من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الأول
 الدرس الثامن والأربعون - اأحكامُ صيامِ رمضان

الدرس الثامن والأربعون
أحكامُ صيامِ رمضان

جامع الخيرات

جامع-الخيرات درسٌ للشيخِ نزارِ بنِ رشيدٍ الحلبيّ رحمهُ اللهُ أعطاهُ في بيروتَ وهو في بيانِ أحكامِ الصيامِ.
قال رحمهُ الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله ربّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وأصحابهِ أجمعين.
أما بعد فقد قالَ اللهُ تعالى في سورةِ البقرةِ ﴿يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ كما كُتِبَ على الذينَ مِنْ قبلِكُم لعلَّكُم تتَّقُون﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدمَ مِنْ ذنبِهِ" اهـ رواهُ البخاريُّ1.
الصيامُ كغيرهِ منَ العباداتِ لهُ فرائضُ وشروطٌ ومبطلاتٌ يجبُ على الصائمِ أن يتعلَّمَها حتى يكونَ صيامُهُ صحيحًا مقبولاً عندَ اللهِ سبحانهُ وتعالى.
فُرِضَ صومُ رمضانَ في السنةِ الثانيةِ للهجرةِ وقد صامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تسعَ سنواتٍ تُوُفيَ بعدَها. وهوَ فرضٌ معلومٌ منَ الدينِ بالضرورةِ أي أنهُ ظاهرٌ بينَ الـمُسلمينَ يعلَمُهُ الجاهلُ والعالِمُ فمَنْ جحدَ فرضِيَّتَهُ أيْ أنكرَ وجوبَ صيامِ شهرِ رمضانَ فهوَ كافرٌ وأمَّا مَنْ أفطرَ في رمضانَ لغيرِ عُذرٍ شرعيٍّ وهو يعتقدُ وجوبَهُ عليهِ فلا يكفرُ بلْ يكونُ عاصيًا فاسِقًا من أهلِ الكبائرِ يستحقُّ العذابَ الشديدَ في النارِ.
والصيامُ ثابتٌ بالقرءانِ الكريمِ والسنةِ المطهرةِ قال تعالى في سورةِ البقرةِ ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمُ الشهرَ فلْيَصُمْهُ﴾ وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ" وعدَّ منها الصيامَ بقولهِ: "وصومِ رمضانَ" اهـ رواه الشيخان2. ولذلكَ أجمَعَتِ الأمةُ على وجوبهِ في رمضانَ.
وهوَ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ على الصيامِ غيرِ الحائضِ والنفساءِ والمريضِ والشيخِ الهرمِ والمرأةِ العجوزِ الذينَ يَعْجَزُونَ عنه، فلا يصِحُّ الصيامُ منَ الكافرِ الأصليِّ ولا منَ المرتدِّ وهوَ الذي كانَ مُسلمًا وخرجَ منَ الإسلامِ، ولا يصحُّ من حائضٍ ولا نُفساءَ، ولو صامَتَا حالَ وجودِ الدمِ فعلَيهِما إثمٌ وعليهِما القضاءُ ولا يجبُ الصيامُ على الصبيِّ أي غير البالغِ ولكنْ إذا أكملَ عشرَ سنينَ قمريةً منَ العمرِ يجبُ على وليِّ أمرِهِ أن يضرِبَهُ على تركِهِ الصيامَ إذا كانَ مُطيقًا لهُ.
ولا يجبُ على المريضِ الذي يَشُقُّ عليهِ الصومُ ولا على المسافرِ سفرًا طويلاً وعليهما القضاءُ ولو صامَ المريضُ والمسافرُ صحَّ منهما وإذا ضرَّهُما حَرُمَ عليهما، ولا يجبُ الصيامُ على العجوزِ الفاني مخافَةَ التلفِ والموتِ.
ومن فرائضِ الصومِ خمسةُ أشياءَ فالأولُ النيةُ ومحلُّها القلبُ فلا يُشترطُ النطقُ بها باللسانِ وهيَ واجبةٌ لكلِّ يومٍ من رمضانَ في ليلتِهِ3 ولا يصحُّ الصيامُ بدونِ النيةِ فيقولُ بقلبِهِ مثلاً أصومُ يومَ غدٍ عن أداءِ فرضِ رمضانَ هذهِ السنةِ إيمانًا واحتسابًا للهِ تعالى. وكذلكَ يجبُ على الحائضِ والنفساء إذا انقطعَ الدمُ ليلةَ الصيامِ أن تنويَ صيامَ يوم غدٍ من رمضانَ وإن لـم تغتَسِلْ.
والثاني الإمساكُ مِنْ طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ عنِ الأكلِ والشربِ وعنْ إدخالِ كلِّ ما لهُ حجمٌ ولو كانَ هذا الشىءُ صغيرًا إلى الرأسِ أوِ البطنِ أوِ الأمعاءِ ونحوِها مِنْ مَنفَذٍ مفتوحٍ كالفمِ والأنفِ أوِ القبلِ والدبُرِ فإنهُ يُفطرُ بذلك. وأمَّا مَنْ أكلَ أو شربَ ناسيًا ولو كانَ ما أكلهُ أو شربَهُ كثيرًا فلا يُفطرُ لقولهِ صلى4الله عليه وسلم: "إذا نسيَ أحدُكُم وهو صائمٌ فأكلَ وشربَ فلْيُتِمَّ صومَهُ فإنما أطْعَمَهُ اللهُ وسقاهُ" اهـ رواهُ البخاريّ .
