في تفسيرالقرءان الكريم الدر المصون في شرح جزء عم يتساءلون
 سورة قريش

سورة قريش

الدر المصون في شرح جزء عم يتساءلون

الدر_المصون سُورَةُ قُرَيْشٍ
مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهِيَ أَرْبَعُ ءَايَاتٍ
بسم الله الرحمن الرحيم

لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِّنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِّنْ خَوْفٍ (4)




قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ(1)﴾، قَالَ الْبُخَارِيُّ: «قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لإِيلافِ لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ». وَاللامُ لِلتَّعَجُّبِ، أَيِ اعْجَبُوا لإِيْلافِ قُرَيْشٍ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ وَالأَخْفَشُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿لإِيلافِ(1)﴾ أَلِفُوا ذَلِكَ فَلا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ». وَكَأَنَّ الْمَعْنَى اعْجَبُوا لإِيلافِ قُرَيْشٍ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَتَرْكِهِمْ عِبَادَةَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَقِيلَ: الَّلامُ مَوْصُولَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَكَأَنَّ الْمَعْنَى فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ لإِيلافِ قُرَيْشٍ أَيْ أَهْلَكَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ وَمَا قَدْ أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ مُتَّصِلٌ بِمَا بَعْدَهَا وَكَأَنَّ الْمَعْنَى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لإِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الرِّحْلَتَيْنِ ءَامِنِينَ فَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ عَارِضٌ قَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ فَلا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ. وَالرِّحْلَتَانِ كَانَتَا لِلتِّجَارَةِ وَكَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَى الشَّامِ فِي الصَّيْفِ وَإِلَى الْيَمَنِ فِي الشِّتَاءِ لِشِدَّةِ بَرْدِ الشَّامِ.
وَفِي قُرَيْشٍ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا الزَّبِيدِيُّ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ فَقَالَ مَمْزُوجًا بِالْمَتْنِ: «وَقَرَشَهُ يَقْرِشُهُ قَرْشًا مِنْ حَدِّ ضَرَبَ، وَيَقْرُشُهُ أَيْضًا مِنْ حَدِّ نَصَرَ، قَطَعَهُ وَقَرَشَهُ وَجَمَعَهُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنْهُ قُرَيْشٌ الْقَبِيلَةُ وَأَبُوهُمُ النَّضْرُ ابْنُ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرِكَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ دُونَ وَلَدِ كِنَانَةَ وَمَنْ فَوْقَهُ» اهـ.




﴿إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)﴾ الْمَعْنَى أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ بِالْحَرَمِ ءَامِنَةً مِنَ الأَعْدَاءِ، وَالْحَرَمُ وَادٍ جَدِيبٌ لا زَرْعَ فِيهِ وَلا شَجَرَ وَإِنَّمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعِيشُ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ، وَكَانَتْ لَهُمْ رِحْلَتَانِ كُلَّ سَنَةٍ رِحْلَةٌ فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ وَرِحْلَةٌ فِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ، وَلَوْلا هَاتَانِ الرِّحْلَتَانِ لَمْ يَكُنْ بِهِ مُقَامٌ، فَلا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ مَا قَدْ أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِنَّةً مِنْهُ تَعَالَى عَلَى قُرَيْشٍ.




﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)﴾ أَيْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)﴾ تَذْكِيرٌ لِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِتَشْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذَا الْبَيْتِ.




﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِّنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِّنْ خَوْفٍ(4)﴾ أَيِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ بَعْدَ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ عَظِيمٍ وَهُوَ خَوْفُ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَقِيلَ غَيْرُهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «وَالَّلفْظُ يَعُمُّ».