حسن الخلق أمر عظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام المحدّث الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النِّعمَةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثَّناءُ الحَسَن، صَلواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحيمِ والملائكةِ المُقرَّبينَ على سيِّدنا محمَّدٍ أشرَفِ المرسلينَ وعلى جميع إخوانِه مِنَ النَّبيِّين آدمَ ونُوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى ومَن بَينَهُم وسَلامُ اللهِ علَيهِم أجمعين، أمَّا بعدُ؛
فإنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم قال: "أَحْسَنُ الحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ وخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلم" رواه البخاريُّ.
خَيرُ الكلامِ كلامُ الله، القرءانُ الكريم، وخَيرُ الهَدي، أي خَيرُ السّيرةِ سِيرةُ محمَّد، هَدْيُ محمَّدٍ؛ لأنَّ اللهَ تبَارك وتَعالى فَضَّلَهُ على جميع الأنبياءِ وجَعَل شَريعَتَهُ أيْسَرَ الشَّرائع.
الشَّرائع القَديمة كان فيها صعُوبَةٌ ليسَت في هذه الشَّريعة.
كانَ خُلُقَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم القرءان كمَا قالت سيِّدتُنا عائشةُ رَضي الله عنها: "كانَ خُلُقَهُ القرآن" رواه أحمد والبخاري في الأدب والطبراني.
معناه الرَّسولُ كانَ يَتخَلَّقُ بالأخلاقِ التي أمَرَ بها القُرءان، بالخُلُق الذي أمَرَ به القرءانُ كانَ يتَخَلَّق.
القرءانُ أمَرَ بالعَفْوِ وأمرَ بالإحسَان وأمَرَ بتَحَمُّلِ أذَى النَّاس وأمَرَ بكَفِّ أذَى الشَّخص نَفسِه عن غَيرِه، هذَا هوَ حُسْنُ الخلُق.
ليسَ حُسنُ الخُلُق أن يكونَ الشّخصُ يَلقَى النَّاسَ بوَجهٍ بَشُوشٍ فقَط، لا، بل حُسنُ الخُلقِ أمرٌ عظِيمٌ وهوَ أن يَبذُلَ مَعرُوفَه للنَّاس، أي يَعمَلَ المعروفَ للنَّاس للّذي يَعرفُ له وللَّذي لا يَعرفُ له، أي للَّذي يُقَدِّرُ له والذي لا يُقَدِّرُ لهُ، هو يَعمَلُ مَعرُوفَه مع هذَا ومع هَذَا ومع هذَا.
ليسَ مَعناه يُسَايِرُ النَّاسَ في كُلِّ ما يَعمَلُونَه، لا، إنِّما معناهُ في عَمَلِ الخَير لا يَبخَلُ عنهُم، بما يَستَطِيعُ يَعمَلُ مَعهم المعروفَ، لا يَبخَلُ ولا يَجعَلُ مَعروفَهُ لمن يَعرِف لهُ ويُعامِله بالمثل فقط، بل يَعمَلُ المعروفَ مَع مَن يَعرفُ لهُ ويُعَامِلُه بالمثْلِ ولمن لا يُعامِلُه بالمثل، للجَميع يَعمَلُ المعروف.
ثم فَوقَ هذَا يكُفُّ أذاهُ عن غَيرِه، لا يؤذي النَّاس، لا يَظلِمُهم، يَكُفُّ، لو اشتَهَت نَفسُه، الإنسَانُ أحيانًا نَفسُه تَشتَهِي أنْ تَنتَقِمَ مِنَ النَّاس انتِقَامًا ظَاهرًا، فهذا الذي يُحَسِّنُ خُلُقَه يَكُفُّ نَفسَهُ عن أذَى النَّاس، أي يَعفُو عمَّن ظلَمَه.
بَعضُ النَّاس مِن جَهلِهم أو مِن فسَاد نفُوسِهم يُعامِلُونَ ءابائَهم ومنهُم مَن يُعامِلُونَ أُمَّهَاتِهم بالإسائةِ، وذلكَ إذا كانَ ءاباؤهم في حالِ صِغَرِهم لا يَلتَفِتُون إليهم ولا يَرحَمُونَهم يقولونَ نحنُ نُعامِلُهم بالمثل، أبونا كانَ يُعَامِلُنا بالقَسْوةِ والفظَاظَةِ والغِلْظَة فنَحنُ نُعَامِلُه كذلكَ نمنَعُه مَعرُوفَنا، الآنَ هوَ مُحتاجٌ إلينا، هوَ مَا كانَ يَرحَمُنا لما كُنَّا ضُعَفاءَ صِغارًا مُحتَاجِينَ فنَحنُ الآن أيضًا نَقسُو علَيه لا نُحسِن إليه.
كذلكَ بَعضُ النَّاسِ يَفعَلُونَ بأُمّهَاتِهم، إن كانَتِ الأمَّهاتُ في حالِ صِغَر أولادِهِنَّ يُهمِلنَ حُقوقَ الأولادِ ولا يَلتَفِتْنَ إلى ذلك؛ هؤلاءِ الأولاد والبَناتُ لما يَكبَروْنَ يُريدُونَ أن يُعامِلُوا بالمثلِ وهذا خِلافُ ما أمَرَ اللهُ به.
الله تَعالى أمرَ بحُسْنِ الخلُق، حُسنُ الخُلُق أن يُعامِلَ الشَّخصُ غَيرَهُ، قَريبَهُ وغَيرَ قَريْبِهِ بعَمَلِ المعروفِ معَه، إنْ كانَ هوَ يَعمَلُ مَعهُ مَعروفًا وإن كانَ لا يَعمَلُ مَعه مَعروفًا، يَصِلُ رَحِمَهُ الذي كانَ لا يحْسِنُ إليه ولا يَلتَفِتُ إليهِ ولا يَزُورُه.
الذي يُريدُ أن يكونَ حَسَنَ الخُلُق لا يقُول قَريبي هذَا، رَحِمي هذَا لا يَلتَفِتُ إليَّ، أنا أيضًا لا أَلتَفِتُ إليه، هو يَصِلُه، يَزُورُه، ويحسِنُ إليه، إن كانَ محتاجًا يُغِيثُه مِنَ الضِّيق، إن كانَ يَستَطيعُ إغَاثتَه لا يَبخَلُ عنه، سواءٌ كانَ قَريبُه ذلكَ خَيِّرًا أو شرِّيرًا، هوَ يُعامِلُه بالخَير هكذا كانَ الأنبياء، الأنبياءُ كانوا يُعامِلُونَ النَّاسَ بالإحسَان والمعروف، الذِينَ يَعرفونَ لهم والذينَ لا يَعرفُونَ لهم.