ويجبُ على الصائمِ الإمساكُ عنِ الجِماعِ وإخراجِ المنيّ بالاستِمناءِ والـمُباشرةِ فإنهُ مُفطِّرٌ أمَّا إنْ كانَ خروجُهُ بسببِ النظرِ أوِ الفكرِ فهوَ غيرُ مُفطِّرٍ.
وكذلكَ يجبُ على المسلمِ الثبوتُ في الإسلامِ على الدوامِ في رمضانَ وغيرِهِ وذلكَ بتجنُّبِ الوقوعِ في الكفرِ بأنواعِهِ الثلاثةِ: الكفرِ الاعتقاديِّ: كمَنْ يعتقدُ أنَّ اللهَ جسمٌ أو ضوءٌ أو روحٌ أو يُنكِرُ فرضيةَ الصلاةِ والصيامِ أو يستحلُّ شُربَ الخمرِ، والكفرِ الفِعليِّ: كرَميِ المصحفِ في القاذوراتِ، والكفرِ القوليّ: كسبِّ اللهِ أو نبيٍّ منَ الأنبياءِ أو مَلَكٍ منَ الملائكةِ أو الاستهزاءِ بالصلاةِ أو الصيامِ أو أحكامِ الدينِ فمَنْ وقعَ في أيِّ نوعٍ من هذهِ الأنواعِ بطلَ صومُهُ وعليهِ العَودُ فورًا إلى الإسلامِ بالنُّطقِ بالشهادَتَينِ ويلزَمُهُ الإمساكُ بقيَّةَ النهارِ ثمَّ قضاءُ هذا اليومِ بعدَ رمضانَ.
ومِـمَّا يُستَحَبُّ للصائمِ تعجيلُ الفِطرِ إذا تحقَّقَ غُروبَ الشمسِ لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ" اهـ رواه البخاريُّ5. فإذا أفطرَ الصائمُ استُحِبَّ لهُ أن يقولَ "اللهمَّ لكَ صمتُ وعلى رِزقِكَ أفطرتُ"6. ويُستحبُّ لهُ أيضًا تأخيرُ السُّحُورِ إلى ءاخرِ الليلِ وقبلَ الفجرِ ولو بجُرعةِ ماءٍ.
ويتأكَّدُ في حقِّ الصائمِ صَوْنُ لسانِهِ عنِ الغيبةِ والنميمةِ والكلامِ البَذِيءِ وغيرِ ذلكَ منَ الأمورِ الـمُحرَّمةِ وإنْ سبَّهُ مُسلمٌ أوْ قاتَلَهُ فلْيَقُلْ كما علَّمَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ما رواهُ البخاريُّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصيامُ جُنَّةٌ فإذا كانَ يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرفُثْ ولا يَجهَلْ وإنِ امرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ فلْيَقُلْ إني صائمٌ إني صائمٌ"7 اهـ فإنَّ بعضَ الكبائرِ تُذهبُ ثوابَ صيامِ اليومِ الذي وقَعَتْ فيهِ، فالذي لا يَتَورَّعُ عنِ النميمةِ والغيبةِ والشتمِ بغيرِ حقٍّ وشهادةِ الزورِ في خلالِ صومِهِ فقدْ أذهبَ ثوابَ صيامِ يومِهِ.
وليُعلم أنَّ الصبرَ على طاعةِ الله سبحانهُ وتعالى أهونُ منَ الصبرِ على عذابهِ فلا يتهاوَنِ المسلمُ في أداءِ هذهِ الفريضةِ بلْ لِيَكُنْ شهرُ رمضانَ محطةً للتزَوُّدِ بصالحِ الأعمالِ فإنَّ خيرَ الزادِ التقوى.
انتهى وسبحان اللهِ وبحمدهِ واللهُ تعالى أعلم.
------------------

1- رواهُ البخاري في صحيحه باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان.
2- رواه البخاري ومسلم كلٌّ في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بنيَ الإسلام على خمس.
3- اروى البيهقي في السنن الكبرى باب ما عليه في كل ليلة من نية الصيام للغد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لـم يُبيّتِ الصيامَ قبل الفجرِ فلا صيامَ له" اهـ.
4- رواه البخاري في صحيحه باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان وباب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا.
5- رواه البخاري في صحيحه باب تعجيل الإفطار.
6- رواه البيهقي في السنن الكبرى باب ما يقول إذا أفطر.
7- رواه البخاري في باب فرض الصوم ورواه مالك في الموطإ.


جامع الخيرات
الجزء الأول

قائمة جامع الخيرات