خطب الجمعة المجموعة الثانية
 لا نُفَسّرُ الآياتِ المتَشَابِهاتِ على هَوانَا

لا نُفَسّرُ الآياتِ المتَشَابِهاتِ على هَوانَا

خطب الجمعة المجموعة الثانية

إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، جلَّ ربّي لا يشبهُ شيئًا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلُّ في شىءٍ ولا يَنْحَلُّ مِنْهُ شىءٌ، ليسَ كمثْلِهِ شىءٌ وهُوَ السَّميعُ البصيرُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ *﴾ [سورة ءال عمران].
القرءانُ، أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ كتابُ اللهِ تعالى فيهِ ءاياتٌ متشابهاتٌ وفيه ءاياتٌ محكماتٌ، والآياتُ المحكماتُ هيَ التي دلالَتُها على المرادِ واضحةٌ كقولِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ *﴾ وقولِهِ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *﴾ . وَليُعْلَمْ أنَّ الآياتِ القرءانيةَ أَغْلَبُها مُحْكَمَةٌ وهُنَّ أمُّ الكتابِ كما أخبرَ ربُّنا بِقَوْلِهِ عزَّ مِنْ قائِلٍ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ *﴾ [سورة ءال عمران].
أمّا الآياتُ المتشابهاتُ فهيَ التي دلالَتُها على المرادِ غيرُ واضحةٍ، وقدْ ذمَّ اللهُ تعالى الذينَ يَتَّبِعونَ ما تَشَابَهَ مِنَ القرءانِ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ أيِ الزَّيْغِ أيِ ابْتِغاءَ الإيقاعِ في الباطلِ والعياذُ باللهِ، لذلكَ قال الإمامُ الكبيرُ الشيخُ العارفُ باللهِ أحمدُ الرفاعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ: «صونوا عقائِدَكُمْ مِنَ التَّمَسُّكِِ بِظاهِرِ ما تَشابَهَ مِنَ الكِتابِ والسُنَّةِ فإنَّ ذلكَ مِنْ أُصولِ الكُفْرِ». فليسَ لِكُلّ إنسانٍ يقرأُ القرءانَ أنْ يُفَسّرَهُ، فإذا ما سَمِعْتَ أخي المسلمَ بآيةٍ قرءانيةٍ لم تَسْمَعْ بِتفسيرِها قبلَ ذلكَ قُلْ كما قالَ الشَّافِعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ: «ءامنْتُ بما جاءَ عنِ اللهِ على مُرادِ اللهِ» كأَنْ سمعتَ مثَلاً قولَهُ تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ *﴾ [سورة فاطر].
«الْكَلِمُ الطَّيّبُ» هُوَ ككلمةِ لا إلـهَ إلا اللهُ. «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ» يشمَلُ كلَّ عملٍ صالحٍ يُتَقَرَّبُ بهِ إلى اللهِ، أيْ يَعْمَلُهُ المسلِمُ لأجْلِ الأجْرِ والثَّوابِ مِنَ اللهِ كالصَّلاةِ والصَّدَقَةِ وصلَةِ الأرحامِ. فَمَعنى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ*﴾ أنَّ كلَّ ذلكَ من ذِكْرٍ للهِ تعالى والأعمالِ الصالحةِ كالصلاةِ والصَّدَقةِ وصِلَةِ الرحمِ يَتَقَبَّلُهُ اللهُ. فليسَ معنى الآيةِ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ*﴾ أنَّ اللهَ لَهُ حَيّزٌ يَتَحَيَّزُ فيهِ يسْكُنُهُ، ليسَ معناها أنَّ اللهَ في جِهَةِ فوق يسكنُ في السماءِ، تَنَزَّهَ اللهُ عَنْ ذلكَ، فالله سبحانه وتعالى موجود بلا مكان.
منْ أرادَ أنْ يَفَسّرَ المتشابِهَ مِنَ القرءانِ الكريمِ فيجبُ أنْ يكونَ التفسير مُوافِقًا للآياتِ المُحْكَماتِ كتفسيرِ الاسْتِواءِ بالقَهْرِ في قولِهِ تَعَالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *﴾ . أيْ نفسّرُ كلمةَ «اسْتَوى» هُنا في هَذِهِ الآيةِ بالقهرِ أيْ أنَّ العرشَ وهوَ أكبرُ مخلوقاتِ اللهِ مقهورٌ لله تَعَالى، هذا ولا أحدَ يعلَمُ مِساحَةَ العرشِ إلا اللهُ، حتّى الملائكةُ الذينَ يطوفونَ حولَ العرشِ لا يعلمونَ مِساحةَ العرشِ فهوَ أكبرُ مخلوقاتِ اللهِ، والعرش مَقْهورٌ للهِ تعالى وسائِرُ المخلوقاتِ التي هي أصغر من العرش مقهورةٌ للهِ تعالى. فتَفْسيرُ «اسْتَوى» بالقَهْرِ في هذهِ الآيةِ يليقُ باللهِ. أمَّا منْ فسّرَ «اسْتَوى» بِجَلَسَ أوِ اسْتَقَرَّ فهذا شَبَّهَ اللهَ تعالى بِخَلْقِهِ والعياذُ باللهِ، وهذا كفر والعياذ بالله.
فلا يجوزُ حملُ الآياتِ المتشابهةِ على الظاهر لأنَّهُ يلزَمُ من ذلكَ ضَرْبُ القرءانِ بَعْضِه بِبَعْضٍ، وذلكَ لأنَّ قولَه تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى*﴾ وقَوْلَه: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ*﴾ تَحَيُّزُ اللهِ تعالى في جِهَةِ فَوْقُ وهذا مستحيلٌ في حقِّ اللهِ، وقولَه تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ*﴾ [سورة البقرة] ، ظاهِرُهُ أنَّ اللهَ في أُفُقِ الأرضِ وهذا لا يليقُ باللهِ. وقَوْلَه في حَقّ إبراهيمَ: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي*﴾ [سورة الصافات] ظاهِرُهُ أنَّ اللهَ ساكنٌ فِلَسْطينَ لأنَّ إبراهيمَ كانَ مُتَوَجّهًا إلى فِلَسْطينَ، تنزّهَ اللهُ عنْ ذلكَ. فإنَّ تفسير هذهِ الآياتِ على ظواهِرِهَا يؤدي إلى نسبة التناقض في القرءان، والحق أن القرءان لا يناقض بعضُه بعضًا، فَوَجَبَ تَرْكُ الأَخْذِ بِظَواهِرِ هذهِ الآياتِ، والرُّجوعُ إلى ءايةِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ*﴾ ، ولا نُفَسّرُ المُتَشابِهَ مِنَ القرءانِ على هَوانَا، بلْ كنْ أخي المسلمَ مُسْتَحْضِرًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: «ءامنْتُ بما جاءَ عنِ اللهِ على مُرادِ اللهِ، وءامنتُ بما جَاءَ عَنْ رَسولِ اللهِ على مُرادِ رَسولِ اللهِ».

