خطب الجمعة المجموعة الثانية
 وصية أم لابنتها عند زفافها

وصية أم لابنتها عند زفافها

خطب الجمعة المجموعة الثانية

إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه صلّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإنّي أوصيكُمْ ونفسي بتَقْوى اللهِ العليّ العظيمِ. يقولُ اللهُ في مُحْكَمِ التَنْزيل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *﴾ [سورة النساء].
ويَقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ المرْأَةُ لأَرْبَع: لِمَالِها ولِجَمالِهَا ولِحَسَبِها ولدينها، فاظْفَرْ بِذاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَداكَ» . فَقَدْ حَثَّ نبيُّنا الأعْظَمُ صلى الله عليه وسلم أنْ يتَزَوَّجَ الواحِدُ مِنَّا ذاتَ الدّينِ التي تَخَافُ اللهَ تعالى وتُعامِلُ زَوْجَهَا بالإحْسانِ إليْهِ وطاعَتِهِ فيما يُرْضِي اللهَ. قالَ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ: «أوْلى النَّاسِ بالمرأَةِ زَوْجُها» . وقالَ: «أحقُّ النَّاسِ بالمرْأَةِ زَوْجُها» .
والمرأَةُ الصَّالِحَةُ مِنْ خَيْرِ مَتاعِ الدُّنْيا كمَا قالَ صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيا مَتاعٌ، وخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيا المرْأَةُ الصَّالِحَةُ» .
في هذِهِ الأحاديثِ بيانُ عظيمِ حقّ الزوجِ على الزوجةِ. لذلِكَ حَرَّمَ اللهُ عليها أنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ بلا إِذْنِهِ لِغَيْرِ ضَرورَةٍ، وحرَّمَ عليْها أنْ تُدْخِلَ بَيْتَهُ منْ يَكْرَهُ سَواءٌ كانَ قريبًا لها أو لا، وحَرَّمَ عليها أيضًا أنْ تَمْنَعَهُ حَقَّهُ مِنَ الاسْتِمْتاعِ وما يَدعو إلى ذلك مِنَ التَّزَيُّنِ إلا في حالَةٍ لها فيها عذرٌ شرْعيٌّ، قالَ سَيّدُ الأنبياءِ صلّى اللهُ عليهِمْ أَجْمَعينَ: «إذا باتَتِ المرأةُ هاجِرَةً فِراشَ زوجِها لَعَنَتْها الملائِكَةُ حتّى تُصْبِحَ» . وقالَ: «كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ والأميرُ راعٍ والرَّجُلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ والمرأَةُ راعِيَةٌ على بَيْتِ زَوْجِها وَوَلَدِهِ فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» .
وإليكُمْ إخوةَ الإيمانِ عَشْرًا مِنْ وصايا أَوْصَتْ بها امْرَأَةٌ زَفَّتِ ابْنَتَها قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِها فقالتْ لها: كوني لهُ كالأَمَةِ يَكُنْ لَكِ كالعَبْدِ، واحْفَظِي عَشْرًا مِنَ الوصايا عَمِلْتُ أنا بِها فَسَعِدْتُ مَعَ أبيكِ.
أمّا الأولى: فاصْحَبيهِ بالقَنَاعَةِ.
والثانيةُ: عاشِريهِ بِحُسْنِ السَّمْعِ والطَّاعَةِ.
وأما الثَّالِثَةُ والرّابِعَةُ: فَتَفَقَّدي مَواضِعَ عَيْنَيْهِ وأَنْفِهِ، فلا تَقَعْ عَيْناهُ مِنْكِ على قَبيحٍ، ولا يَشَمَّنَّ مِنْكِ إلا أَطْيَبَ ريحٍ.
والخامسةُ والسادسةُ: فالْتَفِتِي إلى وَقْتِ طعامِهِ ومَنامِهِ فإنَّ الجوعَ مَلْهَبَةٌ وتَنَغُّصَ النَّوْمِ مَغْضَبَةٌ. (أي راعي زَوْجَكِ في أَمْرِ نَوْمِهِ وطَعامِهِ).
وأما السّابِعَةُ والثّامِنَةُ: فالاحْتِراسُ على مالِهِ والاهْتِمامُ بِحَشَمِهِ وعِيالِهِ، فإن مِلاكَ الأمْرِ في المالِ حُسْنُ التَّقديرِ، وفي العِيالِ حُسْنُ التَّدبيرِ. (أي حافظي لَهُ على مالِهِ وأوْلادِهِ).
وأما التّاسعَةُ والعاشِرَةُ: فإيّاكِ والفَرحَ بينَ يديْهِ إذا كانَ مُغْتَمًّا وإِيَّاكِ والاغْتِمامَ إذا كانَ فَرِحًا، واعْلَمِي أخيرًا أنَّكِ لنْ تَنالي مِنْهُ ما تُريدينَ حتّى تؤثِرِي هَواهُ على هَواكِ ورِضاهُ على رِضَاكِ.
فَأَيْنَ مِثْلُ هذهِ الأُمّ في هذا الزّمانِ إلا مَنْ رَحِمَ رَبّي، وأيْنَ مَنْ يَعْمَلُ مِنَ النّساءِ في هذا الزَّمانِ بِهَذِهِ الوصَايا إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ.
قالَ صلى الله عليه وسلم: «إذا صَلَّتِ المرأَةُ خَمْسَها وصامَتْ شَهْرَها وحَصَّنَتْ فَرْجَها وأَطاعَتْ بَعْلَها (أي زَوْجَها) دَخَلَتْ مِنْ أَيّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَتْ» .
إن الزَّوجَةَ الصَّالِحَةَ تُعينُ زوجَها على أَمْرِ الآخِرَةِ، فالزّواجُ فيهِ تَحَصُّنٌ عَنِ الشَّيطانِ، فالمرأَةُ الصَّالِحَةُ المُصْلِحَةُ للمَنْزِلِ عَوْنٌ على الدّينِ بهذا الطّريقِ، والزّواجُ فيه مُجاهَدَةُ النَّفْسِ ورِياضَتُهَا بالرّعايَةِ والوِلايَةِ والقِيَامِ بِحُقوقِ الأَهْلِ والصَّبْرِ على أخْلاقِهِنَّ واحْتِمالِ الأَذى مِنْهُنَّ، وقد قيل: إذا كُنْتَ في كلّ الأمورِ مُعاتبًا *** أخاكَ فَلَنْ تَلْقى الذي تُعاتِبُهُ.
فالمرأةُ الصّالحةُ هي التي تَسُرُّهُ إذا نَظَرَ، وتُطيعُهُ إذا أَمَرَ، ولا تُخالِفُهُ في نَفْسِها، فلا تَكُنْ أنَّانَةً ولا مَنَّانَةً ولا حَنَّانَةً ولا حَدَّاقَةً ولا بَرَّاقَةً ولا شَدّاقَةً.
أمّا الأَنّانَةُ: فَهِيَ التي تُكْثِرُ الأَنِينَ والتَّشَكّي.
والمنَّانَةُ: التي تَمُنُّ على زَوْجِها تقولُ لهُ «فَعَلْتُ لأَجْلِكَ كَذا وكَذا».
والحنّانَةُ : التي تَحِنُّ إلى زَوْجٍ ءَاخَرَ.
والحدَّاقَةُ: التي تَرْمِي إلى كلّ شَىءٍ بِبَصَرِهَا فتَشْتَهِيهِ وتكلّف الزَّوْجَ شِراءَهُ.
والبَرّاقَةُ: التي تَكونُ طولَ نَهارِهَا في تَصْقيلِ وَجْهِهَا وتَزْيينِهِ لِيَكونَ لِوَجْهِهَا بريقٌ بِالتَّصَنُّعِ.
وأما الشَّدَّاقَةُ: المُتَشَدّقَةُ الكَثيرةُ الكلامِ الذي لا خَيْرَ فيهِ.
وأَخْتِمُ بِحديثٍ رواه التّرْمِذِيُّ فيهِ يَقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تُؤْذي امْرَأَةٌ زَوْجَها في الدُّنْيا إلاّ قالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحورِ العينِ لا تُؤْذِيهِ قاتَلَكِ اللهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخيلٌ يوشِكُ أَنْ يُفارِقَكِ إِليْنا» .

