مناسبات إسلامية مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين
 ذِكْرُ أخلاقِهِ الشريفة صلى الله عليه وسلم

ذِكْرُ أخلاقِهِ الشريفة صلى الله عليه وسلم

مصيبة المسلمين بموت سيد المرسلين

الخُلُقُ الحَسَنُ مِنْ صِفَاتِ وَشِيَم جميع الأنبياء لأنَّ الله تبارك وتعالى لا يُرسلُ لهداية عباده إنسانًا مَطْعُونًا فيه بِسَفاهة أو بخيانة أو رَذَالة أو كذب في الحديث، لا يُرسل الله عزَّ وجلَّ لهداية عباده إلا إنسانًا نشأ على الصدق والعفة والنزاهة في العِرْضِ والخُلُقِ وحُسْنِ معاملة الناس.
ولقد كان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أوفر الأنبياء حظًّا في ذلك لا يَسْبِقُهُ في ذلك أَحَدٌ بَعْده ولا سَبَقَه أحَدٌ قبله صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الصحابيُّ الجليل أَنسُ بن مالك خادمُ الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا".
وقالت السيدةُ الجليلةُ عائشةُ رضي الله عنها عندما سُئِلتْ عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يَكُنْ فَاحِشًا ولا مُتَفَحّشًا ولا سَخَّابًا في الأسواق، ولا يَجْزي بالسيئة السيئة ولكن يَعْفُو ويَصْفح أو قالت يعفو ويغفر أي يسامح"، رواه أبو داود.
ولقد دلّت الآية الكريمة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ [سورة القلم] على عظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ عندما سُئِلتْ عن خُلُقِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ خُلُقَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان القرءان" رواه مسلم في الصحيح.
فَمَا أكرمه صلى الله عليه وسلم على الله تعالى إذ جَعَل خُلُقَهُ القرءان، يرضى بما يرضاه القرءان ويتأدب بآدابه ويلتزم أوامره ولا يغضب صلى الله عليه وسلم لنفسه وإنّما يغضب إذا انْتهِكَتْ محارم الله تعالى، فإذا انتهكتْ حرمة الله تعالى كان أشدَّ النَّاس غضبًا لله كما ورد ذلك في الحديث الشريف، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقول في حالة الرضا والغضب إلا الحق قطعًا لأنه صلى الله عليه وسلم معصومًا.
ومن جملة أخلاقه عليه الصلىاة والسلام أنَّ الله عزَّ وجلَّ بعثه بالإرفاق أي رِفْقًا بهذه الأمة لكي يتممَ مكارم الأخلاق، قال الله تبارك وتعالى في وصف رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ [سورة التوبة].
وكان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأقواهم قلبًا وأكثرهم جراءة لملاقاة العدو، فقد روى الإمام أحمد بإسناده عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لمّا كان يوم بَدْرٍ اتّقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشَدَّ الناس بأسًا.
وكان النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أسْخَى الناس كَفًّا وأجودَ الناس بذلا في سبيل الله، وأَخبارُ كرمه وسخائه صلى الله عليه وسلم عديدة منها ما رواهُ مسلم عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ما سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا قطّ إلا أعطاه، فأتاه رجل فسأله فأمر له بغنم بين جبلين، فأتى قومه فقال: أَسْلموا فإنَّ محمدًا يُعطي عطاء مَن لا يَخَافُ الفاقة.
وكان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أَصْدقَ الناس لهجةً أي كلامًا وأَوْفى النَّاس ذمةً أي عهدًا وأمانًا، وكان أحسنَهم معاشرةً فقد كان صلى الله عليه وسلم على الغاية من التواضع، وكان أكرمهم في عشرة أي في حُسْنِ صحبة من يصاحبه ويعاشره، لا يحسبُ مَن يجالسه أنّ سواه أقرب إليه منه لِعُظْم إكرامه له.
وكان عليه الصلاةُ والسلامُ أَشَدَّ حياءً مِنَ العذراء في خِدرها، وكان نظره صلى الله عليه وسلم إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، لأنه كان أكثرَ الناس حياءً وأدبًا مع ربه سبحانه وتعالى.
