من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الأول
 الدرس الرابع والثلاثون- الأشاعرةُ والماتُريديَّةُ على عقيدةِ السلف

الدرس الرابع والثلاثون
الأشاعرةُ والماتُريديَّةُ على عقيدةِ السلفِ

جامع الخيرات

جامع-الخيرات درسٌ ألقاهُ الأصوليُّ الـمُحدثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ رحِمَهُ اللهُ تعالى في بيروتَ وهو في بيانِ عقيدةِ السلفِ قبلَ أنْ يُعْطِيَ الطريقةَ لبَعْضِ المريدينَ.
قالَ رحِمَهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ أمَّا بعدُ فإنَّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم أوصَى أمَّتَهُ بإكرامِ الصحابةِ والتابِعينَ وأتباعِ التابعينَ أهلِ القُرونِ الثلاثةِ الأولى، القرنُ الأولُ مائةُ سنةٍ والقرنُ الثاني كذلكَ والقَرْنُ الثالثُ كذلكَ. هؤلاءِ يُسَمَّونَ السلفَ، هؤلاءِ أفضلُ مِمَّنْ جاءَ بعدَهُم لأنَّ الكذِبَ ما فَشَا فيهم كما فشَا بعدَ ذلكَ. الكذبُ بما فيهِ الكذبُ على الرسولِ والكذبُ على اللهِ ما كانَ بينَ المسلمينَ فاشِيًا في زمانِهِم وأخبرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ أنهُ يَفشُو الكذِبُ بعدَ ذلكَ. هؤلاءِ أيِ الصحابةُ والتابِعُونَ وأتباعُ التابعينَ اتَّبَعَهُمُ الإمامُ أبو الحسنِ الأشعريُّ والإمامُ أبو منصورٍ الماتُريديُّ، هذانِ الإمامانِ إماما أهلِ السنةِ والجماعةِ ومَنْ كانَ على عقيدَتِهِما هو مِنْ أهلِ السنةِ والجَماعةِ. وهذهِ العقيدةُ لا تزالُ إلى يومِ القيامةِ قائمةً في أمَّةِ سيدِنا محمدٍ لا تنقَطِعُ ولو دخلَ فيهمُ التقصيرُ في الأعمالِ لكنْ هذهِ العقيدةُ لا تنقَطِعُ بينَهُم. والآنَ الأشعريَّةُ والماتُريديَّةُ الذينَ هُم أهلُ السنةِ هُم مئاتُ الملايينِ أمَّا مَنْ خالَفَهُم أيْ خالَفَ عقيدةَ أهلِ السنةِ فهُم قِلَّةٌ بالنسبةِ إليهِم.
رُوِّينا في جامِعِ الترمذيِّ بالإسنادِ الصحيحِ المتصلِ عن ابنِ عمر أنَّ عُمَرَ ابنَ الخطابِ رضي اللهُ عنهُ قالَ قامَ فينا رسولُ اللهِ فقالَ: أوصيكُم بأصحابي ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم ثمَّ الذينَ يَلُونَهُم1 اهـ معناهُ اتَّبِعُوا هؤلاءِ ولا تَخْرُجُوا عنْ مُعتَقَدِهِم. جُمهورُ الأمةِ الـمُحمَّديةِ لا يَضِلُّونَ وإنما الضلالُ في الـمُعتَقَدِ يصيرُ في غيرِهِم أمَّا في الجُمهورِ لا يصيرُ. جمهورُ الأمةِ هُمُ الأشاعرةُ والماتُريديَّةُ اليوم. أندُونيسية أكثرُ منْ مائةِ مليونٍ2 أشعريةٌ يَتَّبِعُونَ أبا الحسنِ الأشعريَّ في الاعتِقادِ. هوَ أخذَ عقائدَ الصحابةِ والتابِعِينَ وحرَّرَها بالدَّلائلِ العقليةِ والنَّقليَّةِ ليَكُونَ ذلكَ قَمْعًا لأهلِ الأهواءِ الذينَ يُخالِفُونَ ما كانَ عليهِ الصحابةُ في الاعتقادِ فإنَّ المسلمَ يحتاجُ للدليلِ العقليِّ كما يحتاجُ للدليلِ النقليِّ. الدليلُ العقليُّ يُرْشِدُ إلى معرفةِ اللهِ كما بيَّنَهُ اللهُ تعالى بقولهِ في سورةِ ءال عِمران ﴿الذينَ يَذْكُرونَ اللهُ قِيامًا وقُعُودًا وعلى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرونَ في خَلْقِ السمواتِ والأرضِ﴾ نتيجةُ التَّفَكُّرِ هوَ العلمُ بكمالِ قُدرةِ اللهِ وكمالِ حِكْمَتِهِ وكمالِ عِلْمِهِ لأنَّ الذي ينظرُ في هذهِ المخلوقاتِ يقولُ لا بُدَّ مِنْ مُكَوِّنٍ كَوَّنَ هذهِ المخلوقاتِ وأخرجَها منَ العدمِ إلى الوجودِ لأنَّ العقلَ الصحيحَ لا يقبَلُ أنْ تكونَ هذهِ المخلوقاتُ التي نُشاهِدُها والتي لا نُشاهِدُها دَخَلَتْ في الوجودِ مِنْ غيرِ خالقٍ أخرَجَها منَ العدمِ إلى الوجودِ.