فاظْفَروا إخوة الإيمان بِذاتِ الدّينِ تَرِبَتْ أَيْديكُمْ.
هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعِينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمّدِ بنِ عبدِ اللهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومنْ والاه.
أمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فإنّي أوصيكُم ونفسي بتقوى اللهِ العليّ العظيم وبالسَّيْرِ على خُطى الحَبيبِ مُحمَّدٍ القائِلِ في حديثِهِ الشَّريفِ: «بورِكَ لأُمَّتي في بُكورِهَا» .
فلا شَكَّ إِخوةَ الإيمانِ أنَّ الفوزَ العظيمَ يكونُ باتّباعِ مُحَمَّدٍ اتّبَاعًا كامِلاً، وها هوَ صلى الله عليه وسلم يَمْدَحُ الاسْتيقاظَ باكرًا حيثُ قالَ: «بورِكَ لأُمَّتي في بُكورِهَا» ، فالاستيقاظ باكرًا يساعد على الدين والدنيا.
ومِنْ هنا كانَ عليْنا أنْ نُحَذّرَكُمْ مِنْ ذَمّ الاسْتيقاظِ باكرًا كَقَوْلِ بعضِهِمْ بالعَاميَّةِ: (ما بْحِبْ فيقْ بَكير) فهذا ضِدُّ الحَديثِ وضِدُّ ما عَرَفَهُ المسلمونَ، المسلمونَ يَعْرِفونَ أنَّ التَّبكيرَ أمْرٌ حَسَنٌ. وأمّا إن عَلَّلَ هَذِهِ الكَلِمَةِ كلامَهُ بِأنَّهُ لا يَتَيسَّرُ لهُ أَخْذُ القَدْرِ الكافي مِنَ النَّوْمِ إن بَكَّرَ بالاستيقاظِ فلِذلِكَ قالَ: لا أحِبُّ الاستيقاظَ باكرًا فلا يَكفُرُ. أمَّا إن أطْلَقَ كَفَرَ، ولا يجوزُ الشَّكُّ في كُفرِهِ لأنَّه عارَضَ حديثَ رسولِ اللهِ لأنَّهُ ذَمَّ ما مَدَحَهُ وحَثَّ عليهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بورِكَ لأُمَّتي في بُكورِهَا». وأمّا مَنْ قالَ: «لا أحبُّ الاستيقاظَ باكرًا» ومرادُهُ أنه لا يَشتَهي ذلكَ لأنَّهُ كَسولٌ أو نَفْسُهُ لا تَميلُ مع اعتِقادِهِ أنَّ التَّبكيرَ في الاستيقَاظِ مَطلوبٌ فلا يَكفُرُ في هذهِ الحالِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ عَليْنا دينَنَا الذي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمْرِنا يا ربَّ العالمينَ.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.