مناسبات إسلامية مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين
 ذِكْرُ شَىْء مِن مُعْجزاتِهِ صلى الله عليه وسلم

ذِكْرُ شَىْء مِن مُعْجزاتِهِ صلى الله عليه وسلم

مصيبة المسلمين بموت سيد المرسلين

أَيَّدَ الله تبارك وتعالى أنبياءه بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقهم فيما جاؤوا به مِنْ عند الله تبارك وتعالى. والمعجزات جمع مُعْجِزَة والمُعْجِزَةُ هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي عادةً مُوَافق لدعوى النُّبوة سَالِمٌ من المُعَارضة بالمثل يظهر على يد من ادعى النُّبُوّة.
والنبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أكثر الأنبياء معجزات ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًا بينة ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار تُقارب الثلاثمائة معجزة، ومن عظيم فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أنَّ الله تعالى جَمَع له كل ما أوتيه الأنبياء من معجزات وخصائص وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، فمن معجزات النبيّ المصطفى عليه الصلاة والسلام:
الأولى: القرءان، وهو أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفِه، وَوَجْهُ الإعجاز في القرءان أنه حَوَى من قوة البلاغة وحُسْن التركيب والجزالة ما أَعْجَزَ كَافة العرب المشركين عن أن يأتوا بمثله بعد أن تحداهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بذلك مع ما في القرءان من أخبار الأولين مع كونه صلى الله عليه وسلم أُمِيًّا غير مُمَارس للكتب ومع ما فيه من الإنْباء عن الغيب في أمورٍ كثيرة تَحَقّقَ صدقه فيها في الاستقبال.
فائدة: الرسولُ المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أفضلُ الأنبياء وأحسنُهم وجهًا وصوتًا وهو أكثر الأنبياء معجزات.
فائدة في حكم ترجمة القرءان: قال العلماء لا يجوز تَرجمةُ القرءان لأنَّ البَلَاغة التي في القرءان والتي وصلتْ إلى حَدّ الإعجاز لا تُوْجَدُ في الترجمة، ولأنَّ القرءانَ بألفاظه ومَعَانيه لا يُستَطَاعُ الإتيانُ بمثله باللغَة العربية نفسها، فلا يُمْكنُ الإتيان بالترجمة بهذه المرتبة التي هي غاية الفصاحة والبلاغة التي عَجَزَت البلغاء في اللغة العربية عن الإتيان بمثلها، فالقرءان بذلك مُعْجزةٌ، لذلك قال الأئمة العلماء لا يجوز ترجمة القرءان الكريم أي ترجمة ألفاظه لأنه لا توجد لغة كلغة العرب.
ولْيُعْلَمْ أنَّ القرءانَ الكريم للنبيّ المصطفى مُعْجزة باقية على تعاقب الأزمان والسنين وهو معجزةٌ باقية إلى يوم القيامة وأمَّا مُعْجزات سائر الأنبياء فقد انقَرضتْ لوقتها.
الثانية: انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق وانشقّ فرقتين كما قال الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)﴾ [سورة القمر].
وقد كان انشقاقُ القمر أمرًا مُحَقّقًا تَحَقَّقَه في حينه الجمع الغفير والعدد الكثير من الناس عندما شاهدوه منشقًّا فلقتين.
الثالثة: حنين الجذع إليه لما فارقه صلى الله عليه وسلم على المنبر، فصار عليه الصلاة والسلام يخطب على المنبر بعدما كان يخطب إليه، ولم يَسْكن هذا الجذع من حنينه وأنينه حتى أتى إليه صلى الله عليه وسلم فضمّه واعتنقه، فقد أوردَ البخاريُّ في صحيحه: "كانَ في مَسْجد النبيّ جِذْعٌ في قِبلته يقوم إليه فلما وضع المنبر سَمِعنا للجذع مثل أصوات العشائر" أي النوق الحوامل، وفي رواية: "فَنَزلَ عليه فاحتضنهُ وسارَّهُ بشىء"، وفي رواية الترمذي: "فالتزمَهُ وسَكَن".
فائدة: حديثُ مُعْجزة حنين الجذع للنبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم متواترٌ، وهذه المعجزة من أعجب المعجزات، ويَصِحُّ لقائل أن يقول إنها أعجبُ من إحياء الموتى الذي حَصلى للمسيح عليه السلام، لأن إحياءَ الموتى يتضمَّنُ رُجُوعَ هؤلاء الأشخاص إلى مِثلِ ما كانوا عليه قبل أن يَموتوا، وأما الجذْعُ الخشبي فهو من الجماد الذي لم يَكُن من عادته أن يتكلم بإرادة فهو بذلك أعجب وهو من أظهر المعجزات.
