خطب الجمعة المجموعة الثانية
 صفات الأنبياءِ - الجزء الأول

صفات الأنبياءِ - الجزء الأول

خطب الجمعة المجموعة الثانية

إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه صلى الله عليه وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ.
أمَّا بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكُمْ ونفسي بتقوى الله العليّ العظيمِ القائلِ في محكَمِ كتابِهِ: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *﴾ [سورة الأنعام].
الصّلاةُ والسلامُ على أنبياءِ الله منْ سيدنا ءادمَ إلى سيدنا محمَّدٍ الذينَ جعَلََهُمُ الله تعالى أفضلَ الخلقِِ بِدَليلِ قوْلِهِ تَعالى ﴿وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *﴾ .
وشَرَفٌ عَظيمٌ لنا اليومَ أنْ نُعَطّرَ لِسانَنا بِذِكْرِ خِصالِ وصِفاتِ أنبياءِ الله. النُّبُوَّةُ اشتِقاقُها مِنَ النَّبَإ أيِ الخَبَرِ لأنَّ النبوَّةَ إخْبارٌ عَنِ الله، أوِ اشتِقاقُها مِنَ النَّبْوَةِ أي الارْتِفاعِ، فالأنبياءُ درجاتُهُمْ مُرْتَفِعَةٌ عاليةٌ. ويَجِبُ اعتقادُ أنَّ كلَّ نبِيّ مِنْ أنبياءِ الله يجِبُ أنْ يكونَ متَّصِفًا بالصّدْقِ والأمانةِ والفطانةِ.
فأنبياءُ الله أحبابُ الله يستحيلُ عليهمُ الكذبُ لأنَّ ذلكَ نَقْصٌ يُنافي مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ. ويستحيلُ عليهِمُ الخِيانَةُ وَهِيَ ضِدُّ الأمانةِ، ويستحيلُ عليهِمُ التَلَبُّسُ بالرذالةِ أيًّا كانتْ كاختلاسِ النَّظَرِ إلى المرأةِ الأجنَبِيَّةِ بِشَهْوَةٍ. ويستَحيلُ عليْهِمُ السفاهةُ كالتلفظ بألفاظٍ شنيعة. ويستحيلُ عليهِمُ البلادةُ وهِيَ ضَعْفُ الفَهْمِ. والبليد لا يفهمُ الكَلامَ مِنَ المرَّةِ الأولى إلا بعْدَ أنْ يُكَرَّرَ عليهِ عِدَّةَ مراتٍ فَهَذا كُلُّهُ يَسْتحيلُ في حقّ الأنبياءِ، فَمَا مِنْ نَبِيّ خائِنٌ أو رَذيلٌ أو سفيهٌ أو بليدُ الذِّهْنِ. والله تعالى حَفِظَهُمْ مِنَ الكُفْرِ قَبْل النُّبُوَّةِ وبَعْدَها وحَفِظَهُمْ مِنَ الكبائِرِ كالزّنى وحَفِظَهُمْ من صغائرِ الخسَّةِ كَسَرِقَةِ حَبَّةِ عِنَبٍ. ولْيُعْلَمْ أنَّ كلَّ الأنبياءِ فُصَحاءُ فليسَ فيهم أرَتُّ وهوَ الذي يكونُ في لسانِهِ عُقْدَةٌ وحَبْسَةٌ ويَعْجَلُ في كَلامِهِ فلا يُطاوِعُهُ لِسانُهُ، وليس فيهم تَأْتاءٌ ولا ألْثَغُ. والألْثَغُ الذي يُصَيّرُ الرَّاء غينًا أو لامًا والسينَ ثاءً مثَلاً.
