مناسبات إسلامية مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين
 ذِكْرُ أَسْمائهِ الشريفة صلى الله عليه وسلم

ذِكْرُ أَسْمائهِ الشريفة صلى الله عليه وسلم

مصيبة المسلمين بموت سيد المرسلين

للرسولِ الأعظم صلى الله عليه وسلم أسماءٌ كثيرة ذكرها العلماء، عَدَّ منها بعض العلماء ثلاثين اسمًا مُبَاركًا تدل معانيها على عظيم فَضْله وشرفه وجاهه صلى الله عليه وسلم عند الله تبارك وتعالى، ولا يُنافي كثرة أسمائه عليه الصلاة والسلام ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء: أنا محمدٌ، وأنا أحمدُ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشرُ الذي يُحْشَرُ الناس على قدمي، وأنا العاقبُ" رواه البخاري ومسلم.
لأنَّ مراده صلى الله عليه وسلم خمسة اختصتْ بي لم يتسمَّ بها أحَدٌ قَبْلي، أو هي مُعَظَّمةٌ أو مشهورةٌ في أمم الأنبياء الماضية أو في الكتب السَّابقة، إذًا فليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم حصر أسمائه في هذه الأسماء الخمسة التي ذكرها.
وَهَاكُم معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم الثلاثين كما ذكرها بعض العلماء:
الأول: "مُحَمَّد" وهو أَشْهرُ أسمائه صلى الله عليه وسلم وأشرفُها لإنبائه ودلالة معناه عن كمال الحمد المُنبي عن كمال ذاته صلى الله عليه وسلم. سُمّي به عليه الصلاة والسلام إمّا لكثرة خصَالِه الحميدة عليه الصلاة والسلام وإمّا لأنَّ الله تبارك وتعالى وملائكته حمدوه حمدًا كثيرًا بالغًا غاية الكمال، وحَمْدُ الرسول صلى الله عليه وسلم هنا على معنى الثناء عليه.
فالرسولُ الأعظم صلى الله عليه وسلم محمودٌ عند الله تعالى وعند ملائكته وعند إخوانه المرسلين وعند خيار أهل الأرض، وأمته صلى الله عليه وسلم الحمّادون لأنّهم يحمدون الله تعالى في السراء والضراء، وصلاتُهُ صلى الله عليه وسلم وصلاة أُمته مُفْتَتحةٌ بالحمد، وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة، وهو صلى الله عليه وسلم صاحبُ الشفاعة، وصاحبُ المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون صلى الله عليه وسلم وجزاه الله تعالى عن أمته أفضل الجزاء.
وَقَدْ قال القاضي عياض في كتابه "الشّفا بتعريف حقوق المصطفى": وقد حَمَى الله هذا الاسم فلم يتسمَّ به أحَدٌ ممّن ادعى النبوةَ في الإسلام مع كثرتهم ولم يَتَسَمَّ به أحد قبله، وإنما سمّت العرب مُحَمّدًا قُرْبَ ميلاده صلى الله عليه وسلم لمّا أخبر الأحْبَارُ والكُهّان أن نبيًّا يُبْعَثُ في ذلك الزمان يُسَمَّى محمدًا فَسَمَّوا أبناءهم بذلك".
الثاني: "أَحْمَدُ" من أعظم أسمائه صلى الله عليه وسلم وأبلغها، وهو على صيغة المبالغة التي على وزن "أَفْعَلُ" والتي تُنْبئ عن الوصول إلى غاية ليست وراءها غاية، إذ يكون معنى اسمه صلى الله عليه وسلم "أحمد" أيْ أحمد الحامدين لربّه عزَّ وجلَّ، وسَبَبُهُ ما وَرَدَ في صحيح البخاري أنّه صلى الله عليه وسلم يُفْتَحُ عليه في المقام المحمود بمحامِدَ لم يُفْتَح بها على أحد قبله، ويقال: الأنبياءُ حمّادُون وهو صلى الله عليه وسلم أحمدهم أي أكثرهم حَمْدًا وأَعْظَمهم في صِفَة الحمد.
وفي الآخرة وفي إحدى مواقف القيامة يَحْمَدُ الرسولُ الأعظمُ صلى الله عليه وسلم ربَّه فيُشَفّعُهُ الله تعالى فيحمده الناس.
وقد خُصَّ صلى الله عليه وسلم بِسُورة الحمدِ "الفاتحة" وبلواء الحمد وبالمقام المحمود وشُرِعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم الحمد بعد الأكل والشرب والدعاء والقدوم من السفر وسُمّيَتْ أمته بالحمّادين، فجُمِعَتْ له معاني الحمد وأنواعه فلذلك كان النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم "أَحْمَد".
الثالث: "المُقَفّي" أي التَابِعُ للأنبياء، ولغةً: قافية كل شىء ءاخره، فكان عليه الصلاة والسلام ءاخِرُ الأنبياء.
الرابع: "الحَاشِرُ" أَيْ الذي يُحْشَرُ النَّاس على قَدَمِهِ أَيْ يَتَقدّمُهُم في الحشر وهم خَلْفَهُ، لأنه صلى الله عليه وسلم أوّلُ مَن تَنْشَقُّ عنه الأرض.
الخامس: "العَاقِبُ" أي الذي لا نَبيَّ بعده، إذ العَاقِبُ هو الآخر وهو عَقِبُ الأنبياء أي ءاخرهم.
السادس: "الماحي" وقَدْ فَسَّرَهُ الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر أي أهلهُ، وهذا محمول على الأغلب لأنَّ الكفر ما انمحى في خلال حياته صلى الله عليه وسلم في الدنيا من جميع البلاد، أو أنه سينمحي أوّلا فأوّلا إلى أنْ يَضمحلَّ بعد نزول عيسى عليه السلام فإنّه يَرْفَعُ بنزوله الذي هو من علامات يوم القيامة الجزية ولا يُقْبَلُ إلا الإسلامُ أو السيف كما ورد ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
السابع: "نبيُّ الرحمة" و"نَبيُّ المَرْحَمة" كما وَرَدَ تسميته به في صحيح مسلم وغيره أَيْ نبيُّ التراحم بين الأُمَّة، أو أنه صلى الله عليه وسلم مُخْبِرٌ عَنْ رحمة الله لرحمة دينه الإسلام، لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ [سورة الأنبياء] فهو صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، قال عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا رحمة مُهْداة".
الثامن: "نبيُّ التوبة" كما ورد ذلك في حديث مُسلم أيضًا أي أنه صلى الله عليه وسلم مُخْبِرٌ عن الله تعالى بقبُوله التوبة أي بشروطها، أو ءامرٌ بها.
التاسع: "نَبيُّ المَلْحَمَةِ" كما سُمّيَ به في حديث مسلم أيضًا، والمَلْحَمَةُ الحرب، وسُمّي به عليه الصلاة والسلام لحرصه على الجهاد ومُسارعتِهِ إليه.
العاشر: "المُتَوَكّل" سَمّاه الله به في التوراة، أي الذي يَكِلُ أُمُورَهُ إلى الله تعالى.
الحادي عشر والثاني عشر: "طه" و"يس" وقد قيل في تفسير معنى "طه" يا رجل عظيم، و"يس" يا إنسان عظيم.
الثالث عشر: "عَبْدُ الله" وفيه وَصْفُ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بالعبودية الذي هو وصف شريف، وقد جاء وصفه صلى الله عليه وسلم به في التنزيل، قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (19)﴾ [سورة الجن].
فائدة: قيل لما وَصلى النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعراج أَوْحَى الله سبحانه وتعالى إليه: "يا مُحَمَّدُ" بماذا أشرفك؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بأن تَنْسُبني إلى نفسك بالعبودية"، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)﴾ الآية ومعناه أن هذه النسبة وهي نسبةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ربه بوصف العبودية هي شرف للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، لأنَّ عبادَ الله تعالى كثير فلمَّا خَصَّ الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في الآية بالذكر كان ذلك لتَخْصِيْصه صلى الله عليه وسلم بالشَّرف الأعظم.