اللهُمَّ ثَبِّتْنا على العَقيدَةِ الحَقَّةِ واحْفَظْنَا مِنْ عَقيدَةِ التَّجْسيمِ والتَّشْبيهِ يا ربَّ العالمينَ.
هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، والصّلاةُ والسَّلامُ على سَيّدِنا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعْدِ الأمينِ وعلى إِخوانِهِ النَبيّينَ والمرسلينَ.
أمّا بَعْدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *﴾ [سورة النحل] .
فَرَبُّنا تبارَكَ وتَعالى يأْمُرُ بالعَدْلِ، يأْمُرُ بالإحسانِ، يأْمُرُ بإيتاءِ ذي القُرْبى، ولا يَأْمُرُ الناسَ بأنْ يقُولوا كَلامًا سَخِيفًا، لذلِكَ مِنَ المهِمّ التحذيرُ مِنْ كَلمةٍ شاعَتْ بينَ العَوامّ وهِيَ قولُ بَعْضِهِمْ بالعَامّيَةِ «شَكَرا بَكَرا قَلّي ربّي عدّ للعشرة».
واللَّهَ نَسْأَلُ أنْ لا يَجْعَلَ مُصيبَتَنا في دِينِنَا إنَّهُ على كُلّ شىء قَدِير.

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.