ويَسْتحيلُ على أنبياءِ الله سبْقُ اللسانِ في الشَّرعيَّاتِ والعاديَّاتِ لأنَّهُ لَوْ جازَ عليهِمْ لارتفعتِ الثّقَةُ في صِحَّةِ ما يقولونَهُ، ولَقالَ قائِلٌ لَمَّا يَبْلُغُهُ كلامٌ عَنِ النَّبِيّ «ما يُدرينا أنَّهُ يكونُ قالَهُ على وجْهِ سبْقِ اللّسانِ» فلا يحصُلُ مِنَ النَّبِيّ أنْ يَصْدُرَ مِنْهُ كلامٌ غيرُ الذي أرادَ قولَهُ. وسبْقُ اللّسانِ هوَ أنْ يَتَكَلَّمَ الإنسانُ بشىءٍ مِنْ غَيْرِ إرادةٍ بل يجري على لِسانِهِ ولم يَقْصِدْ أنْ يقولَهُ بالمرَّةِ.
ويستَحيلُ عليهِمْ أيضًا الجنونُ وتأثيرُ السّحْرِ في عقولِهِمْ، فلا يجوزُ أنْ يُعْتَقَدَ أنَّ الرسولَ قد أثَّرَ السّحرُ في عقْلِهِ.
وأنبياءُ الله كلهُمْ كانوا ذوي حُسْنٍ وجمالٍ، ولا يجوز عليهِمُ المرضُ الذي يُنَفّرُ الناسَ منهُم. فقدْ قالََ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعثَ الله نبيًّا إلا حَسَنَ الوجهِ حَسَنَ الصّوْتِ وإنَّ نَبِيَّكُمْ أحْسَنُهُمْ وَجْهًا وأحْسَنُهُمْ صَوْتًا».
وبالنسبة لنبيّ الله أيوبَ فهو لم يُصب بمرض منفر إنما ابتلاهُ الله بلاءً شديدًا استمرَّ ثمانِيَةَ عَشَرَ عامًا وفَقَدَ مالَهُ وأَهْلَهُ ثمَّ عافاهُ الله وأغناهُ ورَزَقَهُ الكثيرَ مِنَ الأولادِ، بعضُ الناسِ الجهَّالِ يَفْتَرونَ عليهِ ويقولونََ إنَّ الدّودَ أكَلَ جِسمَهُ، على زعمِهِمْ كانَ الدّودُ يَتَساقَطُ ثمَّ يأخُذُ الدّودَةَ ويعيدُها إلى مكانِها مِنْ جِسْمِهِ ويقول: يا مخلوقَةَ ربّي كُلي مِن الرِزْق الذي رَزَقَكِ». فهذا ضَلالٌ وكفر والعياذُ بالله.
إن أنبياءَ الله كلُّهمْ أصحابُ خِلْقَةٍ سويَّةٍ، لم يكن فيهم ذو عاهَةٍ في خِلْقَتِهِ ولم يَكُنْ فيهم أعرَجُ ولا كسيحٌ ولا أعمى، وسيدنا يعقوبُ مِنْ شدَّةِ بكائِهِ على سيدنا يوسُفَ ابيَضَّتْ عيناهُ مِنْ شِدَّةِ حُزنِهِ على وَلَدِهِ يوسفَ، بَكَى بكاءً شديدًا حتّى ابيضَّتْ عيناهُ ثمّ ردَّ الله تعالى عليه بَصَرَهُ لَمَّا أرسَلَ يوسفُ بقميصِهِ مِنْ مِصْرَ إلى البَلدَةِ التي فيها أبوهُ فشَمَّ يعقوبُ ريحَ يوسُفَ في هذا القميصِ، الله تعالى جَعَلَهُ يَشَمُّ ريحَ يوسُفَ فارْتَدَّ بَصيرًا.
وكذلِكَ لا يجوزُ القولُ إنَّ ءادَمَ عليهِ السّلامُ كانَ مُتَوَحّشًا شبيهًا بالقِرْدِ، فمَنْ قالَ ذلكَ فهوَ ليسَ بِمُسلِمٍ عندَ الله.
اللَّهم أمِدَّنا بأَمْدادِ الأَنبياء الكرامِ وانفَعْنا بِبَرَكاتِهِم.
هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ لله نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله.

عبادَ الله أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى الله العَليّ العظيمِ، واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.