مَن رءاني في المَنام فسَيراني في اليَقظَة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه : الحمدُ للهِ ربّ العالمين وصلى الله وسلم على سيّد المرسلين وإمامِ المتّقين وخاتم النبيّين سيدِنا محمد وعلى ءالِه الطّيبين الطّاهرين.
أمّا بعدُ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن رءاني في المَنام فسَيراني في اليَقظَة" رواه البخاري. مِنَ المهم مَعرفةُ صِفاتِ الرّسولِ الخِلقيّة التي تُذكَر في كتُب الحديث حتى يَكونَ الشّخصُ رءاهُ على حسَبِ خِلقَتِه التي خُلِقَ علَيها فإنّهُ إن لم يعرف صفاتِ الرّسول الخِلقِيّةَ المذكورةَ في كتُبِ الحديث قَد يكونُ رءاه في المنام على غَيرِ صُورتِه الخِلقيّة، وفَرقٌ بينَ الذي يَراهُ على صُورتِه الخِلقيّة وبينَ مَن يَراهُ على غَيرِ تلكَ الصّورة.
وأمّا صِفاتُه الخِلقيّة مِن جملةِ مَا ذكَره المحدّثونَ في كتُبِ الحديثِ أنّهُ صلى الله عليه وسلم أَبيَضُ مُشرقٌ بَياضُه مُشْرَبٌ بحُمْرةٍ وهو مُعتدِل الخِلقَةِ رَبْعةٌ لكنّه إلى الطّول، كانَ مُتمَاسِك البدَن لم يكن هَزيلا ولا سمينًا، أشَمَّ الأنف أي أَنفُه طَويلٌ ليسَ قَصيرًا، أزَجَّ الحاجِبَين مِن غَيرِ قَرَن، حاجِباه مُتقَاربَان ليسَا مُلتَصِقَين لكن ليسَا مُتبَاعِدَين، واسعَ العَينين، أما شَعرُه صلى الله عليه وسلم كانَ بعضَ الأوقات شعَرُه إلى أُذُنَيه وأحيانًا إلى أسفلَ منَ الأذُنَين وأحيانًا يَضربُ مَنكِبَيه. ولم يحلِق بالموسى إلا للحَجّ والعمرة، فإنّهُ في الحجّ إمّا الحلق بالموسى وإمّا التّقصير للرّجال أما للنّساء التقصير فقَط، لغَير ذلك ما حلَق بالموسى قطّ. ولم يشِبْ مِن شعَره إلى نحوُ عِشرينَ شَعرةً، كانَ شَديدَ سَوادِ الشّعَر، بعضُ الصّحابةِ قال لم أرَ مِثْلَهُ قَبْلَه ولا بَعْدَه، أي في الحُسْن والجَمَال، وإذا تكلَّم كانَ كَلامُه فَصْلا بحيثُ لو أرادَ شَخصٌ أن يَعُدَّ كلِماتِه عَدًّا لعَدَّها،لم يَكُن مُسرعًا في الكلام بل كانَ كَلامُه فَصْلا.
فمَن رءاهُ بهذه الهيأة في المنَام فقَد رءاهُ على الوجهِ الأتمّ ومَن رءاهُ على غيرِ هذِه الصّورةِ فقَد رءاه، فقَد يَراهُ بَعضُ النّاسِ طِفلا وبعضُ النّاسِ شَابًّا وبعضُ النّاسِ على هَيئةِ العُمر الذي توَفّاهُ الله تعالى علَيه، عاشَ ثَلاثًا وسِتّين سنةً. عيسى عليه السلام عاشَ في الأرض مائةً وعِشرينَ سَنةً وعلى قولِ بعضِ العُلَماء ثلاثًا وثَلاثين سنة - أي قبلَ رَفْعِه إلى السّماء - أمّا مَن يقولُ رأَيتُه صلى الله عليه وسلم يقَظةً بعدَ مَوتِه صلى الله عليه وسلم فإنْ ذكَر هذه الأوصافَ المذكورةَ في كتُبِ الحديث يُصَدَّقُ لكن إنْ قالَ إنّهُ كلَّمَني بشَىءٍ يخَالِفُ الشّرعَ نقُولُ كذَّابٌ أنَتَ كَذّاب، الرّسولُ لا يقولُ شيئًا بعدَ مَوتِه يُخالِفُ شَريعتَهُ التي قَرّرَها في حَياتِه، لا يقولُ مَا يُخالفُ شَريعتَهُ. هو هذا الإنسان دَجّال،كذلكَ إنْ قالَ رأَيتُه بصِفةٍ غيرِ الصّفةِ التي هوَ كانَ علَيها مِن حَيثُ خِلْقتُه الجِسميّةُ يقظَةً فهو كذّاب، في اليقَظةِ الرّسولُ صُورتُه تلكَ الصّورةُ التي عاشَ علَيها لا يتَغيرُ ليسَ كالملائكة. الملائكةُ يتَصوَّرُون بصُورٍ عدِيدةٍ يتَصوّرونَ بصُورةِ طَيرٍ، ويتَصوَّرُونَ بصُورةِ إنسَانٍ كبَعضِ النّاسِ الذينَ يَعيشُونَ معَ البشَر.