وكان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعًا كيف وقد خُيّر بين أن يكون نبيًّا مَلِكًا أو نبيًّا عبدًا فاختار صلى الله عليه وسلم الثاني وهو أن يكون نبيًّا عبدًا. وكان عليه الصلاة والسلام يُجيبُ كل من دعاه من بعيد أو قريب من عبد أو حر أو فقير أو غني أو دني أو شريف، وكان صلى الله عليه وسلم أرحمَ الناس بكل مؤمن وبكل طائف عليه فلا يختص برحمته من يعقل من الناس بل كانت رحمته صلى الله عليه وسلم تعمُّ جميع الخلائق حتى مَن لا يعقل كالوحش والطير حتى إنَّ الهرة كانت تأتيه فيصغي لها الإناء أي يُميله لها لتشرب منه.
وكان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أعفَّ النَّاس عن فعل المحرمات فلم تمسَّ يده الشريفة صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لا أصافح النساء". وكان عليه الصلاةُ والسلام أشدَّ الناس لأصحابه إكرامًا لهم، ومن ذلك أنَّه كان لا يَمُدَّ رجليه بين جلسائه احترامًا لهم. مَنْ رءاه صلى الله عليه وسلم بديهةً يعني فجأة من غير مخالطته هَابَهُ وعَظّمَه، ومن خالطه وعاشره أحبّه لما يشاهده من محاسن أخلاقه ومزيد شفقته وتواضعه صلى الله عليه وسلم وباهر عظيم تألفه وأخذه بالقلوب، فكانت تحِنُّ إليه صلى الله عليه وسلم الأفئدةُ وتَقَرُّ به العيون وتأنس به القلوب، فكان كلامُهُ عليه الصلاة والسلام نُورٌ ومَدْخَلُهُ نُور ومَخْرجُهُ نُور وعَمَلُهُ نور، إنْ سَكَتَ عَلَاهُ الوقار وإنْ نَطَقَ أَخَذَ بالقلوب والبصائر والأبصار.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وَجْهُهُ حتى تحسبُ وجهَهُ من السرور بَدْرًا نيّرًا.
وكان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم غاية في التواضع يمشي مع المسكين والأرملة إذا أتياه في حاجة من غير ما أنفة، وكان صلى الله عليه وسلم يَخْدمُ نفسه بنفسه من غير أن ينتظر خدمة غيره له، فكان عليه الصلاة والسلام يَخْصفُ نعله أي يخرزها، ويخيط ثوبه أي يرقعه ويعمل في بيته كما يعمل ءاحاد الناس، وكان يحلب شاته ويتعاطى خدمة نفسه بنفسه ولا يعيبه ذلك.
وكان عليه الصلاة والسلام في بيته في مهنة أزواجه أي خدمتهم يتعاطى ذلك معهم وربما تحمّله عنهم جملة، وذلك مثل تقطيع اللحم الذي يقدم إليه للأكل بالسكين، فإنه كان يتولى ذلك بنفسه ولا يأنف من ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يُرْدِف خلفه عبده أو خادمه أو قريبه يفعل ذلك على الحمار وغيره من نحو ناقة أو بغلة ولا يأنف من ذلك.
ومِنْ عظيم أخلاقه عليه الصلاة والسلام أنه كان يُجالسُ الفقراء والمساكين والعبيد والإماء ويعودهم ويزورهم ويتفقد حالهم ويَشْهد جنائزهم ويكرم أهل الفضل والكرام حين يأتون إليه، وربما بَسَطَ لبعضهم رداءه المبارك وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" رواه ابن ماجه والحاكم وغيرهما. وكان عليه الصلاة والسلام يُحافظ على تألف أهل الشرف ترغيبًا لهم ولقومهم في الإسلام، وكان صلى الله عليه وسلم يُقْبلُ بوجهه وحديثه على أشراف القوم.
ومِنْ أخلاقه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يواجه أحدًا من الناس بشىء يكرهه لا سيما جليسه بل يواجهه بالرضا ويقول إذا بلغه عن أحد ما يكرهه: "ما بالُ أقوامٍ يصنعون كذا" ولا يقول ما بال فلان يفعل كذا.
وكان صلى الله عليه وسلم يَمْزَحُ مع أصحابه مؤانسة لهم وتأَلّفًا لما كانوا عليه من شدةٍ، فكان يمازحهم تخفيفًا عليهم، لكنه لا يقول إلا حقًّا لأنه صلى الله عليه وسلم معصومٌ عن الكذب، فالمُزاح لا يُنافي الكمال حيث لم يخرج عن القوانين الشرعية. ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام أنه كان يجلس في الأكل مع العبيد الأرقاء ويتشبه بهم في الجلوس للأكل فلا يترفع عليهم، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا عبد ءاكلُ كما يأكل العبيد وأجلسُ كما يجلس العبيد".
وكان من عظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان يذهب إلى بساتين أصحابه يقصد بذهابه إليهم إكرامهم وتَأَلّفهم، وكان صلى الله عليه وسلم يَعْجَبُ ممّا يعجبون ويضحك مما يضحكون فما كان يُرى صلى الله عليه وسلم بوجهه عبُوس، وكان أصحابه حين يتناشدون فيما بينهم الأشعار بحضرته يضحكون ويذكرون أشياء من أمور الجاهلية فما يزيدهم على أن يشركهم تبسمًا في وجوههم تلطفًا بهم وإيناسًا لهم، فَمَا أَعْظَمَ أخلاقه صلى الله عليه وسلم وحُسن مُعاشرته لأصحابه.