فهذا الجِذْعُ الخشبي الذي حَنَّ للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، الله تبارك وتعالى خَلَقَ فيه الإدراكَ والمحبة والشَّوقَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّ لذلك من شدة الشوق، وكان هذا الجذع في قِبلة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام.
الرابعة: نبعُ الماءِ من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: "عَطِشَ الناس يوم الحُدَيْبية فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها وجَهِشَ الناسُ حوله (فزعوا إليه مع إرادة البكاء) فقال: "ما لكم؟" فقالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا ما نشربه إلا ما بين يديك فوضع يَدَهُ صلى الله عليه وسلم في الركوة وجعل الماء يفورُ من بين أصابعه كأمثال العيونِ فشربنا وتوضأنا، قُلْتُ: كم كنتم؟ قال: لو كُنَّا مائة ألف لكفانا كنَّا خَمْسَ عشرةَ مائة".
وهذه المعجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم وَقَعَتْ للنبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم غير مرة ولم يثبت لواحد من الأنبياء مثلها فهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
فائدة: قال العلماء معجزة النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم في نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم الذي كفى به هذا الجيش الكثير أعجب من معجزة تفجير موسى الماء من الحَجَر حين ضربه موسى بعصاه لأنَّ خروج الماء من الحجر معهودٌ بخلاف نبع الماء الزلال من بين الأصابع، وفي هذه المعجزة وفي معجزة رَدّ عين قَتَادة الآتي ذكرها قال بعض المادحين يَمْدحُ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم:
إنْ كان مُوسى سَقَى الأسبَاطَ من حَجَرٍ ***** فإنَّ في الكَفّ مَعنًى ليس في الحَجَرِ
إنْ كان عيسى بَرَا الأَعْمى بدعوته ***** فكم براحته قد رَدَّ من بَصَر
الخامسة: أنَّ عينَ الصحابي قتادة بن النعمان الأنصاري سقطت عينه يوم غزوة أُحُد فردَّها النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت المردودةُ أحدَّ وأحسنَ من العين الصحيحة أي أشدَّ حِدّةً وأقوى نظرًا من السالمة، رواها الحافظان البيهقي والحاكم.
السادسة: تَسبيحُ الحصى بكفّه صلى الله عليه وسلم، قال أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَفًّا من حصًى فَسَبَّحنَ في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا التسبيحَ ثم صَبَّهُنَّ في يدِ أبي بَكر رضي الله عنه فَسَبَّحْنَ ثم في أيدينا فما سَبَّحْنَ.
السابعة: تسبيحُ الطعامِ حين وُضِعَ عنده أي بين يديه صلى الله عليه وسلم فَنَطَقَ وسَبَّحَ الله تعالى، فقد أخرج البخاري من حديث ابن مسعود قال: كنَّا نأكلُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم الطعام ونحنُ نسمعُ تسبيحَ الطعام.
الثامنة: تسليمُ الحجر والشَجر عليه صلى الله عليه وسلم بالنطق فقد أخبر عليّ رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كان يمضي إلى الشّعاب وبطون الأودية فلم يمر بشجر ولا حجر إلا قال: السَّلامُ عليك يا رسول الله".
التاسعة: تَكْليمُ الذراع له صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري لمّا أَهْدَتْ زينبُ بنتُ الحارث له صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة بخيبر فأكل ناسٌ من أصحابه منها منهم بشرٌ فتناولَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكتف فقال: "إنه يخبرني أنه مسموم" فلم يقم بشر من مكانه حتى تغير لونه فمات.
العاشرة: أنَّه صلى الله عليه وسلم جاء إلى قضاء الحاجة ولم يجد شيئًا يستَتر به سوى نَخلتين صغيرتين قد بَعُدَتْ كل واحدة منهما عن الأخرى، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم كُلًّا من النخلتين فأتتْ كل واحدة تشقُّ الأرض شَقًّا فَسَترتا النبيَّ صلى الله عليه وسلم حتى قضى صلى الله عليه وسلم حاجته ثم أَمر النبيّ المصطفى كلًّا منهما بالمضي إلى مكانها فمضى، رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي.
