أكثر معاصي الإنسان من اللسان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله واصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عنهم رُوِينا في جامع الترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: ما النجاة يا رسول الله قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك هذا الحديث الصحيح رواه الترمذي وصححه وفيه فوائد جسيمة،
الأول فيه الحث على حفظ اللسان.
فإن أكثر معاصي الإنسان منه أي من اللسان حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك إن أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه ولا سيما عند الغضب والخصومة مع الناس فإن الغضب يدعو صاحبه إلى إنكار الحقائق وجحد الحق ولا يخفى مفاسد الغضب التي لا يحصيها إلا الله، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم إنك لا تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كُتب عليك أو لك. هكذا الحقيقة قلة الكلام هو الذي يُمدح عليه الإنسان ليس كثرة الكلام يُمدح عليه الإنسان وإن كان كثير من الجاهلين يعيبون قلة الكلام إذا رأوا انساناً قليل الكلام فإما أن يحملوه على الغباوة يقولون هذا غبي لو كان ذكياً لو كان فهيمًا كان تكلم كان أكثر من الكلام لكن أهل الفهم أهل الحكمة ينظرون إلى قِلة الكلام فمن وجدوه قليل الكلام كان عندهم محل حُسن ظن.
والجملة التالية المذكورة في حديث عُقبة بن عامر وليسعك بيتُك ومعناه أن يقنع الإنسان بما رزقه الله ولا يلتفت إلى ما في يد غيره فإن الذي يقنعُ بما رزقه الله جدير بأن يكون شاكراً لله فلذلك ينبغي أن لا ينظر الإنسان إلى من هو فوقه في الرزق والمال بل ينبغي ان ينظر إلى من هو دونه حتى يُبعد نفسه من الطمع ومن أن يحسد الناس على ما أعطاهم الله وذلك أقرب إلى الزهد أيضًا، والزهد حال الأنبياء والأولياء وقد كان رسول الله يأتدمُ أحياناً أي يجعل إدامه الذي يأكل به الخبز الخل وحده أي كان لا يأكل إداماً غير الخل إذا لم يوجد في البيت إداماً غيره يكتفي بالخل وحده يأكل الخبز بالخل من غير أن يكون هناك دسم لا لحم ولا غيره
وقد رُوينا في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لأهله هل عندكم من إدام أي شىء يؤكل به الخبز فقيل له عندنا خل فقال نِعم الإدام الخل نِعم الإدام الخل نعم الإدام الخل، ثلاث مرات ما استقله ما استقل الخل ولا احتقره بل رضي به إداماً أكَل الخبز بالخل وحده ليس معه شىء غيره. ولو كان الفضل بالتنعم لطلب من ربه أن يُعطيه الله ما يتنعم به ويتوسع به من الملذات فقد عرض الله عليه أن يجعل له بطحاء مكة ذهباً فأبى قال لا بل أشبع يوماً وأجوع يوماً، بل أشبع يوماً وأجوع يوماً، لو كان الفضل في التنعم في ملذات الدنيا والتوسع في ذلك كان رسول الله أغنى أهل عصره كان طلب من الله بطحاء مكة ذهبًا فكان أغنى أهل عصره لكنه علم أن الفضل ليس بالتنعم.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله واصحابه الطيبين الطاهرين ورضي الله عنهم. اهـ