مختارات من إملاءاته
النُّبُوَّةُ
بسم الله الرحمن الرحيم
اشْتِقَاقُهَا مِنَ النَّبَإِ أَيِ الْخَبَرِ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ إِخْبَارٌ عَنِ اللَّهِ أَوْ مِنَ النَّبْوَةِ وَهِيَ الرِّفْعَةُ، فَالنَّبِيُّ عَلَى الأَوَّلِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ، أَوْ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مُخْبَرٌ عَنِ اللَّهِ أَيْ يُخْبِرُهُ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ، فَالنُّبُوَّةُ جَائِزَةٌ عَقْلًا لَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً.
الشَّرْحُ النَّبَأُ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ، أَمَّا النَّبْوَةُ مَعْنَاهَا الِارْتِفَاعُ، فَلَفْظُ النَّبِيِّ إِمَّا مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبَإِ أَيِ الْخَبَرِ أَيِ الإِخْبَارِ أَوْ مِنَ النَّبْوَةِ أَيِ الِارْتِفَاعِ وَكِلاهُمَا صَحِيحٌ، إِنْ قُلْنَا مِنَ النَّبَإِ أَيِ الإِخْبَارِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ يُخْبِرُونَ عَنِ اللَّهِ، وَإِنْ قُلْنَا النَّبِيُّ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّبْوَةِ أَيِ الِارْتِفَاعِ فَمَعْنَاهُ الأَنْبِيَاءُ دَرَجَاتُهُمْ مُرْتَفِعَةٌ عَالِيَةٌ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ الأَنْبِيَاءَ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ إِذْ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْهُمْ لِأَنَّ الْعَقْلَ لا يَسْتَقِلُّ بِمَعْرِفَةِ الأَشْيَاءِ الْمُنْجِيَةِ فِي الآخِرَةِ.
الشَّرْحُ الْعَقْلُ وَحْدَهُ لا يَكْفِي لِلنَّجَاةِ لِذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ بِعْثَةُ الأَنْبِيَاءِ، الأَنْبِيَاءُ هُمُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَا يُنْجِي فِي الآخِرَةِ وَمَا يُهْلِكُ فِي الآخِرَةِ. الْكُفَّارُ فِيهِمْ عَقْلٌ طَبِيعِيٌّ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْكُرُوا الْمُنْعِمَ وَهُوَ اللَّهُ فَإِنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ لا يَكُونُ إِلَّا بِالإِيـمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيَتْبَعَهُ النَّاسُ. الْكَافِرُ مَهْمَا أَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ وَأَعَانَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَلْهُوفِينَ لا يَكُونُ شَاكِرًا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ، وَالشُّكْرُ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَرَضِيَهُ لَهُمْ لَيْسَ قَوْلَ "الشُّكْرُ لِلَّهِ" ٍوَلِذَلِكَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الشُّكْرُ لِلَّهِ لَيْسَتْ مِنَ الأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ الْوَاجِبَةِ إِنَّمَا هِيَ مِنْ كَلِمَاتِ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ عَاشَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ وَلَمْ يَقُلْ فِي عُمُرِهِ الشُّكْرُ لِلَّهِ فَهُوَ شَاكِرٌ إِنِ اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى. أَمَّا الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ وَارِدٌ فِي الْقُرْءَانِ يُقَالُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ الَّتِي قِرَاءَتُهَا وَاجِبَةٌ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَفِي بِعْثَةِ الأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِحَاجَتِهِمْ لِذَلِكَ، فَاللَّهُ مُتَفَضِّلٌ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ فَهِيَ سَفَارَةٌ بَيْنَ الْحَقِّ تَعَالَى وَبَيْنَ الْخَلْقِ.
الشَّرْحُ بِعْثَةُ الأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلْعِبَادِ، اللَّهُ تَعَالَى تَكَرَّمَ عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ هَذَا فَضْلٌ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ النُّبُوَّةَ خَاصَّةٌ بِالذُّكُورِ مِنَ الْبَشَرِ فَلا نَبِيَّةَ فِي النِّسَاءِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم﴾ [سُورَةَ النَّحْل/43] فَهَذِهِ الآيَةُ فِيهَا دَلِيلُ اخْتِصَاصِ الرِّسَالَةِ بِالذُّكُورِ وَهُمْ مِنَ الإِنْسِ فَقَطْ.
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَى الأَنْبِيَاءِ فِي أَكْثَرِ الأَوْقَاتِ وَفِي بَعْضِ الأَحْيَانِ قَدْ يَنْزِلُ غَيْرُهُ، وَالْوَحْيُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ أَوْ بِسَمَاعِ كَلامِ اللَّهِ الأَزَلِيِّ أَوْ بِالإِفَاضَةِ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ.