في تفسيرالقرءان الكريم الدر المصون في شرح جزء عم يتساءلون
 سورة الماعون

سورة الماعون

الدر المصون في شرح جزء عم يتساءلون

الدر_المصون سُورَةُ الْمَاعُونِ
مَكِّيَّةٌ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ سَبْعُ ءَايَاتٍ
بسم الله الرحمن الرحيم

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)




قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)﴾ أَيْ بِالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ فِي الآخِرَةِ.




﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿يَدُعُّ(2)﴾: يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ» أَيْ يَظْلِمُهُ وَيَقْهَرُهُ، بِأَنْ يَدْفَعَ الْيَتِيمَ عَنْ حَقِّهِ دَفْعًا عَنِيفًا لِيَأْخُذَ مَالَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «وَكَانُوا لا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلا الصِّغَارَ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا يَحُوزُ الْمَالَ مَنْ يَطْعَنُ بِالسِّنَانِ وَيَضْرِبُ بِالْحُسَامِ».




﴿وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3)﴾ أَيْ لا يَأْمُرُ بِإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ لِتِكْذِيبِهِ بِالْجَزَاءِ فَلا يَفْعَلُونَهُ إِنْ قَدَرُوا وَلا يَأْمُرُونَ بِهِ إِنْ عَسِرُوا، فَلا يَأْمُرُونَ بِالإِطْعَامِ بَلْ يَقُولُونَ: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ فَنَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِمْ وَتَوَجَّهَ الذَّمُّ إِلَيْهِمْ.




﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ(5)﴾ الْوَيْلُ شِدَّةُ الْعَذَابِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: « وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿سَاهُونَ(5)﴾: لاهُونَ»، قَالَ الْحَافِظُ: «وَهُوَ الَّذِي يُصَلِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا»، أَيْ بِلا عُذْرٍ كَسَفَرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: «نَزَلَ هَذَا فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِصَلاتِهِمْ ثَوَابًا وَلا يَخَافُونَ عَلَى تَرْكِهَا عِقَابًا، فَإِنْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّوْا رِيَاءً وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَمْ يُصَلُّوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)﴾ » اهـ.
وَالرِّيَاءُ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ كَالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ مَدْحَ النَّاسِ وَإِجْلالَهُمْ، وَالرِّيَاءُ يُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَلِ الَّذِي قَارَنَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ رِيَائِهِ وَتَابَ أَثْنَاءَ الْعَمَلِ فَمَا فَعَلَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهُ لَهُ ثَوَابُهُ، وَأَيُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ دَخَلَهُ الرِّيَاءُ فَلا ثَوَابَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ جَرَّدَ الرَّجُلُ قَصْدَهُ لِلرِّيَاءِ أَوْ قَرَنَ بِهِ قَصْدَ طَلَبِ الأَجْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا يَجْتَمِعُ الثَّوَابُ وَالرِّيَاءُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ بِالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلا غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟ قَالَ: «لا شَىْءَ لَهُ» فَأَعَادَهَا ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لا شَىْءَ لَهُ»، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ خَالِصًا لَهُ وَمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ».




﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7)﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالْمَاعُونُ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: الْمَاعُونُ: الْمَاءُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلاهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ» اهـ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: «وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ» أَيْ مِثْلَ قَوْلِ عِكْرِمَةَ.