الإمامُ أبو الحسَنِ الأشعريُّ حرَّرَ عقائدَ أهلِ السنةِ بقُوَّةِ الأدلةِ العقليةِ بحيثُ إنهُ أفحَمَ أهلَ البِدَعِ الذينَ كانُوا في زَمَنِهِ مِنْ خوارِجَ ومُعتزلةٍ وجَبريةٍ ومُشبِّهةٍ. المعتزلةُ والجبريةُ على طَرَفَيْ نَقيضٍ وكلٌّ يَدَّعي الإسلامَ أمَّا أهلُ السنةِ فهُم مُخالِفونَ للفَريقَينِ. فمَذهبُ أهلِ السنةِ كالحليبِ الذي يخرُجُ مِنْ بينِ فَرْثٍ ودَمٍ سائغًا للشَّارِبينَ ومذهبُ أهلِ الأهواءِ بخِلافِ ذلكَ.
الإمامُ أبو الحسنِ الأشعريُّ يقولُ في مسئلةِ خلْقِ أفعالِ العِبادِ العبدُ لا يخلُقُ شيئًا إنَّما يفعلُ بِقدرةٍ حادِثةٍ خلَقَها اللهُ فيهِ لا يستطيعُ بها أن يخلُقَ العبدُ شيئًا إنَّما هيَ سَبَبٌ واللهُ تعالى يخلُقُ حركاتِهِ وسكونَهُ ونتائِجَ أفكارِهِ عندما يَصْرِفُ العبدُ هِمَّتَهُ إلى ذلكَ.
الإمامُ أبو الحسنِ الأشعريُّ يقولُ: العبدُ لا يخلُقُ شيئًا ولهُ في ذلكَ دليلانِ دليلٌ عقليٌّ ودليلٌ نقليٌّ. الدليلُ النقليُّ قولُهُ تعالى في سورةِ فاطِر ﴿هلْ مِنْ خالِقٍ غيرُ اللهِ﴾ وقولُهُ في سورةِ الزُّمَر ﴿اللهُ خالقُ كلِّ شىءٍ﴾ كلمةُ شىءٍ تشمَلُ كُلَّ المخلوقاتِ نحن شىءٌ وخَطَراتُ قُلوبِنا وحركاتُنا وسكَناتُنا دَخَلَتْ تحتَ كلمةِ شىءٍ. الموجودُ الحادِثُ كذواتِنا وحرَكاتِنا وسَكَناتِنا يُقالُ لهُ شىءٌ والموجودُ الأزليُّ الذي لا ابتِداءَ لهُ ولا انتِهاءَ لهُ وهوَ اللهُ بصِفاتِهِ علمِهِ ومَشيئَتَهِ وبصَرِهِ وسَمْعِهِ شىءٌ لكنَّ الشىءَ المرادَ في هذهِ الآيةِ ما كانَ موجودًا بعدَ عدمٍ أيْ لـم يكُنْ ثُمَّ كان. أمَّا في غيرِ هذا الموضعِ في بعضِ المواضعِ في القرءانِ كلمةُ شىءٍ تَرِدُ بمعنًى شاملٍ للهِ تباركَ وتعالى وغيرِهِ مِنْ كُلِّ ما دخلَ في الوجودِ، ﴿وهوَ بِكُلِّ شىءٍ عليمٌ﴾3 هنا الشىءُ معناهُ أوسَعُ لأنهُ يشْمَلُ اللهَ تعالى وصِفاتِهِ، اللهُ تعالى يعلَمُ نفسَهُ ويعلَمُ صِفاتِهِ ويعلمُ الحادِثاتِ التي أخرجَها منَ العدمِ إلى الوجودِ.
