العَينُ حَقٌّ فلَو كانَ شَىءٌ سَابَقَ القَدَرَ سبَقَتْهُ العَين

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه : الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلواتُ الله البرّ الرحيم والملائكةِ المقّربين على سيدنا محمدٍ أشرف المرسلين وعلى إخوانِه من الأنبياء والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين.
أمّا بعد فإن مما أثبتَهُ الشّرعُ الشريف مِنَ الأسباب العاديّة العَين، الرسولُ صلى الله عليه وسلم أثبَت أنّ العينَ تَضرُّ أي بقَضاء الله وقدَره، قال بعضُ العلماء إذا لم يتَكلّم العائنُ أي الشّخصُ الذي يُصيبُ بعَينِه، إذا لم يتكلّم بما يدُلّ على الإعجاب بالشّخص أو الشىء الذي أعجبَه، أعجبَ نفسَه، لا يحصُل الضرر، إنما يحصُل الضرر إذا تَكلّم الشّخصُ العائن.
فالعائنُ هو الشّخص الذي يُصيبُ بعَينِه أي يَضُرُّ بعَينِه بإذنِ الله ومشيئتِه، فالذي أنكَر الإصابةَ بالعَين هذا خالَف الشّريعةَ لأنّ الرسولَ عليه الصلاة والسلام أثبَت ذلك، وفي القرآن الكريم : ﴿وإنْ يَكادُ الذينَ كفَروا لَيُزلِقُونَكَ بأَبصَارهِم لمّا سمِعُوا الذّكْر﴾ المعنى الكُفّار يا محمد يكادونَ أن يُصيبُوكَ أي يَضُرّونك بأَعيُنِهم أي لكن الله يحفَظُك، مِن شِدّةِ غَيظِهم وحَسدِهم لو تُنَفّذَ لهم لأكَلُوه بأعيُنِهم، لأكَلُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأَعيُنِهم لكنّ اللهَ تعالى حفِظَه مِن أن يَنضرَّ بأعيُنِهم مَهما غَضبُوا منهُ مهما حسَدُوه. القرءانُ أَثبَت أنّ العينَ تؤثّر كذلكَ الرّسولُ صلى الله عليه وسلم قال: "العَينُ حَقٌّ فلَو كانَ شَىءٌ سَابَقَ القَدَرَ سبَقَتْهُ العَين" رواه البخاري ومسلم. لَو كانَ شَىءٌ يَغلِبُ قَدَر الله لغلَبَتْهُ العَين لكنْ لا شىءَ يَغلِبُ قدَرَ الله، معناهُ لا شَىءَ يؤذِي أو يَنفَعُ أو يَضُرّ إلا بمشيئةِ الله. بعضُ المتَفلسِفين اليومَ مِن العَصريّين يُنكِرُونَ إصابةَ العَين، هذا جهلٌ منهُم، هُم على زَعمِهم الأشياءُ محصورةٌ فيما يتَوصّلُون إليه بإحْسَاسِهم، بالحِسّ واللّمس. أمّا ما لا يُتوصَّلُ إليهِ بالحِسّ واللّمس هذا غَيرُ مَوجُود عندَهم، أغلَبُ الأوروبّيين لا يؤمنونَ بالعَين، حتى هؤلاء الدّكاترة الذين يَتخَرّجون مِن عِندِهم لا يؤمنون بالعَين. وكم مِن مَريض يُعْيِيْهِم عِلاجُه يكون سبَبُه العَين؟! لكنّهم لا يَعتَرفُون لأنّ أساتذتَهم الذينَ علَّمُوهم هذا الطّبّ لا يؤمنونَ بذلكَ فهُم اتّبَعوهم، صاروا لا يؤمنونَ، وهم في ذلكَ على غلَط فالصّحيح الذي هو موافِقٌ للواقِع ما جاءَ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عليه الصلاة والسلام: "العَينُ حقٌّ فإذا استُغسِلتُم فاغسِلُوا" رواه البخاري ومسلم. معنى "فإذا استُغسِلتُم فاغسِلُوا " المعنى إذا شَخصٌ انصابَ بعَين ووقَعَ عليهِ الضّرر فلْيَغتَسِل الذي أصابَه أطرافَهُ جِسمَه وجْهَهُ ويَدَيْه وركبَتَيه ونحو ذلكَ كهيئةِ الذي يتَوضّأ، ثم هذا الماءُ يؤخَذُ في إناء ثم يُصَبّ على المريضِ مِن خَلفِه، مِن جِهةِ خَلفِه يُصبُّ الماءُ ثمّ يُرمَى هذا الإناءُ مَقلُوبًا، رأسُه على الأرض وأسفَلُه إلى فَوق، فيَتعافى المصابُ بإذنِ الله.
