدَيك إليّ المصير﴾ (سورة لقمان). وقال الله تعالى: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً﴾.
ولكون الأم عناؤها أكثر وأعظم بما قاسته من حَمْلٍ وطَلْقٍ وسهرٍ وعناء حث الرسولُ عليه الصلاة والسلام على برِّها ثلاثاً وعلى برِّ الأب مرة واحدةً فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي" قال: "أمك" قال: ثم من. قال: "أمك" قال: ثم من. قال: "أمك" قال "ثم من" قال: "أبوك" رواه البخاري. فمن هنا علمنا أن بر الامهات أعظم ثواباً من بر الآباء، لكن كلا الامرين أمر عظيم عند الله تعالى.
كما أن عقوق الأمهات أشد ذنباً من عقوق الآباء وذلك لحديث المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرَّم عليكم عقوقَ الأمهات" رواه البخاري ومسلم. فتخصيصه صلى الله عليه وسلم الأمهات بالذكر دلّ على أهمية الالتزام ببرِ الامهات.
وإن ما ذكرناه في أمر العقوق فإنه في حق الوالدَين المسلمَين أما إذا كان الابوان كافرَين أصلييَن فالله تعالى أمرنا بالإحسان إليهما لكن لا يطيعهما في كفرهما ولا في معاصيهما وهذا معنى قولِه تعالى ﴿وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به عِلم فلا تُطعهما وصاحِبْهُما في الدنيا معروفاً﴾ (سورة لقمان) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الله" رواه الإمام أحمد.
ثم إن كان الأبوان مسلمَين فقيرَين محتاجَين ففرضٌ على الابن أن يُنفق عليهما فيطعمهما ويكسوهما ويسكنهما. كما أنه يجب على الابن المسلم أن يُزوِّج أباه المسلمَ الفقيرَ إن كانَ محتاجاً للزواج وشقّت عليه العزوبة، فإن ترك الولدُ إعفافَ أبيه بالزواج مع كونِ الولد موسِراً وتأذّى الوالدُ إيذاءً شديداً من العزوبة فإنه يكون عاقّاً لأبيه.
وإن الأحاديث التي وردت في الحث على برِّ الوالدين والاحاديث التي وردت في النهي عن عقوق الوالدين كثيرة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان عمر - والدُه - يكرهها فقال لي "طَلِّقْها" فأبيتُ فأتى عمر النبيَّ فذكر ذلك له فقال النبي: "طلِّقها" رواه ابو داود والترمذي.
إن كثيراً من الأبناء يعاملون آباءَهم وأمهاتِهم معاملةً غير حسنة ويُغْلِظُونَ لهم القولَ ولا يعاملونهم بالأدب والاحترام، بل يصل الأمر أحياناً الى حد الشتم والضرب لمجرد أن أباه لم يشتر له سيارة جديدة أو لم يُعطِه من المال ما يريدُه ليصرفه على ملذاتِه وطيشِه أو لمجرد أن أمه لم تنفذ له طلبه على النحو الذي يُحبه ويهواه، مع العلم بأن اللهَ فَرَضَ برَّهما وحرَّم عقوقهما، وقد كان الحري به أن يقدمَ لهما المساعدةَ ويعينَهما على مواجهة المتاعب بَدَلَ أن يكون فظاً غليظَ القلب بذيءَ اللسان.
إن المرء مهما كان مواظباً على أداء الصلوات الخمس والصيام ونحو ذلك من الفرائض وكان عاقاً لوالدَيه يؤذيهما أذى شديداً بالقول أو الفعل فإنه لا يكون عند الله من المتقين الصالحين. فاحرص على بر الوالدين، واياك والعقوق وانصح غيرك بذلك فإن الدال على الخير كفاعله.
وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس حقا على المرأة زوجها وأعظم الناس حقا على الرجل أمه".
حديث صحيح صححه الحاكم وغيره.
والآيات في هذا الباب كثيرة وقد ورد أحاديث صحيحة مشهورة ولو أردنا بسطها لجمعنا مجلدات في ذلك. وفيما ذكرنا يتبين لنا عظم حق الوالدين على أولادهما، وأعظمهما حقا على الولد الأم فإنها أولى الناس بالبر والطاعة.
ولا يسقط بر الأم والأب عن الولد لكونهما أساءا إليه في صغره بأن أضاعاه وقطعاه من الإحسان والنفقة فليس للولد حين الكبر أن يقابل هذه الإساءة بالإساءة فيقول هما لم يرحمان صغيرا بل أضاعاني وسلماني للجوع والعطش والعري فأنا اليوم أعاملهما بالمثل فمن فعل ذلك وقع في وزر كبير هو وزر العقوق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والديوث ورجلة النساء". رواه البيهقي. أي لا يدخلها مع الأولين.