وأما الفِرْقَتانِ الأُخْرَيانِ وهما المعتزلةُ والجَبْريةُ فالمعتزلةُ تقولُ: العبدُ هو يخلُقُ كلَّ أعمالِهِ الاختياريةِ، والبَقَّةُ تخلُقُ هيَ، وكلُّ ما دبَّ ودرَجَ يخلُقُ هُو، أيْ يُحدِث منَ العدمِ إلى الوجودِ. يقولونَ اللهُ تعالى كان قادِرًا على أن يخلقَ أعمالَ العبادِ قبلَ أن يُعْطيهُم القدرةَ وبعدَ أن أعطاهُم القدرةَ صارَ عاجِزًا.
جعَلُوهُ كما يقولُ المثَلُ: "أدْخَلْتُهُ داري فأخْرَجَني منها". معنى ذلكَ أنهم قالوا اللهُ تعالى أعطَانا قدرةً فنحنُ بها نَخلُقُ فبعدَ أنْ أعطانا صِرْنا مُستَقِلِّينَ مُستَبِدِّينَ بأعمالِنا نحنُ نخلُقُها وهوَ صارَ عاجِزًا عنْ ذلكَ. الإمامُ أبو الحسنِ الأشعريُّ ضَدُّ هؤلاءِ.
أمَّا الجبريةُ فتقولُ: العبدُ لا فِعْلَ لهُ إنَّما هوَ كالريشةِ الـمُعلَّقةِ في الهواءِ تُمِيلُها الريحُ يَمْنةً ويَسْرَةً، فقَوْلُ الناسِ فَعَلَ فُلانٌ كذا أو قالَ فُلانٌ كذا مثلُ قولِنا: سالَ الوادي أو نزلَ المطرُ، معناهُ نحنُ والماءُ الذي يَسيلُ مِنَ الوادي سواءٌ فكَما أنَّ ذلكَ الوادي ما فعلَ ذلك السَّيَلانَ ولا خَلَقَهُ كذلكَ قولُنا: فَعَلْنَا كذا مثلُ ذلكَ ليسَ مِنْ فِعْلِنا كما أنهُ ليسَ مِنْ خَلْقِنا. هؤلاءِ أيضًا ضِدُّ ما عليهِ أبو الحسنِ الأشعريُّ.
أبو الحسنِ الأشعريُّ هوَ الذي وافقَ القرءانَ وقضايا العقلِ. العقلُ يُوافقُ ما عليهِ الأشعريُّ والقُرءانُ مُؤَيِّدٌ لذلكَ. جاءَ أبو الحسنِ الأشعريُّ ضِدًّا لهؤلاءِ وضِدًّا لهؤلاءِ فكانَ الحقُّ فيما ذهبَ إليهِ.
نحنُ في هذا معَ السلفِ معَ الصحابةِ والتابعينَ وأتباعِ التابعينَ كما أنَّنا معَ السلفِ في تنزيهِ اللهِ عن المكانِ والحدِّ والجهةِ وذلكَ لأنَّ اللهَ تعالى قالَ في سورةِ الشُّورى ﴿ليسَ كمِثلهِ شىءٌ﴾ نفَى في هذهِ الآيةِ أنْ يكونَ مُتَحَيِّزًا في جهةٍ منَ الجِهاتِ أو في جميعِ الجِهاتِ ونفَى أيضًا أنْ يكونَ في مكانٍ واحدٍ أو في جميعِ الأمكِنةِ، اللهُ تباركَ وتعالى نزَّهَ نفسَهُ في هذهِ الآيةِ عنِ المكانِ والجهةِ، والسلفُ مَعَنا في ذلكَ.