الرابع عَشَر: "النبيُّ الأميّ" أَي الذي لا يَكْتُبُ ولا يَقْرَأُ وذلك في حَقّه صلى الله عليه وسلم مُعْجزة وفي حق غيره عَجْزٌ، فإنّه صلى الله عليه وسلم مع كونه أُميًّا لا يعرف الكتابة ولا القراءة فَقَدْ أَعْطاه الله تبارك وتعالى عِلْمَ الأولين والآخرين.
الخامس عشر: "الرَّءوفُ الرحيمُ" ودليله من القرءان الكريم قوله تعالى: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ [سورة التوبة] والرأفة شدة الرحمة، فهو عليه الصلاة والسلام شديد الرحمة على المؤمنين كما أخبر الله تبارك وتعالى.
السادس عشر: "الشَّاهِدُ" أي يَوْمَ القيامة للأنبياء على أُمَمهم بالتبليغ، والشَّاهِدُ أيضًا على أمته صلى الله عليه وسلم كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)﴾ [سورة النساء].
السَّابِعَ عَشَر والثَّامِنَ عَشَر: "السّراجُ المنير" قال الله تبارك وتعالى في حق نبيّه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)﴾ [سورة الأحزاب].
والمعنى في هذين الاسمين أنَّه به صلى الله عليه وسلم انجَلَتْ ظُلُمَاتُ الشرك كما ينجلي ظلام الليل بالسّراج واهتدتْ بنور نبوته البَصَائر كما يهتدي بنور السّراج الأبصار.
التَّاسِعَ عَشَر والعشرون: المُزَّمّلُ والمُدَّثّر كما في سورتيهما.
الحادي والعشرون: "المُذَّكّر" كما قَالَ الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)﴾ [سورة الغاشية].
الثَّاني والعشرون: "نِعْمَةُ الله" إذ هو صلى الله عليه وسلم نعمةٌ مِنَ الله تعالى على مَنْ ءامنَ به صلى الله عليه وسلم في الدارين.
الثَّالث والعشرون: "الهادِي إلى الصراط المستقيم" أي بِواضح الحُجَج وسَاطِعِ البراهين كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)﴾ [سورة الشورى] وله عليه الصلاة والسلام غيرُ ذلك من الأسماءِ التي تعظم عن العدّ لكثرتها.
ومن أسماء الرسولِ الأَعظمِ صلى الله عليه وسلم المشهورة: المختارُ، والمصطفى، والشَّفيعُ، والمُشَفَّعُ، والصَّادِقُ، والمَصْدُوق، وغيرُ ذلك.
فائدة: قال علماء التوحيد: إنَّ أسماء الله تعالى توقيفية ولا يُقَالُ في أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك، ودليل ذلك أنَّ بعضَ المسلمين سَمَّى الرسول صلى الله عليه وسلم باسم لم يرد في الحديث ولا في القرءان الكريم وهو اسم "المصطفى" ومع ذلك فهذا الاسمُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم مَشْهُورٌ بين الناس.
فائدة: عندما تَشَرَّفَت السيدةُ الجليلة ءامنةُ بنت وهب رضي الله عنها أمُّ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بِحَمْلِ النبيّ العظيم صلى الله عليه وسلم في بطنها، أُتيتْ عليها السلام في المنام فقيل لها: "إنَّكِ قد حَمَلتِ بِسَيّدِ العالمين وخَيْرِ البرية فَسَمّيهِ إذا وَضَعْتِهِ "مُحَمّدًا" فإنَّهُ سَتُحمدُ عُقْبَاهُ" ومَعْنى "مُحَمَّد مَنْ كَثُر حَمْدُ الناس له لكثرة خصائصه الحميدة، فيا سَعْدَنا ويا فرحةَ قلوبنا بمولد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سَيّدِ العالمين وخير البرية وسَيد العرب والعجم.

مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين

قائمة مصيبة المسلمين