كانَ رجُلٌ في بيروتَ قَبلَ نحوِ سَبعِ سِنينَ بل أكثرَ جاءَ إلينا يريدُ أن يتَعلّم الرُّقَى، قلتُ له تعَلّم عِلمَ العقيدةِ ثم تتَعلَّمُ الرُّقَى فتَردَّدَ إلَينا أيّامًا قَلائلَ ثم غابَ وانقطَع عَنّا، ثم بلَغَني أنّهُ يقولُ أنا رأيتُ الرّسولَ يقَظةً، طَلَبتُه قلتُ لهُ صِفْ لي كيفَ شَعَرُ الرّسولِ قالَ أَبيَض، اللهُ أَظْهَر كذِبَه في أوّلِ كلِمَة.
يوجَدُ أُناسٌ دجّالُونَ يدّعُونَ أنهم اجتَمَعُوا بالرّسولِ يقَظةً لغَرضٍ دُنيَويّ حتى يُعَظّمِهَمُ النّاسُ ويَنالُوا بعضَ ما يطمَعُونَ، لأجلِ هذا معرفةُ صِفاتِ الرسولِ الخِلقِيّة واجِبٌ.
كانَ رجلٌ مِن أهلِ بَعلبَك قال إنّهُ رأى الرسولَ مرّةً يقَظةً ثم مرّةً يقَظةً ثم مَرّةً يقَظةً ثم مرّةً رابعَةً قال رأيتُه يقَظةً فوضَعتُ لهُ سجّادةَ الصّلاة فاستَقبَل عَكسَ القِبلَة. الناسُ احتَارُوا في أَمرِه في بعلبَك أرسَلُوا إليّ استِفتاءً، قلتُ لهم: هذا الذي رءاهُ شَيطانٌ، مَن صَدَّق أنّهُ هوَ الرّسولُ فقَد كفَر، تبَيّن لهم الأمرُ فكَفُّوا عَنه.
هذا الرجُل بحَسَب الظّاهِر نَسَبُه رِفاعيّ، أوّلَ ما قيلَ لهُ هَذا غَيرُ صَحيحٍ جَادَل. ثم بَعضُ أَهلِه مِنَ الرّفاعيّة أَلحّ علَيهِ حتى تَشَهَّدَ، هَذا شَأنُ مَن لا يتَعلَّمُ عِلمَ الدّين. الذي لا يتَعلَّمُ عِلمَ الدّين لو اشتَغل بالعِبادةِ وانقَطع للعِبادة وصامَ الدّهرَ وقامَ اللّيلَ كُلَّه لا يُفلِح، مَن أرادَ اللهُ بهِ خَيرًا يُفَقّهْه في الدّين، أي يُعَلّمْهُ ما هيَ العقيدةُ التي جاءَ بها الرّسولُ، ومَا هوَ كَيفيّةُ العِباداتِ الصّلاةِ والصّيام، وما هوَ الحرام، وما هوَ الفَرضُ. يُعَلّمْه اللهُ هذا عَلامَةُ الخَير.
