مناسبات إسلامية مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين
 صَبْرُهُ صلى الله عليه وسلم على الشَّدائِد والأذى

صَبْرُهُ صلى الله عليه وسلم على الشَّدائِد والأذى

مصيبة المسلمين بموت سيد المرسلين

قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (35)﴾ [سورة الأحقاف].
ويقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَشَدُّ النَّاس بَلَاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل..." الحديث.
النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أفضل وأشرف الأنبياء وهو سيد العالمين، وهو أفضل أنبياء أولي العزم الذين بَلَغُوا الغاية في الصبر على المصائب وتحمّل الشدائد والأذى من قومهم لأجل دعوتهم إلى دين الله تعالى.
ولقد كان النبيّ المصطفى كما وصفه علماء السيرة كثير المصائب والبلايا دائم الأحزان، ولقد ابتلى الله حبيبه النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم بكثرة المصائب لرفع درجاته ونيل الثواب الجزيل في الآخرة، لقد ابتلاه الله تعالى بالمصائب والبلايا الكثيرة في نفسه وولده وأصحابه وتحمل صلى الله عليه وسلم الشدائد والأذى الكثير من قومه في دعوتهم إلى الله تعالى.
- بَلَاءُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في أولاده وأهله:
ابتلى الله تعالى نبيّهُ المصطفى صلى الله عليه وسلم بموت أولاده في حياته إلا ابنته السيدة الجليلة فاطمة رضي الله عنها التي عاشت بعده صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ثمّ توفاها الله تعالى، لقد مات أولاده صلى الله عليه وسلم الذكور الثلاثة وهم القاسم وعبد الله وإبراهيم وهم أطفال صغار لم يبلغوا الحلم في حياته صلى الله عليه وسلم وأعْظمْ بها من مصيبة... وما أعظم هذا الموقف المؤثّر الذي وقفه النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم عند وفاة ولده إبراهيم عليه السلام الذي مات ولم يتجاوز السنتين من عمره.
لقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وهو يجودُ بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان بالدموع، فقال له الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها صلى الله عليه وسلم بأخرى وقال: "إنَّ العينَ تدمع والقلبَ يحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنا لفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون".
وعندما ماتت زوجة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم السيدة الجليلة خديجة رضي الله عنها حزن عليها النبيّ المصطفى حزنًا شديدًا لأنها كانت نعم العون والمؤازر والسند له صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله تعالى.
وعن أبي زيد أسامة بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِبّهِ وابنِ حِبّه رضي الله عنهما، قال: أرسلتْ بنتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إنَّ ابني قد احتُضِرَ فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شىء عنده بأجل مسمّى فلتَصْبر ولْتَحْتسب" فأرسلتْ إليه تقسم عليه ليأتينّها، فقام صلى الله عليه وسلم ومعه سعد بن عُبادة ومُعاذ بن جبل وأُبيُّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال رضي الله عنهم، فرُفِعَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبيُّ فأقعده في حجره ونفسه تقَعْقَعُ (أي تتحرك وتضطرب) ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده"، وفي رواية: "في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" متفق عليه.
ولقد كان أبو طالب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا أتتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا مات عمه أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة ثم تُوفّيتْ بعده زوجته خديجة رضي الله عنها بشهر وخمسة أيام وقيل بثلاثة أيام وقيل غير ذلك فحزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا لأنها كانت نعم العون والمؤازر والسند له في دعوته إلى دين الله تعالى وكان النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يَسكُن إليها، وكانت قريش تكف بعض أذاها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى مات أبو طالب، فلما مات بالغوا في أذاه صلى الله عليه وسلم.
