من أرادَ بُحْبُوْحَةَ الجنّةِ فَلْيَلْزمِ الجماعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل، وله الثّناء الحسن صَلواتُ اللهِ البرِّ الرَّحيم والملائكةِ المقرَّبين على نبِينا محمدٍ أشرف المرسلين، وعلى ءاله الطّيبين الطّاهرين، أمّا بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: " من أرادَ بُحْبُوْحَةَ الجنّةِ فَلْيَلْزمِ الجماعة" المعنى الذي يريد أن يدخل الجنة وينجو من عذاب الله فَلْيلزم جمهورَ الأمّةِ أي عقيدتَهُم، عقيدةَ جمهورِ الأمّة، السوادِ الأعظم. لأنّ الله تعالى أكرم سيّدنا محمداً بأن حفِظ أمّته عن أن يضِلَّ جُمهورُهم أي أن يخرجوا من الإسلام. الله تعالى وَعدَ نبِيَّنا محمداً أن يحفَظ عقيدةَ الاسلام على جمهورِ أمَّتِهِ أي معظَمِهِم، معنى ذلك أنَّ بعضَهم قد يكفُروا، بعضُ الأمّة قد يكفرون أما الجمهور فلا يكفرون، يَبْقَوْن على الاعتقاد الذي هو علَّم الصَّحابةَ ثم الصحابةُ علموهُ غيرَهم والذين علّموهم علَّموا من لم يرَ الصحابة وهكذا إلى عصرِنا هذا، إلى وقتنا هذا على هذه الحال بقيت الأمَّة ولا يزالون فيما بعد على هذا، عقيدةُ الاسلام محفوظة للجمهور أي للمُعْظم، أما الشّراذِمُ التي تخالف الجمهورَ فهذه هالِكَةٌ. أصحابُ رسولِ الله كانوا على عقيدةٍ واحدةٍ وهي أنّ الله موجود بلا مكان بلا جهة من غير أن يتحيزّ في جهةٍ من الجهات، ومن غير أن يكون حالاًّ في جميع الجهات، هو موجودٌ بلا جهة وبلا مكان كان في الأزل موجودًا ليس لوجوده بداية، كان الله موجوداً قبلَ المكان والزمان. المكانُ مخلوقٌ لم يكن ثم أوجدَه الله والزمانُ كذلك، فالذي يكون قبل الزّمان والمكان موجوداً بلا ابتداء لا يتغيرَّ، لا يتطور، لا يتحول من حالٍ إلى حال أما المخلوق يتحول من حال إلى حال حتّى النور والظلام يتحول من حال إلى حال، الآن أرضٌ من الدُّنيا عليها ظلام كهذه الأرض وقسم من الدّنيا عليه نور تقلَّص عنه الظلام فتسلَّط عليهِ الضّوء، وهكذا الضوء يتنقّل والظلامُ يتنقّل. وكلٌ له كميّة عند الله تعالى، النور له مِساحة يتَسلَّطُ عليها والظلام كذلك وكلٌ منهما يتحول من حالٍ إلى حال، والشمسُ كما تعلَمون عند الغروب يكونُ لَونُها حمراء وعند طلوعها كذلك حمراء، وفي غيرِ ذلك بيضاء.
فخالق العالم لا يتغير، لأنه لو كان يتغير لكان مثلَها، مخلوقاً مثلَها يحتَاج إلى من أوجده، أخرجه من العدم ثم ينقلُه من حال إلى حال، الله تعالى موجودٌ ليس كمثله شىء. الأشياءُ الكثيفة كالإنسان والحجر والشجر، والأشياءُ اللَّطيفةَ كالهواءِ والرّوح والملائكة.
الملائكةُ في أصل خِلْقَتِهِم جسْمٌ لطيف لطيف لطيف، يستطيعون أن يَدخلوا إلى صَدر الإنسان ولا يَحّسُّ بهم لذلك ملَكُ الرَّحِم بأمر الله تعالى يشتغل في رحم النساءِ. ملائكة موكّلون بأرحام النساء، هم يصوّرون الجنين بهذه التّخاطيط، على حسب ما يُلْهمُهُم الله تعالى يخططون جسدَ الإنسان في رحم الأمِّ، ثم يأتي الملك بالرّوح بعد تطوُّره من النُّطفة إلى العَلَقة، ومن العلقة إلى المُضْغة، في هذا الدَّوْر، دَوْرِ المُضْغَة يُنْفَخُ فيه الرّوح. عندما يكون كقِطعة لحم تُمْضَغ يَتحوّل المني إلى دمٍ جامدٍ كهيئة دم جامدٍ ثم هذا الدم الجامد يتحوّل إلى قِطعةِ لحم، الله تعالى يحوّله، يعنى بقَدْرِ ما الانسانُ يمضَغُ قِطْعَةَ اللحم ثم الله تعالى يكسُوه عَظْماً. أوّلَ ما يُخلق من عِظام الإنسانِ هو عظمٌ صغير في آخر الظهر، هذا أصلُ الإنسان عليه يُركَّبُ الإنسان في الدنيا ويومَ القيامة عندما يُعيدُ الله الجسد الذي أكلَه التّراب يُنْبِتُ الجسد والعَظم على هذه القِطعة الصغيرة التي تكون قَدْرُ حبّةِ خَردلة. هذه تَبقى، لو أُحْرِقَ الإنسان في النّار هذه لا تَفْنَى، الله تعالى يحفظُها من الفَناء، أمّا ما سواها يَفْنى العظم واللَّحم والجِلد كلٌ يَفْنى، ملَكُ الرحم يَدْخُل في رَحمِ المرأة وهي لا تَشعر، ولا تُحِسُّ به، فالله تبارك وتعالى خلَق هذا الجِسمَ اللّطيف كجِسم الملائكة، والجسمَ الكثيف كجسم البشر والحجر والشجر فهو لا كهذا ولا كهذا. الله لا يشبه هذا ولا هذا لذلك موجودٌ بلا مكان. ولو كان عقلُ الإنسان لا يَتَصَوّر موجوداً بلا مكان يجب علينا أن نؤمن بأن الله موجودٌ بلا مكان.
ليس كلُّ موجودٍ يتصوًّرُهُ قلب الإنسان. في المخلوقات التي خلقها الله يوجد ما لا يستطيع الإنسانُ أن يتصوَّرَه وهو النُّورُ والظّلامُ لم يكونا في وقت، لم يكن نور ولا ظلام في وقت، وهذا لا يستطيع عقلُ الانسان أن يتصوَّرَه، النورُ تستطيع أن تتخيَّلَه بقلبك وحدَه والظلام كذلك تستطيع، وجود الظّلام تستطيع أن تتخيل أمّا وجودَ وقتٍ ليس فيه نورٌ ولا ظلام، لا تستطيع. فكيْفَ الله؟! كيف يُسْتطاعُ أن تَتصورَه وهو لا يشبه العالمَ اللّطيفَ ولا العالَم الكثيف، الذي يقول لا بُدّ من أن نتصوره كالمشبهة- المشبهة تصوّروه جِسماً فوقَ العرش بقدر العرش هؤلاء ليسوا مسلمين لأنهم جعلوه مثلَ خلقه، جعلوه موازياً للعرش الذي هو مخلوق. لم يكن العرش في الأزل، الله كان وَحْدَه لم يكن معه شىء، لا عرشٌ ولا سماء ولا أرض ولا جهةُ فوق ولا جهة تحت ولا جهة يمين ولا جهة يسار ولا جهةُ أمام ولا جهة خلفٍ ، كان موجوداً بدون هذه الأشياء، ثم خلق هذه الأشياء، ثم هو لم يتغيَّر عَمّا كان عليه، لم يتّخِذْ مكاناً، وهذا العرشُ خلقَه لإظهارِ قدرته لأنه يُوجد ملائكةٌ لا يعلمَ عددَهُم إلاّ الله محيطون بالعرش، يدورون حول العرش يسبّحون الله بحمده. هؤلاء عندما يرون هذا الجِرمَ الكبير الذي لا يَعلمُ حدَّهُ إلا الله يَزْدادون يَقيناً بكمال قُدْرة الله لهذا خلقَه ليس هو ليجلس عليه. الجلوس من صِفةِ الخلق الانسان يجلِس والكلبُ يَجْلِس والبَقَرُ يجلِس فالله تبارك وتعالى لا يجوز عليه أن يكون كشىء من خلقه هكذا يكون معرفةُ الله، ليس معرفةُ الله بأن يُعتقد أنه جسم فوق العرش بقدر العرش، لا يوجد شىء له حياة مستقرٌ فوق العرش، لا يوجد. يوجد كتابٌ كتَب الله فيه" إنَّ رَحمتي سبقَت غضبي"، هؤلاء المشبهة صاروا يقولون لكي يخْدعوا الناس ويجُرُّوهم إلى عقيدتهم يقولون فوق العرش لا مكان، الله تعالى هناك حيث لا مكان، فاحذروهم، قولوا لهم كذبتم يوجد فوق العرش مكان، الله تعالى وضع ذلك الكتاب فوق العرش، أما أنتم تتصوّرون جِسماً فوق العرش عظيماً واسِعاً مساحتُه بقَدر العرش وهذا وهمٌ لا وجودَ له، هكذا قولُوا لَهم فمن اعتقد أنّ اللهَ موجود بلا مكان بلا جهة من غير أن يكونَ حَجْماً لَطيفاً كالملائكة والنور ومن غير أن يكون حَجْماً كثيفاً كالإنسان وأنّه هو الذي يستحق أن يُعبَد فهذا عرف الله، ءامن بالله، يقال له مؤمن بالله فإذا اعتقد رسالةَ سيّدِنا محمد صلى الله عليه وسلَّم صار مؤمناً بالله ورسوله فهو مسلم فما دامَ على هذا الاعتقاد فهو مسلم. بارك الله فيكم، حفظكم الله، فقهكم الله في الدين، فقهكم الله في الدين، فقهكم الله في الدين.