ثم إنْ تعَلّمَ وعَمِل كما تَعلّمَ يَصيُر مِنَ الذينَ لا خَوفٌ علَيهِم ولا هُم يحزَنُون في القَبر وفي الآخِرة، مِن وقتِ الاحتِضار إلى ما لا نهايةَ لهُ فهو في أَمانٍ في القَبر وفي الآخِرة. أمّا إذا تَعلَّم ولم يَعمَلْ بما تَعلَّم فإنْ ماتَ على التّوبةِ يكونُ ما مَضى مِن ذنُوبِه كأنْ لم يكنْ، أمّا إنْ ماتَ ولم يَتُب، ماتَ على الإيمان لكنّهُ ما تابَ مِنَ الكبائِر التي وقَع فيها إمّا أضَاعَ فَرائضَ وإمّا ارتَكَبَ الكبائرَ فأَمرُه إلى الله إنْ شاءَ يَغفِرُ لهُ وإن شاءَ يُعذّبُه، إلا أنّ بعضَ الناس اللهُ يَبتليْهِم بالمرض، المرضِ الشّديد فيُطهّرُهم مِن كلّ ذَنب حتى لا يَبقى علَيهم ذَنبٌ واحِد، هذا إذَا لم يتَسَخّط على اللهِ بل صَبر، الرسولُ عليه السلام قال "إنّ اللهَ لَيَبْتَلِي المؤمنَ بالسُّقْمِ فيَغفِرُ لهُ ذُنُوبَه حتى لا يَبقَى علَيهِ ذَنبٌ" رواه الحاكم والطبراني، فإنْ ماتَ على إثْر هَذا المرض يكونُ ليسَ عليهِ شَىءٌ في القَبر ولا في الآخِرة.
لكنّ المرضَى الذينَ أَمراضُهم شَديدةٌ صَعبةٌ قِسمٌ مِنهُم لا يَصبِرُونَ بل يَقلَقُونَ وقَد يتَكلَّمُون بالكفرِ يَعتَرضُونَ على الله فيُدرِكهُم الموت وهُم في هذِه الحال هؤلاءِ صَاروا مِن أهلِ جهَنّم المخلَّدينَ فيها، المصائبُ للمؤمن الذي هو عقيدتُه عقيدةُ أهلِ السُّنّة إذا لم يَضْجَر فيتَسَخّطْ على اللهِ يُرجَى لهُ خَيرٌ كَبِير.
بعضُ الناس يتَظاهرونَ بمظهرِ أهلِ العِلم والوِلاية والطّريقة فيُحَسّن الناسُ بهمُ الظّنّ ثم يَظهرُ منهُم كذِبٌ على الرسول، أعرفُ رجُلا كانَ يَلبَسُ زِيّ أهلِ العِلم هنا في بيروتَ ذهَب إلى رجُلٍ تقيّ رقيقِ القَلب قالَ له رأيتُ الرسولَ في المنام فقال "زَوّجْهُ بِنتَك" يعني نفسَه، قالَ أمَرَكَ أنْ تُزَوّجَني بِنتَك فصَدّقَهُ فزَوّجَه بِنتَهُ.
وءاخَرُ دجّالٌ أكبر من هذا كان بالشام، ذهب إلى حلب إلى رجل قال له الرسولُ يأمرُك بأن تزوّجني بنتَك وله بنتٌ عمُرها خمسَ عشْرة سنة قال لها: هذا الشيخ يقول "الرسول يأمركَ بأن أزوجَه إياكِ"، فقالت أنا لا أُخالف أوامرَ الرسول فصدّقت ثم أخذها. بعد سنة قال جاء الإذن بطلاقها، هذا زنديق دجال. أهل الشام كانوا يظنون به أنه ولي لأنه يقول أنا شيخ الطريقة النقشبندية ومظهره يوهم الناس أنه شيخ عظيم، مَن عرفَه علِم أنه دجّال.
