خطب الجمعة المجموعة الثانية
 فضلُ الصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم

فضلُ الصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم

خطب الجمعة المجموعة الثانية

إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، أيَّنَ الأيْنَ فلا أَيْنَ ولا مَكانَ ولا جِهَةَ لهُ، وكَيَّفَ الكَيْفَ فلا كَيْفَ ولا شَكْلَ ولا صُورةَ ولا أَعْضاءَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ صلواتُ الله وسَلامُهُ عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسَلَهُ، صلواتُ الله البرّ الرحيمِ والملائكةِ المقرَّبينَ والنبيّينَ والصدّيقينَ والشهداءِ والصالحينَ، على سيّدِنا محمَّدٍ ابنِ عبدِ الله خاتَمِ النبيّينَ وسيّدِ المُرسَلينَ وإِمامِ المتقينَ وحبيبِ ربّ العالمينَ، الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيّدي يا عَلَمَ الهدى يا أبا الزهراءِ يا أبا القاسِمِ، يا محمَّدُ ضاقَتْ حيلَتُنا وأنتَ وسيلَتُنا أَدْرِكْنا يا رسولَ الله.
أمّا بعدُ عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيمِ القائلِ في محكَمِ كتابِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا*﴾ [سورة الأحزاب].
فالصلاةُ على النَبيّ تكفّرُ بإذن الله ذنبًا عظيمًا وتورِثُ عِزًّا وتَكْريمًا، ومَعْناها: اللّهُمَّ زِدْهُ شَرَفًا وتعظيمًا ورِفْعَةً وَقَدْرًا، وأمَّا التَّسْليمُ فَمَعْناهُ: سَلّمْهُ ممَّا يخافُ على أُمَّتِهِ. فأكثِروا مِنَ الصلاةِ على النبيّ وافعلوا ما نَدَبَكُمْ مَوْلاكُمْ إليهِ تَلْقَوْنَ جَنَّةً ونَعيمًا. فَقَدْ قالَ سيّدُ العالمينَ: «صلُّوا عليَّ فإنَّ صَلاتَكُمْ عليَّ زكاةٌ لَكُمْ واسأَلوا الله تعالى لِيَ الوسيلَةَ . قالوا: يا رسولَ الله وما الوسيلَةُ؟ قالَ: أَعْلى دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ لا ينالُها إلاّ رجلٌ واحدٌ وأنا أَرْجو أنْ أَكونَ ذلِكَ الرَّجُلَ» . وقال صلى الله عليه وسلم: «منْ صلَّى عَلَيَّ عَشْرَ مَرَّاتٍ صلَّى الله عليهِ بِها ماِئَةَ مَرَّة» .
إخوةَ الإيمانِ أحبابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أكثِروا مِنَ الصلاةِ على رسولِ الله.

قال أحد الشعراء:
هذا النَّبِيُّ محمَّدٌ خَيْرُ الوَرَى **** ونَبِيُّهُمْ وبِهِ تَشَرَّفَ ءادَمُ
هُوَ في المَدينَةِ ثاوِيًا بِضَريحِهِ **** حَقًّا وَيَسْمَعُ مَنْ عَلَيْهِ يُسَلّمُ
وإِذا تَوَسَّلَ مُسْتَضامٌ بِاسْمِهِ **** زالَ الذي مِنْ أَجْلِهِ يَتَوَهَّمُ
صَلَّى عَليْهِ الله جلَّ جلالُهُ **** ما راحَ حَادٍ باسْمِهِ يَتَرَنَّمُ

فيا ربِّ صلّ وسلِّمْ على سيّدِنا ومولانا محمَّدٍ الذي بَلَغَ أسنى المطالِب والمآرِب، اللهمَّ صلّ وسلّمْ على سيّدِنا ومولانا محمَّدٍ الذي فضَّلْتَهُ على أَهْلِ المَشارِقِ والمغارِبِ، اللهمَّ صلّ وسلّمْ على جَسَدِهِ في الأجْسادِ، وصلّ وسلّمْ على اسْمِهِ في الأسماءِ.
قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثِروا عليَّ مِنَ الصلاةِ في يومِ الجُمُعَةِ فإنَّ صلاةَ أمَّتي تُعْرَضُ عَلَيَّ في يومِ الجُمُعَةِ، فَمَنْ كانَ أَكْثَرَهُمْ علَيَّ صلاةً كانَ أَقْرَبَهُمْ مِنّي مَنْزِلَةً».
قالَ سفيانُ الثوريُّ رضِيَ الله عنهُ: «رأيتُ رجلاً في الباديةِ لا يَرْفَعُ قَدَمًا ولا يَضَعُ أخرى إلا وَهُوَ يُصَلّي على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: يا هَذا قَدْ تَرَكْتَ التَّسبيحَ والتَّهليلَ وأقْبَلْتَ بالصَّلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فهَلْ عِنْدَكَ مِنْ هذا شىءٌ؟ قالَ: مَن أنتَ؟ قلتُ: أنا سفيانُ الثوْرِيُّ، فقالَ: لولا أنتَ غريبٌ في أهلِ زمانِكَ ما كَشَفْتُ عَنْ حالي ولا أَطْلَعْتُكَ على سرّي، ثُمَّ قالَ: خَرَجْتُ أنا ووالدي حاجَّيْنِ إلى بيتِ الله الحرامِ حتى كنَّا في بعضِ المنازلِ مَرِضَ والدي فقُمْتُ لأُعالِجَهُ فبينما أنا عندَ رَأْسِهِ ماتَ واسوَدَّ وَجْهُهُ، فَجَرّيتُ الإزارَ على وجْهِهِ، فَغَلَبَتْني عيْنايَ فَنِمْتُ فإذا أنا بِرَجُلٍ لم أرَ أجملَ مِنْهُ وَجْهًا ولا أنظَفَ مِنْهُ ثَوبًا ولا أطْيَبَ مِنْهُ ريحًا يَرْفَعُ قَدَمًا ويَضَعُ قَدَمًا أُخرى، حتّى دنا مِنْ والدي فَكَشَفَ الثّوبَ عَنْ وَجْهِهِ وأمَرَّ بِيَدِهِ على وَجْهِهِ فعادَ وَجْهُهُ أَبْيَضَ ثُمَّ ولَّى راجِعًا، فَتَعَلَّقْتُ بِثَوْبِهِ فقلتُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُك الله لقدْ منَّ الله بِكَ على والدي في دارِ الغُرْبَةِ؟ فَقَالَ: أوَما تَعْرِفُني؟ أنا محمَّدُ بنُ عبدِ الله، أنا صاحبُ القرءانِ، أمّا إنَّ والدَكَ كانَ مُسْرِفًا على نَفْسِهِ (أي يَقَعُ في المعاصي) ولكنْ كانَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ عليَّ، فَلَمّا نَزَلَ بِهِ ما نَزَلَ استَغاثَ بي فأنا غِياثُ مَنْ أَكْثَرَ الصَّلاةَ عليَّ، قالَ: فانْتَبَهْتُ مِنْ نومي فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِ أبي فإِذا وَجْهُهُ أَبْيَضُ».