الحادية عشرة: شَهَادةُ الذئب له بالنبوة، فقد روى الطبراني وأبو نُعَيم في "دلائل النبوة": "بينما رَاعٍ يرعى إذ انتهز الذئب شاةً فتبعه الراعي فحال بينه وبينها فقال له: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزقٍ ساقه الله إليّ، قال الراعي: العجب من ذئب مُقْعٍ على ذنبه يكلمني، فقال الذئب: أعجبُ من هذا رسول الله بين الحرتين يدعو النَّاس إلى أنباء ما قد سَبَق". ومعنى "مُقْعٍ" أي جالس جلسة الإقعاء.
الثانية عشر: شَكوى البعير إليه صلى الله عليه وسلم الجهد والمشقة. فعن ابن جعفر أنه أردفه النبيّ صلى الله عليه وسلم خلفه فدخل حائطًا (أي بستانًا) لرجل من الأنصار فوجد بعيرًا فلما رءاه حنَّ واغرورقتْ عيناه فَمَسحَ عليه فَسَكت فنادى (أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم) صاحبه أنه شكى إليَّ أنك تُجِيعُهُ وتدئبه.
الثالثة عشر: أنَّ عينَ عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه بَرِئتْ من الرَّمَدِ حين تفل أي بَصَقَ صلى الله عليه وسلم فيها لوقته وما عاد الرَّمَدُ بعد ذلك أبدًا.
ففي صحيح البخاري أنَّ عليًّا كان يوم خيبر أرمد فقال المصطفى: "لأعطينَّ الراية غدًا رجلًا يُحِبُّ الله ورسوله ويُحبه الله ورسولُهُ يفتح الله على يديه" فدعا (أي النبيّ صلى الله عليه وسلم) عليًّا وكان أَرْمَد فَتَفَل في عينيه..." الحديث. والتَّفْل شبيه بالبَزْق وهو أقلُّ منه.
الرابعة عشر: اقتراب ستّ بُدْنٍ من النبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَسَابَقْنَ إليه للذبح. والبُدْن جمع بَدَنة وهي البعير للنحر.
فقد روى أبو داود والنسائي: "قُرِّب لرسول الله بدناتٌ خمسٌ أو ستٌ أو سبعٌ لينحرها يوم عيد فَطَفَقْنَ يَزْدَلِفْنَ إليه (أي يقتربن منه صلى الله عليه وسلم) بأيتهن يبدأ".
الخامسة عشر: أنَّ المُشْركَ أُبيَّ بن خَلَف كان يَلْقَى المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقولُ له: إن عندي قَعُودًا (هو البعيرُ من الإبل الذي يُمَكّن ظهره من الركوب) أعلفه كل يوم أقتلك عليه، فيقول له عليه الصلاة والسلام: "بل أنا أقتلك إن شاءَ الله" فلمّا كان يوم غزوة أُحُد طعنه النبيّ صلى الله عليه وسلم في عُنقه فَخَدَشَه (أي جرحه في ظاهر جلده) غير كثير فقال: قَتَلَنِي محمدٌ. فقالوا له: ليس بك بأس، قال إنه قال: "أنا قَاتِلُكَ" فلو بَصَقَ علي لقتلني ثم مات بسروٍ، والسرو اسم موضع.
السادسة عشر: أنَّه صلى الله عليه وسلم عَدَّ لأصحابه في بدر مَصَارِعَ الكفار (أي مكان سقوطهم على الأرض قتلى) فقال: هذا مصرع فلانٍ غدًا ويضع يده على الأرض، وهذا وهذا فكان كما وَعَد عليه الصلاة والسلام، وما تجاوز أحد منهم عَن موضع يده صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك في خبر أبي داود ومسلم.
السابعة عشر: أنَّه صلى الله عليه وسلم أخبر عن طوائف من أمته سيركبون وسط البحر يغزون كالملوك على الأَسرّة ومنهم أم حَرام الغميصاء أو الرميصاء بنت ملحان أخت أمّ سليم أم أنس، فكان ذلك كما أخبر عليه الصلاة والسلام، فإنها رضي الله عنها خرجتْ مع زوجها عبادة بن الصامت أوّل ما ركب المسلمون البحر فلما قفلوا وعادوا من غزوهم نزلوا إلى الشام فَقُدّم إليها دابة لتركبها فَصَرَعَتْها فماتت ودفنت رضي الله عنها بجزيرة قبرص وكان أمير الجيش معاوية، رواه البخاري وغيره.