مرّة ذهبت إليه أولَ ما جئت من دمشق قيل لي هذا رجل صالح ذهبت إليه هو لا يعرفُ اللغةَ العربية له مريدٌ يَعرف النّحو هو يُعبّر عنهُ هو داغستانيّ. مرّة فيما رَوى لي هذا تلميذه فيما ترجم تلميذه أن الشيخ محي الدين بن عربي حبسه ملِك في الغرب في سجن تحيط به سبعة أبواب ووكّلَ لخدمتِه جاريةً عمُرها ثمانِ عشْرة سنةً أو ستّ عشرةَ سنةً، ثم جاءه رُوحانيّة الرسول فقال له انتهت مدّتك في الحبس ففكَّر ماذا يترتَّب عليه منَ الحقوق؟ فنظَر إلى اللّوح المحفوظ فوجَد أن هذه الجاريةَ زوجتُه فجامعَها. فقلت له: الشيخ محي الدين بنُ عربي مقامُه يجِلّ عن هذا. ثم سكَت قليلا ثم قالَ: هؤلاء يكتَفُون بنكاح العرش. قلتُ له لا يليقُ به إلا نكاحٌ شَرعي، ثم سكَت ففَكّر ثم قال: هؤلاء يُنشِدون إلا مِن أهلِ الدّيوان. هذا الرجل والعياذ بالله زنديق زِنديق زنديق كافر، يقول إنّه شيخ الطريقة النّقشبَندية. باسْم هذه الطريقة أَضلَّ أُناسًا صدّقوه، ثم ظهَر بعدَ موته عندَه سبعون ألف جُنَيه استرليني وعُمُلاتٌ أُخرى، كان دجالا في المظهر شيخٌ لهُ هيئةُ المشايخ.
وهذا الذي كان ببيروت ذهب إلى الشام قال لرجل اسمه الشيخ شريف من الطيبين منَ الأتقياء، هذا قال لي مرّة أنا عِلمي لا يقبل الخطأ، العلماء عِلمُهم يَقبلُ الخطأ أما أنا عِلمي لا يقبل الخطأ لأني ءاخذ من الرسول. هو دجّالٌ ليس له عبادة كبيرة، إنا لله وإنا إليه راجعون. ما أكثرَ هؤلاء، وءاخَرُ الآنَ حَيّ في الأردن قال لرَجُل مِن مُريدِيه قال له رأيتُ الرسول أَمرني أن تُطلّق زوجتك وأن أتزوجها، صدّقَه مريدُه فطلّقها ثم أخذَها هو، له أتباعٌ في الأردن يعتقدونَه وليّا مغرُورون مع أنه ظَهرت منه كلماتٌ كُفرية حتى إنه ادّعَى أنّه مَظْهَرُ الله ولهُ مُريدون، وذهبَ إلى الحجاز فقال لرجلٍ مِن أغنياء المدينة الرسولُ يأمرُك بأن تُعطِيَني ثلاثين ألفَ دولار ذاك الرجل ما صدّقَه ما أعطاه، هذا الذي في الأردن.
وءاخَرُ جاءَ إلى بلدةٍ مِن ناحيةٍ في بلادِنا يقولُ أنا شيخُ الطّريقةِ الشّاذليّةِ، جاءَ مِنَ اليَمَن نزَلَ عندَ رجُلٍ أَصْلُه مِن اليمَن يَعيشُ في بلادِنا في تلكَ القَرية.
هَذا الرّجل حسَّن بهِ الظّن فزوَّجَه أُختَه، أُختُه لا تَعرفُ اللّغةَ العربيةَ أَخذَها ذهَب بها إلى بلَدِه فبَاعَها مِن رجُلٍ بمبلَغ كبِير ثم أخُوها انقَطَع عنهُ خَبرُها فبَحثَ بحثًا شَديدًا حتى بلَغَهُ أنّ أُختَه بِيْعَت. هيَ لا تُعَبّر عن نَفسِها باللّغة العربية، ثم أخُوها ذهَب ليُخَلّصَها مِنَ الذي اشتَراها تَعِبَ تَعَبًا شَديدًا أظَنُّ خَلّصَها.
هذا يقولُ أنا شيخُ الطّريقةِ الشّاذليّةِ، وذاكَ الذي كانَ بالشّام يقولُ شيخُ النّقشبندية، أكثرُ الذينَ يدّعُونَ أنهم مَشَايخُ الطّريقةِ كَذّابُون أغلَبُهم.
حُبُّ المال يؤدّي إلى فِتن كبيرة هؤلاء لحبّ البَطن، لحبّ بطُونهم ارتَكبوا هذا الذّنب ليسَ عن فَقر، جِمّة هذه تَبعُد مِن بلَدِنا ألفًا وخمسَمِائة كيلومترٍ، قريبةٌ مِنَ السّودان.
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى ءاله وعلى جميع إخوانه الأنبياء.