وقد وَسِعَ حِلْمُ النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم جميعَ الناس في معاشرتهم ببسط الخُلُقِ فهم عنده في الحق سواء فقد ثَبَتَ من سيرته عليه الصلاة والسلام أنه ما انتهر خادمًا قطُّ فيما فعله أو تركه وما قال له في شىء صَنَعَه لم صنعته ولا في شىء تركه لم تركته بل كان صلى الله عليه وسلم يقول: "لو قُدّرَ شىءٌ" أي لو قَدّرَ الله فعل هذا الأمر أو الشىء لكان، وكان مَجْلسُهُ عليه الصلاة والسلام مجلسَ حِلْمٍ وصَبْرٍ وحياء يبدأُ من لقيه بالسلام ويُؤثرُ الداخل عليه بالوسادة أو يبسطُ له ثوبًا زيادة في إكرامه.
ومِنْ أَخْلاق النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان شديدَ الرحمة بالخَلْقِ يعفو ويصفح، ومن أمثلة ذلك أنه قيل له: قد دعا نوح على قومه فلو دعوتَ على من وَطِئ ظهرك وأدمى وجهك وكسر رباعيتك ولو دَعوْتَ على دَوْسٍ (قبيلة من اليمن من الأَزْد) وغيرهم من الكفار، فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعِثْتُ رحمة ولم أُبْعَثْ لَعَّانًا" رواه مسلم، فلم يُجب مَن سأله إلى الدعاء عليهم رحمةً بهم بل دعا صلى الله عليه وسلم لهم فقال: "اللهمَّ اهدِ دَوْسًا وَائْتِ بهم مُسلمين" فأصبحوا رُءُوسًا في الإسلام وهذا من عظيم حُسْنِ خُلُقهِ صلى الله عليه وسلم.
كذلك لم يكن النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم فحّاشًا ولا لعَّانًا ولم يكن بخيلًا ولا جَبَانًا أي ضعيف القلب عن القتال ونحوه، وكان عليه الصلاة والسلام يختار أيسر الأمور رحمةً بأمته، فكان صلى الله عليه وسلم إذا خُيّر بين أمرين أو أمورٍ اختار أيسرها إلا أن يكون إثمًا فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه.
فعن السيدة الجليلة عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضَرَبَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَادِمًا له قَطُّ ولا امرأةً له قطُّ وما ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شىء فانتقمه من صاحبه إلا أن تُنتهك محارم الله فينتقم لله عزَّ وجلَّ، وما عُرِضَ عليه أمران أحدهما أيسرُ من الآخر إلا أَخَذَ بأيسرهما إلا أن يكون مأثمًا فإن كان مأثمًا كان أبعدَ الناس منه" رواه البخاريّ ومسلم.
ومن أحواله عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يراه أحد وهو يضحك بملءِ فِيهِ، بل كان ضحكه صلى الله عليه وسلم في أغلب أحواله تبسمًا. وكان عليه الصلاة والسلام يُحِبُّ الفَأْلَ وهو أن يسمع كلامًا حسنًا فيتيمَّنُ به خيرًا، وكان يكره الطّيَرَةَ وهي التشاؤم بالشىء يسمعه أو يراه.
وكان النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم حَليمًا صبورًا لا يجزي بالسيئة مثلها أي لا يجازي الكلامَ والفعلَ القبيحَ بمثله ولكن يقابله بالعفو والصفح مع القدرة على الانتقام، فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنتُ أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه أي جذبه بردائه جبذة شديدة حتى نظرتُ إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَثَّرتْ بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفتَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم ضَحِكَ ثم أمر له بعطاء. رواه البخاري ومسلم.
ومن ذلك عفوه عن المرأة اليهودية التي سَمّتهُ، وعن اليهودي الذي تقاضاه دَيْنه فأغلظ عليه في الكلام فلم يرد الرسول بالمثل فأسلم الرجل. وأخباره عليه الصلاة والسلام في عَفْوِهِ وصَفْحِه وصبره على أذى الغير له كثيرة جدًّا وكلها تشهدُ بعظيم حُسنِ خُلُقِه صلى الله عليه وسلم، فسبحان مَن كمّل حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذه الأوصاف والخصال الجميلة والجليلة، وصدق الله العظيم حيث قال في مُحكم كتابه واصفًا نبيَّه المصطفى صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾ [سورة القلم].

مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين

قائمة مصيبة المسلمين