القسم الثالث
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الأَقْوَالُ: وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا لا تَنْحَصِرُ مِنْهَا: أَنْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ أَوْ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا نَصْرَانِيُّ أَوْ يَا عَدِيْمَ الدِّينِ مُرِيدًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ أَوْ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ لَيْسَ بِدِينٍ لا عَلَى قَصْدِ التَّشْبِيهِ، وَكَالسُّخْرِيَّةِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ مِمَّنْ لا يَخْفَى عَلَيْهِ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَكَأَنْ يَقُولَ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْهُ أَوْ لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِي جِهَةِ كَذَا مَا صَلَّيْتُ إِلَيْهَا، أَوْ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا مُسْتَخِفًّا أَوْ مُظْهِرًا لِلْعِنَادِ فِي الْكُلِّ. وَكَأنْ يَقُولَ لَوْ ءَاخَذَنِي اللَّهُ بِتَرْكِ الصَّلاةِ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمَرَضِ ظَلَمَنِي. أَوْ قَالَ لِفِعْلٍ حَدَثَ هَذَا بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ، أَوْ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي الأَنْبِيَاءُ أَوِ الْمَلائِكَةُ أَوْ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بِكَذَا مَا قَبِلْتُهُمْ، أَوْ قَالَ لا أَفْعَلُ كَذَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً بِقَصْدِ الاِسْتِهْزَاءِ، أَوْ لَوْ كَانَ فُلانٌ نَبِيًّا مَا ءَامَنْتُ بِهِ، أَوْ أَعْطَاهُ عَالِمٌ فَتْوَى فَقَالَ: أَيْشٍ هَذَا الشَّرْعُ مُرِيدًا الاِسْتِخْفَافَ بِحُكْمِ الشَّرْع أَوْ قَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ مُرِيدًا الاِسْتِغْرَاقَ الشَّامِلَ 1 أَمَّا مَنْ لَمْ يُرِدِ الاِسْتِغْرَاقَ الشَّامِلَ لِجَمِيعِ الْعُلَمَاءِ بَلْ أَرَادَ لَعْنَ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ وَكَانَتْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا يُظَنُّ بِهِمْ مِنْ فَسَادِ أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ كَلامُهُ لا يَخْلُو مِنَ الْمَعْصِيَةِ. أَوْ قَالَ أَنَا بَرىءٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ مِنَ الشَّرِيعَةِ أَوْ مِنَ الإِسْلاَمِ أَوْ قَالَ لا أَعْرِفُ الْحُكْمَ مُسْتَهْزِئًا بِحُكْمِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ وَقَدْ مَلأَ وِعَاءً: ﴿وَكَأْسًا دِهَاقَا (34)﴾ [سورة النبإ] أَوْ أَفْرَغَ شَرَابًا فَقَالَ: ﴿فَكَانَتْ سَرَابًا (20)﴾ [سورة النبإ] أَوْ عِنْدَ وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)﴾ [سورة المطففين] أَوْ عِنْدَ رُؤْيَةِ جَمْعٍ ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)﴾ [سورة الكهف] بِقَصْدِ الاِسْتِخْفَافِ فِي الْكُلِّ بِمَعْنَى هَذِهِ الآيَاتِ، وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ اسْتَعْمَلَ فِيهِ الْقُرْءَانُِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَلا يَكْفُرُ لَكِنَّ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ: لا تَبْعُدُ حُرْمَتُهُ. وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ شَتَمَ نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا أَوْ قَالَ أَكُونُ قَوَّادًا إِنْ صَلَّيْتُ أَوْ مَا أَصَبْتُ خَيْرًا مُنْذُ صَلَّيْتُ أَوْ الصَّلاةُ لا تَصْلُحُ لِي بِقَصْدِ الاِسْتِهْزَاءِ. أَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ: أَنَا عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ نَبِيِّكَ، أَوْ لِشَرِيفٍ أَنَا عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ جَدِّكَ مُرِيدًا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ يَقُولَ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الأَلْفَاظِ الْبَشِعَةِ الشَّنِيعَةِ. وَقَدْ عَدَّ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ كَالْفَقِيهِ الْحَنَفِيِّ بَدْرِ الرَّشِيدِ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ المَالِكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فَيَنْبَغِي الاِطِّلاعُ عَلَيْهَا فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ يَقَعُ فِيهِ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِخْفَافٍ بِاللَّهِ أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ شَعَائِرِهِ أَوْ مَعَالِمِ دِينِهِ أَوْ أَحْكَامِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ كُفْرٌ، فَلْيَحْذَرِ الإِنْسَانُ مِنْ ذَلِكَ جَهْدَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍٍ.
-------------