علامةُ العَين أنّ الإنسانَ قَد يكونُ بحالةِ الصّحةِ لا يَشكُو شَيئًا فإذا به فَورًا إمّا يُصابُ بسُخونةٍ وإمّا أن يُصابَ بوجَع العَين وقَد يَعمَى مِنَ العَين، يَعمى كثيرٌ مِن الناس، هذا القَارىء المشهور الشيخ محمد رفعَت المصري، هذا الذي صَوته حُلو قيل إنّه في صِغره كان يمشي مع أبيه فأُعجِب رجلٌ بحُسن عَينَيْه قال هذا كأولاد الملُوك، فمِن هناك أُصيب حتى عمِيَ بَقِيَ أَعمى عُمرَه، وغيره وغيره خَلائق فقَدُوا أَبصَارَهم مِن إصابةِ العَين، وأناسٌ صارُوا مَفلُوجين مِن إصابة العين وأناسٌ ركِبَتْهُم السّخونةُ إلى غيرِ ذلكَ مِن أشكالٍ وألوانٍ مِن الأمراض وكُلُّها سبَبُها العين.
ثم سيّدُنا عليّ رضي الله عنه يَروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه كان الحسَن والحُسَين أُصِيبا بعَين وكانا مَريضَين فالرسول اكتَأب مما أصَابهما فجاءهُ جبريلُ فقالَ له يا محمّدُ إني أراكَ مُكتَئبًا فقال عليه الصلاة والسلام "إنّ الحَسَنَ والحُسَين مُصَابان" فقال عَوّذْهُما بهذا التّعويذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بم أُعَوّذُهما" فقال لهُ - أي جبريل - قل " اللهمّ ذا السُّلطان العظيم والمَنّ القَديم ذا الرّحمَةِ الكَريم وليَّ الكلِماتِ التامّاتِ والدَّعَواتِ المُستَجَاباتِ عَافِ حسَنًا وحُسَينًا مِن أَنفُسِ الجِنّ وأَعيُنِ الإنس" فرقَاهُما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بما عَلّمَه جبريلُ مِن هذا التّعويذ فقامَا يَلعَبان ما بهِمَا شَىء.
فعندما يقرأ الشّخص هذا الدّعاءَ بدَلا مِن أن يقولَ "عافِ حسَنًا وحُسَينًا" يقولُ إنْ كانَ هو مُصابًا بالعَين "عافِني مِن أَنفُس الجِنّ وأَعيُنِ الإنس"، وإن كانَ يُعَوّذُ بنَاتِه أو زوجتَه اللاتي أُصِبْنَ بالعين فيُعوّذهن هكذا، كذلك إذا أُصِيب أولادُه بالعين يُعوّذُهم بذلك. الرسولُ عليه الصلاة والسلام يَروي عنه سيدنا عليّ رضي الله عنه أنه قال : "عَوِّذُوا بهولاء الكلماتِ أنفُسَكُم ونِساءَكُم وأَولادَكُم" كثيرٌ مِن الأمراض التي لا يَهتدي إليها الأطباء ولا يتَعافى المرضى على أيديْهِم هي سبَبُها العَين، هؤلاء لا يؤمنون، لا يؤمنُون بها. لا يَعرفون أن التّعويذ الذي يُزيل بإذنِ الله ضَرَر العين.
فالتّعويذُ الذي علّمَه جبريلُ عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهِ ثواب، فإذا شَخص حصَّنَ نفسَه بهذا الدّعاء قبلَ أن يُصَاب بالعَين يَنفَعُه. ومعنى "المنّ القَديم" الإحسان القَديم، إحسانُ الله تعالى قَديم أزليّ، الله تعالى محسِنٌ أزلاً وأبدًا. ولو لم يكن في الأزل مخلُوقٌ يُصيبُه أثَرُ الإحسان، لكن إحسانَ الله صفته أزلية قديمةٌ أبديّة، هذا معنى "والمنّ القديم". المنُّ النّعمةُ، النعمة يُقالُ لها مَنٌّ والإحسانُ يقالُ لهُ مَنٌّ.
"ذا الرحمةِ الكريم" أي يا ربّنَا الموصوف بالرحمة الذي هوَ كريم، "وليَّ الكلماتِ التّامّات" الكلماتُ التّامّاتُ هيَ كلماتُ القرءان، أَلفاظُ القرءان والأذكارُ التي يُمجَّدُ الله بها ويُقدَّس، الكلماتُ التّامّاتُ هيَ الكلماتُ التي ما فيها نَقص. "والدّعَواتُ المستَجابات" هذا تفسيرُه ظاهِر. "مِن أنفُس الجِنّ" معناهُ الضّررُ الذي يُصيبُ الإنسانَ بسَبب الجنِّ، "وأعين الإنس" أي والضّرر الذي يَلحقُ بسَبب أعينِ الإنس.
فالذي لا يُصدّق بوجودِ الإصابةِ بالعين فهو فاسق لا نكفّره إلا أن يكونَ إنكارُه على وجْه العِناد، إذا أرادَ أن يُعانِد الدّين فأنكرَ فهذا كُفر. الذي يُنكِر وجودَ الجِنّ فهو كافرٌ، القرءانُ الكريم أثبَت وجودَ الجِنّ بالعبارةِ الصّريحة.
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا، واهدنا سبل السلام ونَجنا من الظلمات إلى النور، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.