العالم صنفان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الشيخ عبد الله الهرري رحمه الله وغفر له ولوالديه:
العالم صنفان ليس هناك صنف ثالث أجرام وأعراض، الأجرام معناه الشيء الذي له حجم إن كان حجمه كثيفا كالإنسان أو إن كان حجمه لطيفًا كالهواء والنّور والظلام. هذا أحد الصنفين، ما كان له حجم يقال له جوهر أصل الشيء في لغة العرب يقال له جوهر، جوهر الشيء أصله لأن الجرم الصغير الذي هو أقصى حد في الصغر والقلة إذا انضاف اليه شيء زيادة يصير جسما أحد القسمين من صنفي العالم هو الجرم، الجرم الكثيف أو الجرم اللطيف كلاهما جرم، النّور، هذا الضوء، الضوء الذي الآن لا نستطيع أن نمسكه هكذا بأيدينا جرم يأخذ من الفراغ مقدارا، نور الشمس يأخذ إلى حد ما من الفراغ وجرم الكهرباء يأخذ أقل من ذلك، والجرم هذه الحشرة التي في البراري بالليل تلمع هذه أيضا ضوؤها له حد جعله الله تعالى لها، والريح كذلك لها حد، الملائكة يزنونها وزنا فيرسلونها على حسب ما يأمرهم الله تعالى، الريح التي لإهلاك قوم وإفساد الزروع والمباني هذه يرسلونها على ميزان، والريح التي تحمل الماء إلى السحاب كذلك هم يرسلونها، الملائكة بمكيال وبوزن معلوم والمطر الذي ينزل هم بمكيال ينزلونه، عندهم معلوم عدد قطرات الأمطار الله تعالى أعطاهم العلم بذلك فالهواء له مكان حيز ينتهي إليه والنّور له حد ينتهي إليه وكذلك الروح التي فينا وفي البهائم وفي الملائكة وفي الجن لها مكان، مكانها هذا الجسم ثم إذا فارقتهم يكون لها في الفراغ مكان كما أن الريح والنّور والظلام يكون لهم مكان يحلّون به من الفراغ.
والقسم الثاني من صنفي العالم هو صفات الأجرام، الأجرام لها صفات، الإنسان من حيث اللون له صفات مختلفة أبيض أو أسود أو بين هذا وهذا ؛ ثم من صفات الإنسان الحركة والسكون مرة يتحرك ومرة يسكن كذلك النجوم أجرام لها صفات الحركة مستمرة على الدوام النجوم كلها تتحرك لكن منها ما لا يظهر حركتها إلا بتأمل ومضي وقت، لا يظهر للنّاظر؛ ومنها ما يتحرك بسرعة دائما هي متحركة حتى النجم الذي يقال له القطب الشمالي له حركة خفيفة لكن ليس إلى مسافة بعيدة كغيره، بل في مسافة قصيرة في الفراغ لها حركة لهذا النجم حركة.
وأمّا السموات السبع صفاتها السكون دائما هي ساكنة منذ خلقها الله تعالى لا تفارق مركزها. ثم هذه الأرض لها صفات أحيانا تكون حارة الملمس، ثم هي أيضا تختلف بعض الأراضي لونها السواد وبعض الأراضي لونها الحمرة وبعض الأراضي لونها الأخضر وبعض الأراضي لونها الزرقة إلى غير ذلك من الصفات، ولذلك الله تعالى جعل بني ءادم على أشكال وألوان من حيث اللون ومن حيث الخلق، بعض البشر يغلب عليهم الغلظة والجفاء، وبعض النّاس الله تعالى يجعل لهم التمازج في الخلق إلى غير ذلك.
الله تبارك وتعالى ليس كهذه الأجرام الكثيفة كالإنسان والحجر والشجر والشمس والقمر ولا كالأجرام اللطيفة كالضوء والظلام والريح والروح ليس كهذا ولا كهذا لأنه هو خلق هذه الأشياء ما كانت موجودة، الزمان ما كان موجودا والمكان والعرش والسموات وأرضنا هذه وما تحتها ما كان شيء من العالم موجودا إنما الله تعالى الذي لا ابتداء لوجوده خلق هذا العالم كله وخلق صفات العالم.
فالله الذي خلق هذه الاشياء بعد أن كانت معدومة لا يكون شبيها لها في وجه من الوجوه، فمن شبهه بخلقه بوجه من الوجوه فقد كفر كما قال الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي مضى عليه ألف ومائة سنة مما هو معتقده ومعتقد من هو قبله من كان في زمانه ومن قبله في الصحابة، قال : " ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر" معناه من وصف الله بصفة من صفات البشر كالحركة والسكون واللون والتحول من حال إلى حال والتطور فقد كفر، لماذا؟ لأنه جعله مثل خلقه فكذب قول الله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾ جعله مثل خلقه جعل له أمثالا، الذي يعتقد أن الله له جرم صغير أو كبير كالعرش أو أكبر من العرش جعل له أمثالا والذي يعتقد أن الله يتحرك أو يسكن جعل له أمثالا والذي يعتقد أنه يتطور من حال إلى حال كذلك جعل له أمثالا، جعل له أمثالا في خلقه وهو تبارك وتعالى قال: ﴿ليس كمثله شىء﴾ معناه أنا لا أشبه شيئا، كلمة شيء تشمل النّور والظلام والريح والروح والإنسان والحجر والشجر والشمس والقمر والعرش، كلّ هذا شىء،كل ما أوجده الله يقال له "شىء" في اللغة في لغة القرءان التي نزل بها القرءان كل ما هو موجود اسمه شىء لكن الشىء إما قديم وإما حادث، الله تعالى يقال له شىء أي موجود قديم أزلي لا ابتداء لوجوده أمّا العالم يقال له شىء حادث، الله يسمى شيئا والعالم يسمى شيئا لكن الفرق أنّ الله موجود لا ابتداء له أمّا العالم كله كان غير موجود ثم صار موجودا، يقال له أيضا شىء فلما قال الله تعالى في القرءان الكريم ﴿ليس كمثله شىء﴾ علمنا أنه نفى عن نفسه مشابهة أي شىء، مشابهة الانسان مشابهة الشمس ومشابهة النّور ومشابهة الظلام ومشابهة الريح الهواء الى غير ذلك من أصناف المخلوقات. كذلك نزّه نفسه عن صفات المخلوقات الحركة والسكون إلى غير ذلك من صفات العالم، فلا يكون المرء مؤمنا بهذه الآية ما دام يعتقد في الله أنه جسم صغير أو جسم كبير كالعرش أو أوسع من العرش، لا يكون مؤمنا بهذه الآية . هذا مذهب أهل السنة وهم مئات الملايين. اهـ