ملعون من لعن والديه

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم
أما بعد فقد رُوّينا بالإسناد المتصل في صحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى، من حديث عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنْه أنّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال : " مَلْعُونٌ منْ لَعَنَ والدَيْه وملعونٌ من ذَبَحَ لغَيْرِ الله وملعونٌ من غَيَّر مَنارَ الأرض وملعونٌ من ءاوى مُحْدِثًا
هذا الحديثُ عُرِفَ بروايةِ علِيّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم وفيه لَعْنُ أربعَةِ أشْخَاص أحَدُهُم من لعنَ والدَيْه يعني رسولُ الله صلّى اللهُ عليْه وسلّم من يلعَنُ والدَيْه المسلِمَيْن فإنّ لَعْنَ الوالدَيْنِ المسلمين أشدُّ إثمًا من لعْن غيرِهما على أنّ لَعْن المسلم بغيرِ سببٍ شرعيّ كبيرةٌ من الكَبائر، وقد ذكَرنا في ما مضى حديثَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وسلم " لَعْنُ المُسْلِم كقتلِه " هذا يدلُّ على ان لعنَ المسلم بغير سببٍ شرعي من أكبرِ الكبائر لأنّه شبّهَهُ بقتلِه، وقتلُ المسلم ظلماً هو أكبرُ الذنوبِ بعدَ الكفر، لا شىءَ أعظمُ من ذلك، لا ذنب أعظَم من قتلِ المسلم ظُلْماً بعدَ الكُفْر، فالرّسول صلى الله عليه وسلمَ شبّهَ لعْنَ المسلم بأكبَرِ الذّنوب، فيدلّ ذلك على أن لعنَ المُسْلم من أكبرِ الكبائِر فيكونُ لعْن الوالدينِ أشدَّ من لعْنِ غيرِهمَ
قلنا هذا في الوالدينِ المسلِمين، أما الوالِدُ أو الوالدة الكافرانِ فليسَ في لعنِهما هذا الإثم، ومن الكفر الذي يمنَع الإثم فيمن لعنَ والديه كونُ والديه يَسُبّانِ اللهَ تعالى في حال غَضَب أو في غير ذلك فأي والدٍ أو والدة يسُبّان اللهَ تباركَ وتعالى فمَن لعنَهُما فليسَ عليه وزْرٌ لأنّه سقطَت حقوقُهُما ، حتى قال الفقهاء : إنّ الأبَ الذي وقَع في ردّة كأن سبّ اللهَ أو غيرِ ذلك من أسبابِ الردة، أسبابُ الردة كثيرة كأن يتَهَوّد أو يستخِفَّ برسولِ الله أو يستخفَّ بالله أو يستخِفَّ بالملائكة أو يستخِفَّ بدينِ الإسلام ، فالوالدُ أو الوالدةُ إذا وقَعا في ذلك قال الفقهاءُ ليسَ لهما نفَقة على الولَد، معناه ليس لهما عليه حق إن قطع عنهُما الأكل والشرب، المرتد إلى ثلاثةِ أيام نفقتُه في بيت المال الخليفة ينفقُ عليه لأنّه في هذه الثّلاثة أيام ينتظِرُ لعلّه يرجع إلى الإسلام فإذا لم يرجع إلى الإسلام في هذه الثلاثةِ أيام الخليفةُ ليس له أن يتركَه حيا بل فرض عليه أن يقتلَه لأنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال : " من بدّلَ دينَه فاقتلوه " أي من انتقل من الإسلامِ إلى الكفرِ فاقتلوهُ ، أي أنه يجبُ على الخليفةِ الذي هو القائِمُ مقَامَ رسولِ الله في تنفيذِ أحكامِ دينِ الله فرضٌ عليه أن يقتُل من تركَ دينَ الإسلام إلى دينٍ ءاخر، أو خرجَ من الإسلامِ ولم ينتسِب إلى دين سواه خرجَ بسببِ سبّ اللهِ تعالى أو سبّ رسولِه أو سبّ عيسى أو سبّ موسَى أو سبّ ابراهيمَ أو سبِّ ءادمَ عليهُم السّلام فمنَ ارتدَ أي قطَع اسلامَه وانتقَل إلى دينٍ ءاخرَ أي انتسب إلى التّهوّدِ أو التّمجّس أو أي دينٍ من الأديان كالبوذيّة أو لم ينتسب إلى دين غير الإسلام لكنّه انقطَع اسلامه، كمن سبَّ اللهَ ولو باللفظ بلا قصدٍ بلا نيّة لكن أراد أن يقولَ هذا اللفظ الذي هو سب الله تعالى أراد ان يقولَه فقالَه خرجَ من دينِ الإسلام انقطع إسلامه نوى المعنى أو لم ينْوِ نحنُ لا نشْترط لكونه خارجاً من الإسلام أن يكونَ نوى معنى كلامِه الذي قالَه، نوى المعنى أو لم ينو من تكلم بكلمةٍ هي تنقيصٌ للّه تعالى فقد خرج من الاسلام فهو مرتد ليس من شرطِ المرتد أن ينتسبَ إلى دين من الأديانِ المعروفَةِ سوى الإسلام المرتدّ مرتدٌّ ان انتسبَ إلى دينٍ سوى الإسلام كاليهوديّة والمجوسيّة والبوذيّة أو لم ينتسب.

فمن وقع في الردة في أيّ نوع من أنواعها ليس له حق على ولده في الانفاق إن كان فقيراً كما كان له حقّ عليه في الانفاق قبل أن يقطَع الإسلام فبمجرد ما يقطَعُ الإسلام انقطعت عنه هذه الفريضَة، فريضَةُ الانفاقِ على الأبوين الفقيرين، الأبوان الفقيران نفقتُهُما على الولَد فرض إلا أن يكفُرا سقطت نفقتُهُما عن الولد وصَارت في بيتِ المَال من أجل أنّه لا يجوز قتلُ المرتدّ في الحال إلا بعد أن يطْلَبَ منه الرّجوع إلى الإسلام ثلاثَةَ أيّام كما فعل سيّدُنا عليّ رضيَ اللّه عنه في الذين عبدُوه وقالوا له أنتَ ربّنا وخالِقُنا ورازِقُنا مع عُظْمِ كفرِهِم هذا ما بادَرَهُم بالقتل أي قتلَهُم في الحال بل انذرَهم بأن يقتلَهم ان لم يرجعوا، ثم تركَهم ثم طلبَهُم في اليوم الثاني فلم يرجعوا فجدّد لهُمُ الإنذارَ بالقتل ثم تركهم ثم طلبهم في اليوم الثالث فلم يرجعوا فقال لهُم لأقتلّنكم بأخبثِ قِتْلَةٍ لأنّه ما قطَع أعناقَهُم بالسّيف بل شقّ أُخْدُوداً في الأرض ثم أضرَم فيها النّيران ثم رماهم فيها وهم أحياء لفظاعة كفرهم هذا، وكان ذلك جائزاً له وان أنكَر عليه بعضُ الصّحابة وهو عبدُ اللهِ بنُ عباس قال : لو كنتُ أنا لم أُحْرِقْهُم بل لقتلتُهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يعَذِّبُ بالنّارِ إلا ربُّها " وسيدنا عليٌّ يعرِفُ هذا الحديثَ لكن هو فسره على أن الذي لا يجوزُ تعذيبُه بالنّار هو من لم يبلغ إلى مثلِ هذا النّوع من الكفر أما من بلغ إلى هذا النوعِ من الكفر فإنه يجوزُ تعذيبُه بالنار هذا فهمُ سيّدِنا علي اما عبدُ الله بنُ عباس فاستنكر ما فعلَ عليّ لأنه ما فهِم فهمَ عليٍّ ما فهمَ حديثَ رسول الله : " لا يعذّب بالنار إلا ربُّها " كما فهمَهُ عليٌّ اختلفَ فهمُ عليٍّ وفهمُ عبدِ اللهِ بنِ عباس. اهـ