هذا كتابُ حِليةِ الأولياءِ فيهِ كلامٌ عن سيدِنا عليّ فيهِ نفيُ المكانِ والحدِّ عنِ اللهِ، عنِ النُّعمانِ بنِ سعدٍ قالَ كُنتُ بالكوفةِ في دارِ الإمارةِ دارِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ إذْ دخلَ علينا نَوْفُ بنُ عبدِ اللهِ فقالَ يا أميرَ المؤمنينَ بالبابِ أربعُونَ رجُلاً منَ اليهودِ فقال عليٌّ: عليَّ بهِمْ فلمَّا وقَفُوا بينَ يدَيهِ قالوا لهُ: يا عليُّ صِفْ لنا ربَّكَ هذا الذي في السماءِ كيفَ هوَ وكيفَ كانَ ومتى كانَ وعلى أيِّ شىءٍ هوَ، فاسْتَوَى عليٌّ جالِسًا وقالَ: معشرَ اليهُودِ اسمَعُوا مِنِّي ولا تُبالُوا أنْ لا تَسْألوا أحدًا غَيري إنَّ ربي عزَّ وجلَّ هوَ الأولُ لـم يَبْدُ مِنْ ما ولا مُمازَجٌ معَ ما ولا حالٌّ وَهمًا ولا شَبَحٌ يُتَقَصَّى ولا محجوبٌ فيُحوَى ولا كانَ بعدَ أنْ لـم يكُنْ فيُقالُ حادِثٌ بل جلَّ أنْ يُكيَّفَ الـمُكيَّفُ للأشياءِ كيفَ كانَتْ، بلْ لـم يَزَلْ ولا يزولُ لاختِلافِ الأزمانِ ولا لِتَقَلُّبِ شأنٍ بعدَ شأنٍ، وكيفَ يُوصَفُ بالأشباحِ وكيفَ يُنعَتُ بالألسُنِ الفِصاحِ مَنْ لـم يكُنْ في الأشياءِ فيُقالُ بائنٌ ولـم يَبِنْ عنها فيُقالُ كائنٌ بلْ هوَ بلا كيفيةٍ وهوَ أقربُ مِنْ حبلِ الوريدِ وأبعدُ في الشبهِ مِنْ كلِّ بعيدٍ لا يخفَى عليهِ من عبادِهِ شُخُوصُ لحظةٍ ولا كُرورُ لفظةٍ ولا ازْدِلافُ رَقْوةٍ ولا انبِساطُ خَطوةٍ في غَسَقِ ليلْ داجٍ ولا إدْلاجٍ، لا يَتَغَشَّى عليهِ القمرُ الـمُنيرُ ولا انبِساطُ الشمسِ ذاتِ النورِ بِضَوئِهِما في الكُرورِ ولا إقبالُ ليلٍ مُقبلٍ ولا إدبارُ نهارٍ مُدبرٍ إلا وهوَ مُحيطٌ بما يُريدُ مِنْ تكوِينهِ، فهو العالِـمُ بكلِّ مكانٍ وكلِّ حِينٍ وأوانٍ وكلِّ نهايةٍ ومُدَّةٍ والأمَلُ إلى الخَلْقِ مَضْروبٌ والحدُّ إلى غيرِهِ منسوبٌ4 لـم يخلُقِ الأشياءَ مِنْ أصولٍ أوَّليَّةٍ ولا بأوائلَ كانتْ قبلَهُ بَدِيَّة بلْ خَلَقَ ما خلقَ فأقامَ خلقَهُ وصوَّرَ ما صوَّرَ فأحسنَ صورَتَهُ، تَوَحَّدَ في علُوِّهِ فليسَ لِشىءٍ منهُ امتِناعٌ ولا لهُ بطاعةِ شىءٍ مِنْ خلقِهِ انتِفاعٌ، إجابتُهُ للدَّاعينَ سريعةٌ والملائكةُ في السمواتِ والأَرَضينَ لهُ مُطيعةٌ، عِلْمُهُ بالأمواتِ البَائِدِينَ كعِلْمِهِ بالأحياءِ الـمُتَقَلِّبينَ وعِلمُهُ بما في السمواتِ العُلَى كعِلمِهِ بما في الأرضِ السُّفلى وعِلمِهِ بكلِّ شىءٍ لا تُحَيِّرُهُ الأصواتُ حَيٌّ قَيومٌ سُبحانَهُ كَلَّمَ مُوسى تكليمًا بلا جوارحَ ولا أدواتٍ ولا شَفةٍ ولا لَهَواتٍ5 سُبحانَهُ وتعالى عنْ تَكْيِيفِ الصفاتِ مَنْ زعمَ أنَّ إلهَنا محدودٌ فقدْ جَهِلَ الخالِقَ المعبودَ اهـ.