اللهمَّ صلّ على سيّدِنا محمَّدٍ أجودِ الذواتِ وأصدَقِ الصادقينَ، اللهمَّ صلّ على سيّدِنا محمَّدٍ أَبْلَغِ البلَغَاءِ وأَكْمَلِ الكامِلينَ، اللهمَّ صلّ على سيّدِنا محمَّدٍ أَفْصَحِ الفصَحاءِ وأَفْضَلِ الفاضِلينَ، اللهمَّ صلّ على سيّدِنا محمَّدٍ خاتَمِ المرسلينَ وخاتَمِ النبيّينَ، اللهمَّ صلّ على سيِّدِنا محمَّد النَقِيّ من الآفاتِ وأطْهَرِ الطاهِرينَ، اللهمَّ صلّ على سيّدنا محمَّدٍ بُرْهانِ الأتقياءِ وشفيعِ المذنبينَ، فيا ربّ بِجاهِ الملائِكَةِ المقرَّبينَ والأنبياءِ والمرسلينَ وبِجاهِ الشهداءِ والصالحينَ والعلماءِ العاملينَ وبِجاهِ كلّ مَنْ لَهُ جاهٌ عِنْدَكَ عَطّفْ قلب الحبيب المصطفى علينا وداوِنا بِنَظرَةٍ مِنْهُ يا الله يا الله يا الله وأكرِمْنا بِزِيارَتِهِ ومُجاوَرَتِهِ مع حُسْنِ الحالِ واجعَلْ تُرْبَتَنا البَقيعَ، اللهُمَّ شَفّعْهُ فينا وأورِدْنا حَوْضَهُ وارْزُقْنا شربةً مِن يَدِهِ لا نَظْمَأُ بعدَها أبدًا يا أرْحَمَ الراحمينَ يا أرحمَ الراحمينَ.
هذا وأسْتَغْفِرُ الله لي ولَكُم.

الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ لله نحمدُهُ ونستعينهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلواتُ الله وسَلامُهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرْسَلَهُ.
أمّا بعدُ عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيمِ القائلِ في مُحْكَمِ التَّنْزيلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *﴾ [سورة التوبة].
ويقولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وإيَّاكَ والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ، وما يَزالُ العبدُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا» رواه مسلم.
إخوةَ الإيمانِ إنّ الكذبَ الذي حرَّمَهُ الشرعُ يوصِلُ الإنسانَ إلى الفجورِ، إلى الفسادِ والشرورِ وقد حذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الكذِبِ في كثيرٍ منَ الأحاديثِ، لذلكَ نُحَذّرُكُمْ مِمَّا يُسَمّيهِ بعضُ الناسِ «كَذْبَةُ أوَّلِ نيسان» فالكَذِبُ الذي حَرَّمَهُ الشَّرْعُ هوَ حَرامٌ في أوَّلِ نيسانٍ وفي غَيْرِهِ مِنَ الأيَّامِ، كما أنَّ هذا الكَذِبَ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ تَرويعٌ لِلْمُسْلِمِ كأن يقول قائل «إنَّ ابْنَكَ ماتَ، أوْ حَصَلَ مع زَوْجَتِكَ كَذا» فَيُروّعُهُ يُخيفُهُ والعياذُ بالله تعالى، أحبابَنا لِيُعْلَمَ أنَّ الكذِبَ لا يَصْلًُحُ في جِدّ ولا في هَزلٍ ولَوْ كانَ المَقْصِدُ إضحاكَ الحاضرينَ فقدْ وَرَدَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ «ويلٌ للَّذي يُحَدّثُ القَوْمَ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُمْ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» .
اللهمَّ احفظْنا منَ الكَذِبِ والحرامِ يا أرحمَ الراحمينَ.

واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *﴾ اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ، إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *﴾ ، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ الله إنَّ الله يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون.اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.