الثامنة عشر: أنَّه عليه الصلاة والسلام قال في الحسن بن علي سِبْطِهِ (أي ولد ولده): "إنَّ ابني هذا سَيّدٌ ولعلَّ الله أن يُصلحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لما توفي أبوه عليّ كرّم الله وجهه بايعه أربعون ألفًا على الموت، ولكنه عليه السلام نزل عن الخلافةِ لمعاوية لا مِنْ قلة ولا من ذلة بل حَقْنًا لدماء المسلمين كما روى ذلك البخاري وغيره.
التاسعة عشر: أنَّهُ عليه الصلاة والسلام دَعَا لعليّ كَرَّمَ الله وجهه بذهاب الحر والبرد عنه فما كان عليٌّ رضي الله عنه يجد بعد ذلك حرًّا ولا بَرْدًا، فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين وفي البرد الشديد ثوبين خفيفين.
العشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام دَعَا لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بفقه الدين وعلم التأويل فقال صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجه: "اللهمَّ فَقِّهْهُ في الدين وعَلّمْه التأويل" فصار ابن عباس رضي الله عنه بَحْرًا زَخّارًا واسعًا في العلم، وصار يُسمّى البحر والحِبْر وتَرْجمان القرءان.
الحادية والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام دعا لخادمه أنس بن مالك رضي الله عنه بكثرةِ المال والولد وبطول عمره، فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ أكثرْ مالَهُ وَوَلدَهُ وبارك فيه" رواه البخاري ومسلم، فَعَاش أنسٌ رضي الله عنه نحو مائة سنةٍ إلا سنة، وكان له نخل يحمل في كل سنة حَمْليْن، وكان ولده لصلبه مائةً وعشرين ولدًا ذكورًا.
الثاني والعشرون: كان عليه الصلاة والسلام بينه وبين عُتَيْبَة بن أبي لهب أذى، وذلك أن عُتيبة بَصَق على النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم فدعا عليه الصلاة والسلام عليه فَتَحَقَّقَ ما دعا به عليه.
وذلك أنه عليه الصلاة والسلام سأل الله تعالى أن يُسَلّطَ عليه كلبًا من كلابه فقتله الأسد قتلًا صعبًا بالزرقاء من أرض اليمامة كما روى ذلك أبو نُعَيْم في "دلائل النبوة".
الثالثة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام لمّا شُكِيَ إليه حَبْسُ المطر وانقطاعه وهو فوق المنبر في خطبة الجمعة فرفع يديه صلى الله عليه وسلم يسأل الله تبارك وتعالى ودعا وما في السماء قزعة - أي قطعة - من الغيم ولا سحابٌ، فطلعتْ سحابة من ورائه مثل الترس حتى توسطت السماء فاتسعت وانتشرت فأمطروا جمعة، من الجمعة إلى الجمعة، وتواترت الأمطار واستمرتْ حتى شكى الناس إليه انقطاع السُّبْل، فدعا عليه الصلاة والسلام الله عزَّ وجلَّ وقال: "اللهمَّ حَوَالَيْنا ولا عَلَيْنا" فأقلعتْ أي كفّت وانقطعت الأمطار، رواه الشيخان وغيرهما.
الرابعة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام أَطْعَمَ الألفَ الذين كانوا معه في غزوة الخندق مِن صَاعِ شعير أو دون صاع، ومن بُهَيْمَة وهي ولد الضأن، فأكلوا وشربوا وانصرفوا وبقي بعد انصرافهم عن الطعام أكثرُ ممّا كان من الطعام كما في الصحيحين عن الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
الخامسة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام أطعمَ أهلَ الخَنْدَقِ أيضًا من تَمْر يسير جدًّا أتَتْ به إليه بنت صغيرة وهي بنتُ بشير بن سَعْد أخت النعمان بن بشير وأنهم - أي أهل الخندق - شبعوا منه جميعًا وكانوا ثلاثة ءالاف، كما رواه أبو نُعَيم في "دلائل النبوة".
السادسة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام أمر عُمَرَ الفاروق رضي الله عنه أن يُزَوّدَ أربعمائة راكب أتوا إليه من تمر كان عنده، فَزَوّدهم رضي الله عنه منه، والتمر كان مقداره كالفَصِيْل الجالس، أي أنَّ الجراب الذي كان فيه التمر كان بمقدار الفصيل وهو ولد الناقة إذا جَلَس، فَزَوّدهم جميعهم وكأنّه ما قَبَضَ أحَدٌ منه تمرة واحدة، رواه أحمد في مُسنده.