معنى المحدودِ ليس كما يستَعمِلُهُ بعضُ الناسِ، الشىءُ الصغيرُ يُسَمُّونَهُ محدودًا في عُرفِ العَوامِّ في هذا البلدِ، ليسَ هذا معنى المحدودِ، معنى المحدودِ الشىءُ الذي لهُ مساحةٌ مهما اتَّسَعَ، العرشُ محدودٌ وإنْ كُنَّا لا نعلمُ مِساحَتَهُ. اللهُ تعالى لا يجوزُ أن يكونَ محدودًا، لا يجوزُ أن يكونَ كالذرَّةِ التي هيَ أصغرُ الأجرامِ التي نُحِسُّها بالعَينِ، هذهِ التي تظهرُ منَ الكَوَّةِ، إذا دخلَ ضوءُ الشمسِ منَ الكَوَّةِ تَرى أشياءَ صغيرةً كالغُبارِ إذا أرَدْتَ أنْ تلْمِسَها لا تُحِسُّها مِنْ صِغَرِها فالواحِدُ منها هوَ الذَّرَّةُ، اللهُ تعالى ليسَ كهذهِ ولا كالعرشِ ولا يجوزُ اعتِقادُ أنهُ أوسَعُ مِنْ مِساحةِ العرشِ ءالافَ المراتِ لأنَّ الذي لهُ حدٌّ يحتاجُ إلى مَنْ جعلَهُ على ذلكَ الحدِّ، بذلكَ عَرَفنا أنَّ الشمسَ لا يصِحُّ عقلاً أن تكونَ إلهًا خالِقًا للعالَمِ، بِمَ عَلِمنا أنها مُحتاجةٌ، لأنَّ لها مِساحةً وكلُّ شىءٍ لهُ مِساحةٌ مهما اتَّسَعتْ مِساحتُهُ فهُوَ مخلوقٌ يحتاجُ إلى خالقٍ خلَقَهُ، فعَلِمْنا أنَّ اللهَ لو كانَ لهُ مِساحةٌ لكانَ مُحتاجًا مثلَ الشمسِ. لِهذا المسلمُ السُّنيُّ الذي يَعلَمُ أنَّ اللهَ منزَّهٌ عنِ الحدِّ يَكسِرُ عابِدَ الشمسِ أمَّا مثلُ هؤلاءِ الوهّابيةِ إذا قال لهُ عابِدُ الشمسِ أنا أعبدُ جِسمًا مُنيرًا نافِعًا للعالَمِ أمَّا أنتَ تعبُدُ شيئًا لا تراهُ فكيفَ يكونُ ديني باطلاً ماذا يقولُ لهُ الوهابيُّ، يقولُ لهُ الوهابيُّ قال اللهُ تعالى ويقرأُ لهُ بعضَ الآياتِ، فيقولُ لهُ: أنا لا أومنُ بكِتابِكَ أعطِني دليلاً عقليًّا ماذا يقولُ له، ليسَ عندَهُ دليلٌ عقليٌّ. الدليلُ العقليُّ مهمٌ، الذي ليسَ عنده دليلٌ عقليٌّ قدْ يُواجِهُ عابِدَ الشمسِ فلا يستطيعُ أن يَكْسِرَهُ لأنَّ ذاكَ لا يُؤمِنُ بالقُرءانِ. هؤلاءِ الذينَ عقيدتُهُم أنَّ اللهَ لهُ حدٌّ بقدرِ العرشِ أو أوسَعُ منَ العرشِ ساوَوْا اللهَ بالـمَخلوقينَ، ابنُ تيميةَ قالَ مرة:ً "إنَّ اللهَ بقدرِ العرشِ" ومرةً قالَ: "إنهُ أوسَعُ منَ العرشِ يملأُ العرشَ ويزيدُ"، وجعلَ للهِ تعالى حدًّا فقالَ: "اللهُ لهُ حدٌّ يعلَمُهُ لا نَعْلَمُهُ نحنُ" اهـ يُقالُ لهم العرشُ لهُ حدٌّ اللهُ يَعلَمُهُ لا نعلَمُهُ نحنُ فقدْ ساوَيتُمُ اللهَ بالعرشِ.
