من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الأول
 الدرس الثالث والثلاثون- البَغْيُ وقطيعةُ الرحمِ

الدرس الثالث والثلاثون
البَغْيُ وقطيعةُ الرحمِ

جامع الخيرات

جامع-الخيرات درسٌ ألقاهُ المحدثُ الفقيهُ الشيخُ عبدُ االلهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ رحِمهُ اللهُ تعالى وهوَ في بيانِ البَغْيِ وقطعِ الرحمِ وعُقُوبتِهِما.
قال رحمه الله رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى ءاله وسلم.
وبعدُ فقد رُوّينا بالإسنادِ الـمُتصلِ الصحيحِ في مسندِ الإمامِ أحمدَ من حديثِ أبي بَكرةَ نُفَيعِ بنِ الحارثِ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ نبيَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ ما مِنْ ذنبٍ أجدَرُ بأنْ يُعَجِّلَ اللهُ عقوبةَ صاحبِهِ في الدنيا معَ ما لهُ في الآخرةِ منَ البَغْيِ وقطيعةِ الرحمِ1 اهـ.
المعنى أنَّ الذنوبَ التي هيَ أولَى بأنْ يُعَجِّلَ اللهُ عذابها لفاعِلِها في الدنيا معَ العذابِ الذي يُؤخَّرُ لصاحِبها في الآخرةِ ذنبانِ أحدُهُما البَغيُ والثاني قطيعةُ الرحمِ، فالباغي وقاطعُ الرحمِ هذانِ أجدرُ أيْ أوْلَى بأنْ يُعَجِّلَ اللهُ لهما عذابَهُما في الدنيا معَ ما يؤخَّرُ لهما من عذابِ الآخرةِ أي إنَّ هذينِ الذَّنبَينِ أوْلَى الذنوبِ بتعجيلِ العذابِ لفاعِلِهما في الدنيا، أمَّا البَغيُ فهوَ الاعتداءُ على الناسِ والتَّجَبُّرُ إمَّا بسببِ السلطةِ والحُكمِ كأنْ يكونَ الرجلُ حاكمًا فيتجبَّرُ على عبادِ اللهِ فيَبْغيَ على عبادِ اللهِ أيْ يظلِمَهم أو بسببِ الغِنَى فإنَّ بعضَ الأغنياءِ اعتِمادًا على أموالِهِم يَبغُونَ على النّاسِ فيقولُ أحدُهم أنا أفعلُ بفُلانٍ كذا وكذا وأُسَلِّطُ عليهِ أناسًا بمالي أعطيهِم من مالي وأسلِّطُهم عليهِ حتى يُؤذوهُ، هذا باغٍ مَعتمِدٌ على المالِ والأولُ باغٍ مُعتَمِدٌ على السلطةِ والقوةِ والحُكمِ.
الباغي اللهُ تباركَ وتعالى يُعَجِّلُ لهُ في الدنيا عذابًا سوى العذابِ الذي يؤخَّرُ لهُ في الآخرةِ فلْيُحْذَرِ البَغْيُ فإنَّ عاقبتَهُ وخيمةٌ في الدنيا وفي الآخرةِ وخيمةٌ أشدُّ.
كذلك قطيعةُ الرحمِ الذي يقطَعُ رحِمَهُ أيْ يجفوهُم2 يجفو رَحِمَهُ أيْ أقارِبَهُ المؤمنينَ المسلمينَ، فمَنْ كانَ لهُ رَحِمٌ ولو بعيدًا حرامٌ قطيعَتُهُ فمَنْ قطعَ رَحِمَهُ استحقَّ عذابَ اللهِ الشديدَ في الآخرةِ ويُعَجَّلُ لهُ في الدنيا أيضًا. والقطيعةُ أنواعٌ منها أنْ لا يزورَ رحِمَهُ ويجعلَهُ كأنهُ معدومٌ كأنهُ منْ أهلِ القبورِ لا يَزورهُ ولا يُرسِلُ بسلامٍ ولا يكتبُ مكتوبًا بسلامٍ بلْ يجعلُهُ كأنهُ ميّتٌ لا يلتَفِتُ إليهِ هذا قاطِعُ رحِمٍ والآخَرُ هوَ الذي يُؤذي رحمَهُ بسبٍّ أو ضربٍ أو نحوِ ذلكَ هذا أيضًا يقالُ لهُ قاطعُ رحمٍ.
كلُّ قرابةٍ للشخصِ يُسَمَّى رحِمَهُ خالُهُ، خالتُهُ، عمَّتُهُ، أبناءُ خالِهِ، أبناءُ خالتِهِ، أبناءُ عمِّهِ، أبناءُ عمَّتِهِ، جدَّتُهُ، أختُ جدتِهِ، جدُّهُ، أخو جدِّهِ، أخوهُ وابنُ أخيهِ، أختُهُ وابنُ أختِهِ، بنتُهُ وابنُ بنتِهِ وابنةُ بنتِهِ كلُّ هؤلاءِ رَحِمٌ مَنْ قطعَ واحدًا مِنْ هؤلاءِ استحقَّ عذابَ اللهِ. وهذا أحدُ الذّنبينِ اللذَينِ هُما أوْلَى بتعجيلِ العُقُوبةِ في الدنيا سوى العذابِ الذي يُؤَخِّرُهُ اللهُ إلى الآخرةِ فلْيَتَدارَكْ نفسَهُ مَنْ كانَ لهُ رَحِمٌ لا يَصِلُها بالرجوعِ إلى صِلَتِها فلْيتَدارَكْ نفسَهُ قبلَ الموتِ قبلَ أنْ يُنزِلَ اللهُ بهِ عذابًا عقوبةً في الدنيا بقَطْعِهِ لرَحِمِهِ.
وهذا الرَّحِمُ الذي يستحقُّ هذهِ الصلةَ وقطيعتُهُ تكونُ منَ الذنوبِ الكبيرةِ هوَ الرحِمُ المسلمُ أمَّا الرحمُ الكافرُ فليسَ لهُ حقُّ الرحمِ.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------

1- رواه أبو داود والترمذي ورواه أحمد في مسنده باب حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة رضي الله عنه.
2- يعرض عنهم اهـ.


جامع الخيرات
الجزء الأول

قائمة جامع الخيرات