الإمام الشافعي عالم قريش

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله الطيبين الطاهرين. أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه أنه قال:" لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً". معنى هذا الحديث أنه سيأتي عالم من قريش يملأ جهات الأرض علماً، ففكر العلماء على من ينطبق هذا الحديث فوجدوه ينطبق على الإمام الشافعي لأنه من قريش، أما الثلاثة الآخرون مالك وأحمد وأبو حنيفة فليسوا من قريش. ففسّر العلماء الحديث بالشافعي والأمر كذلك لأن مذهبه انتشر في الشرق والغرب والشمال والجنوب إلى يومنا هذا. الشافعي كان عالماً فقيهاً محدّثاً مجتهداً واسمه محمد بن إدريس توفي سنة مائتين وأربعة، كان رضي الله عنه حسن الصورة حسن الصوت حتى إن بعض الناس لما يريدون أن يسمعوا قراءة القرءان على الوجه الصحيح الذي فيه ترقيق القلب يذهبون إليه يقولون:
"اذهبوا بنا عند هذا الفتى المطّلبي" فيجلسون عنده وهو يقرأ. ومن شدة ما يحصل عندهم من الشوق والخوف من الله يتساقطون ويغلب عليهم الخوف من الله وما ذاك إلا لسر في قراءته.
وكان الشافعي رضي الله عنه من أهل الكشف. ثلاثة من تلاميذه مرة قال لأحدهم: "أنت في الحديث" يعني أنت تبقى تشتغل في الحديث فطلع كذلك وهو الربيع المرادي. وقال لآخر: "وأنت في الحديد" وقال لآخر: "أنت رجل المناظرة" أي أنت قوي في المناظرة. ثم هذا الذي قال له: "أنت في الحديد" وهو البويطي لما حصلت محنة بعد وفاة الشافعي، الخليفة الذي كان في بغداد صار يقول للناس: "قولوا القرءان مخلوق" وهذا الكلام لا يجوز. بعض الناس خوفاً من العقوبة صاروا يقولون وبعضهم أبَوْا أن يقولوا. الإمام أحمد في بغداد امتنع من القول بخلق القرءان فسلّط عليه الخليفة مائة وخمسين جلاداً يتعاقبون على ضربه في ليلة واحدة ومع ذلك لم يمت من ذلك. أما البويطي الذي تكلم عنه الشافعي وقال له "أنت في الحديد" كان في مصر امتنع أيضاً من القول بخلق القرءان فطلبوه فأرسلوه من مصر إلى بغداد مكبّلاً بالحديد فتحقق فيه كلام الشافعي ومع ذلك ما تزحزح بل ثبت حتى مات. وأما الآخر فصار قوياً في المناظرة أي إنسان يناظره يقوى عليه وهذا الأخير يقال له المزني.
بعض الجهال يظنون أن العلماء ليس لهم كرامات إنما الكرامات على زعمهم لأهل الطريقة المتصوفين وهذا باطل. كل عالم يعمل بعلمه ظاهراً وباطناً فهو ولي إن ظهرت له كرامة وإن لم تظهر. من لنا في هذا الزمن مثل الشافعي الذي إذا قرأ القرءان فاستمع له الناس يتساقطون من شدة الفرح والخشية من الله، من شدة اللذة بسماع قراءة القرءان؟
ثم إنه ينبغي الحذر من كثرة الكلام فإن كثرة الكلام تؤدي إلى المهالك. كثير من الآفات اللسانية التي تؤدي بالشخص إلى الكفر أو إلى ما دون الكفر من الفسوق سببها اللسان. حتى إن بعض الناس من الرجال والنساء يحصل منهم ذلك ثم يندم أحدهم فيقول هذه الكلمة كفر أم لا ثم يتبين له أنها كفر أو دون الكفر فيكونون قد تسببوا لأنفسهم بالوقوع في هذا بسب كثرة الكلام. فمن تعود تقليل الكلام إلا ما يعلم أنه خير يسلم من ذلك.
الرسول عليه الصلاة والسلام أكّد تقليل الكلام ومن أحاديثه قوله لواحد من الصحابة لما سأل هذا الصحابي الرسول بقوله: "يا رسول الله ما النجاة؟" فقال عليه الصلاة والسلام: "أمسك عليك لسانك" أي احذر شر لسانك وقلل الكلام ولا تكثر. وهناك أيضاً حديث مشهور وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي ذر رضي الله عنه: "عليك بطول الصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك". فمن عمل بهذا الحديث نجا من كثير من الشر والمهالك.
فعلى المسلم أن يعمل بهذا الحديث وأن لا يبالي إذا حضر مجلساً أن يقول الناس فيه إن أطال الصمت انه غبي ولو كان من أهل الفهم لتكلم كما تكلم غيره.
بعض الناس يتكلفون الكلام لأجل ذلك حتى لا يقال عنه ضعيف الفهم لأنه لا يتكلم، فالذي لا يبالي بذلك ويبقى على طول الصمت فقد نجا وحفظ نفسه من الشر وما عليه من قول الناس انه غبي وأنه لو كان له فهم لتكلم كما يتكلم غيره.
ثم أن المسلم الذي يطيل الصمت يقل طمع الشيطان فيه ويمل منه، يقول هذا لا يتكلم كيف أمسكه كيف أوقعه؟ احمدوا الله أن هيأ لكم من يعلمكم طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة والأحكام ولم يجعلكم كهؤلاء الذين هم بصورة بشر ولكنهم يتبعون كل ناعق كما تتبع الغنم ناعقها كما حصل لكثير من الناس الذين اتبعوا الفرق الضالة إلى الكفر.