السابعة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام أطعمَ جماعةً من أقراص شعير قليلة بحيث جعلها خادمه أنس رضي الله عنه تحت إبْطِهِ لِقِلتها فأكل منها ثمانون رجلًا وشبعوا كلهم وهو كما أُتِي لهم كأنه لم يَمْسَسْه أحد كما جاء ذلك في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
الثامنة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام أَطْعَمَ الجيشَ حتى شبعوا من مِزْوَدٍ - وهو وعاء التمر - لأبي هريرة رضي الله عنه ثم رَدَّ صلى الله عليه وسلم ما بقي فيه لصاحبه أبي هريرة رضي الله عنه ودَعَا له بالبركة، فأكل منه رضي الله عنه في حياةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم في حياةِ أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم إلى حين قُتِل عثمان رضي الله عنه فَضَاع المِزْوَدُ لما نُهِبَ بيت أبي هريرة رضي الله عنه، وقد ذكرَ أهلُ السير أنه حَصلتْ للنبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم معجزةٌ أخرى تَتَعلّقُ بهذا المِزْوَد لصاحبه أبي هريرة رضي الله عنه، وهي أنَّ أبا هريرة حمل من تمر ذلك المِزْود مقدار خمسين وِسقًا وزّعها كلها في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وقد أخرج الحافظ البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: أُصِبْتُ بثلاثِ مَصَائب في الإسلام: "موت النبيّ صلى الله عليه وسلم وقَتْل عثمان، والمِزْود" قيلَ: وما المِزْوَد فذكر نحو ما تقدّم.
التاسعة والعشرون: أنَّه عليه الصلاة والسلام في يوم غزوة حنين رمى الكفار بقبضةٍ من تراب وقال: "شاهت الوجُوه" فامتلأت أعينهم كلهم ترابًا وهُزِمُوا عن ءاخرهم، وأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك قرءانًا فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (17)﴾ [سورة الأنفال] رواه مسلم وأحمد.
الثلاثون: أنَّه عليه الصلاة والسلام لمَّا اجتمعتْ صناديدُ قريش وزعماؤهم المشركون في دار الندوة وأجمعوا على قتله صلى الله عليه وسلم وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسُّيوف ضربة رجل واحد، خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم وَوَضَع الترابَ على رأس كل واحد منهم ولم يَرَهُ منهم أحد.
الحادي والثلاثون: أنَّ الله تبارك وتعالى زَوَى - أي جَمَعَ له الأرض كلَّها وَضَمَّ بعضها لبعض حتى رءاها وشاهد مغاربها ومشارقها وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مُلْكَ أمتي سَيَبْلُغ ما زَوِيَ لي منها" رواه أحمد في مُسنده.
وخَصَّ عليه الصلاة والسلام المغربَ والمشرقَ إشارةً إلى أن مُلْكَ أمته شملهما بخلاف الجهة الجنوبية والشمالية فلم يَبلغ مُلْكُ الأمة الإسلامية منهما مَبلَغَه من المغرب والمشرق.
الثانية والثلاثون: وهي أنّ رُكانة بن عبد يزيد وكان من أقوياء قبيلة قريش، التقى يومًا برسول الله صلى الله عليه وسلم في أَحَدِ جبال مكة فقال له النبيّ عليه الصلاة والسلام (ولم يكن رُكانة قد أسْلمَ بعد): "يا رُكانة ألا تَتّقي الله وتقبلْ ما أدعوك إليه"، فقال رُكانة: إني لو أعلم أنَّ الذي تقوله حق لاتّبعتك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفرأيتَ إن صرعتك أتشهد أنّ ما أقول حق". قال: نعم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "فقُمْ حتى أصارعك"، فتصارعا فأوقعه النبيُّ عليه الصلاة والسلام أرضًا، فاستغرب رُكانة لأنه لم يسبق لأحد من قومه أن غلبه، فطلب رُكانة الإعادة فَتَصَارعا فأوقعه النبيّ صلى الله عليه وسلم أرضًا مرة ثانية، فقال: يا محمد، والله إنّ هذا عجيب، أتصرعني؟ فقال له النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم: "وأعجب من ذلك إن شئت أريك إياه إن اتقيتَ الله واتبعتَ أمري"، فقال: وما هو؟ قال: "أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني"، قال: فادعها، فدعاها حتى وَقَفَتْ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لها: "ارجعي إلى مكانك" فرجعت إلى مكانها فأسلم عندئذٍ رُكانة.
وكم له صلى الله عليه وسلم من معجزات باهرات بيّنات ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار، ولكن اقتصرنا على هذا المقدار خوفًا من الإطالة.

مصيبة المسلمين بموت سيّد المرسلين

قائمة مصيبة المسلمين