ونالت قريش من المصطفى ما لم تكن تناله ولا تطمع فيه، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: "لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك" أي حافظ أباكِ، ويقول بين ذلك: "ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب" واشتد أذى أبي لهب وجميع قريش على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو جهلٍ: أعاهد الله لأجلسن له غدًا بحجر ما أطيق حمله فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني فليصنع بنو عبد مناف ما بدا لهم، قالوا: لا نسلمك أبدًا فامض لما تريد، فلما أصبح أخذ حجرًا كما وصف ثم قعد ينتظره وغدا رسول الله كما كان يغدو فلما جلس احتمل أبو جهل الحجر حتى إذا دنا منه رجع منهزمًا مُنتقَعًا لونه مرعوبًا قد يبست يداه على حَجَره حتى قذفَه من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم قال: قمت إليه لأفعل ما قلت فلما دنوتُ منه عرض لي دونه فحلٌ من الإبل ما رأيت مثل هامته فهمَّ بي أن يأكلني فقال المصطفى: "ذاك جبريل لو دنا لأخذه".
وعسر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عمه أبي طالب وزوجه خديجة رضي الله عنها، هذين الشفوقين المساعدين القائمين معه، ونالت قريش منه من الأذى ما لم تطمع فيه من قبل، وحزن صلى الله عليه وسلم لموتهما حزنًا شديدًا وأقلَّ الخروج ولزم بيته، ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ومعه زيد بن الحارث فقط يلتمس النصرة والمنعة من ثقيف فأقام بالطائف عشرة أيام فما ترك أحدًا من أشرافهم إلا اجتمع به، فلم يجيبوه وسلطوا سفهاءهم وصبيانهم عليه فقعدوا له بالطريق صفين يضربونه بالحجارة في رجليه حتى أَدموهما وزيدٌ يقيه بنفسه حتى شج صلى الله عليه وسلم في رأسه فلما خلص عمد إلى حائط فاستظل في ظل شجرة عنب وكان فيه عتبة وشيبة ابنا ربيعة فكره مكانهما لما يعلم من عداوتهما له، ثم جلس صلى الله عليه وسلم يشكو إلى مولاه وخالقه ما يجد فقال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى عدوٍ يتجهمني أم إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك(1) الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك" ، فأرسل الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال فقال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين - أي جبلي مكة العظيمين - فقال: "لا بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابهم من يعبد الله" ، فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فبعثا قطفًا من عنب مع غلام لهما نصرانيٍ اسمُه عدَّاس فلما وضعه بين يديه قال: بسم الله ثم أكل فنظر عداسٌ في وجهه ثم قال: إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد فقال له المصطفى: "ومن أي البلاد أنت" قال: نصراني من أهل نينوى قال: "أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟" قال: وما يدريك ما يونس قال: "ذاك أخي كان نبيًّا وأنا نبيٌّ" فأكب عداس عليه فقبل رأسه ويديه فلما جاءهما قالا له: ما لك تقبل رأسه ويديه قال: ما في الأرض خير منه قد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبيٌّ قالا: ويلك لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه.
ثم انصرف من الطائف فصار إلى حراء وبعث إلى الأخنس بن شريقٍ ليجيره فأبى، فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال: إن بني عامرٍ لا يجيرون على بني كعب، فبعث إلى المطعم بن عديٍ فأجابه ثم تسلح وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله أن ادخل فلما دخل طاف ثم انصرف إلى منزله.
-------------

1- ليس معنى الوجه في هذا الحديث الجزء والحجم المركب على البدن لأن هذا من أوصاف المخلوقات والله تبارك وتعالى منزّه عن ذلك كله. وليس الله تبارك وتعالى نورًا بمعنى الضوء، بل الله تعالى هو الذي خلق النور، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ (1)﴾ [سورة الأنعام] أي خلق الظلمات والنور، فالله تبارك وتعالى ليس حجمًا كثيفًا كالسموات والأرض وليس حجمًا لطيفًا كالظلمات والنور، لأن الذي خلق المخلوقات لا يشبه المخلوقات بوجه من الوجوه. والله تبارك وتعالى كوَّنَ الأكوانَ ودبَّر الزمانَ، لا يتقيَّدُ بالزمانِ ولا يتخصَّصُ بالمكان، ولا يشغلُهُ شأنٌ عن شأن، ولا يلحقُهُ وهمٌ، ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ، ولا يتخصَّصُ بالذهنِ، ولا يتمثلُ في النفسِ، ولا يتصورُ في الوهمِ، ولا يتكيَّفُ في العقلِ، لا تَلحقُهُ الأوهامُ والأفكارُ، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾ [سورة الشورى].

مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين

قائمة مصيبة المسلمين