وإني أوصِيكُمْ بالثباتِ على نَشْرِ هذهِ العقيدةِ عقيدةِ الأشاعرةِ عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ فإنَّكُم إنْ فعَلتُم تكونونَ أحْيَيْتُمْ دينَ الإسلامِ، حياةُ دينِ الإسلامِ بعقيدةِ أهلِ السنةِ والجَماعةِ، أمّا الـمُشتغِلُ بخِلافِها لا يكونُ خَدَمَ دينَ اللهِ. اثبُتُوا على ذلكَ ولا تُبالُوا بالـمُخالِفينَ مهما نَعَقُوا وكُونوا على ما كانَ عليهِ السلفُ خِيارُ الأمةِ، وكُونوا على القناعة بالقليلِ منَ الرزقِ. القناعةُ بالقليلِ منَ الرزقِ كنزٌ لا ينْفَدُ أمَّا الذي لا يقنعُ بالقليلِ منَ الرزقِ ينْجَرُّ إلى المعاصي. هؤلاءِ بعضُ الذينَ تعرِفونَ ما الذي جرَّهُمْ إلى البِدَعِ في الاعتقادِ، هو عدمُ القناعةِ بالقليلِ منَ الرزقِ.
وعليكُم بتركِ الغضبِ لأنَّ الغضبَ يجُرُّ إلى الهلاكِ، يجُرُّ إلى الكُفرِ، يجُرُّ إلى الافْتِراءِ، يجرُّ إلى قتلِ قريبٍ، يجُرُّ إلى قتلِ صديقٍ وإلى غيرِ ذلكَ منَ المفاسدِ والمهالكِ اهـ.
مشايخُ الطريقةِ سيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ وسيدُنا عبدُ القادرِ والشيخُ شاه نَقْشَبَنْد وغيرُ هؤلاءِ أخذوا منَ البَيعةِ النَّبويَّةِ، الرسولُ صلى الله عليه وسلم كانَ يُبايِعُ على تركِ الشركِ باللهِ وغيرِ ذلك، وهؤلاءِ الذينَ يُبايِعونَ الناسَ يأخُذُونَ على الناسِ البَيْعَةَ على إدامةِ ذِكرِ اللهِ فالبيعةُ النبويةُ أصلٌ لبَيعةِ الطريقةِ فلا يُنكِرُها إلا جاهلٌ، هيَ ليسَ فيها إلا البيعة على ذِكرِ اللهِ فأيُّ بأسٍ في ذلكَ. ويُقالُ لهؤلاءِ المعتَرِضينَ لأيِّ شىءٍ تُنكِرونها فإنْ قالوا الرسولُ لـم يفعلْها يُقالُ لهم هلْ نهى عنها، كمْ منْ أشياءَ تفعَلونَها لـم يفْعَلها رسولُ الله، على أنهُ نَشَأتْ وهَّابيةٌ في الجزائرِ سَكَّرَتِ المحاريبَ الـمُجَوَّفةَ هناكَ في بعضِ المساجدِ.
كذلكَ النَّقطُ في المصاحفِ والعلاماتُ التي تَدُلُّ على انتهاءِ الآياتِ العلامةُ الـمُستديرةُ التي على رُؤوسِ الآيِ ما كانت، كذلكَ علامةُ الحِزبِ علامةُ الجُزءِ كلُّ ذلكَ ما كانَ. كلُّ ذلك بعدَ الرسولِ بزمانٍ فعلَها المسلمونَ فكيفَ تُنْكِرونَ أشياءَ لـم يفعَلها الرسولُ صلى الله عليه وسلم وتسْكُتونَ عن أشياءَ أخرى لـم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم6. والطريقةُ الرفاعيةُ هيَ أقدَمُ الطُّرُقِ، كانَ الشيخُ أحمدُ الرفاعيُّ والشيخُ عبدُ القادرِ الجيلانيُّ في القرنِ السادسِ الهجريّ ثمَّ بعدَ ذلكَ تعدَّدَتْ طرقٌ كثيرةٌ بلغَ عدَدُها أربعينَ، هذهِ الطرقُ غير التِّجانيةِ كلُّها أُحدِثَتْ على وِفاقِ القرءانِ والحديثِ. سيدُنا أحمدُ الرفاعيُّ كانَ عالِمًا مُحَدِّثًا فقيهًا شافعيًّا، كانَ أولياءُ ذلكَ العصرِ يقولونَ هو أجلُّ المشايخِ قدرًا في زَمَنِهِ وكانَ شديدَ التواضعِ والشفقةِ يُقالُ لهُ أبو العَلَمَينِ أيْ علْمِ الظاهرِ وعلمِ الباطنِ ويُقالُ لهُ شيخُ العُرَيجاءِ لأنهُ شفَى بِنتًا اسمُها زينبُ كانتْ عرجاءَ.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------

1- رواه الترمذيُّ في سننه باب ما جاء في لزوم الجماعة.
2- هذا الكلام صدر من سنين بعيدة وأما اليوم فعدد المسلمين في أندونيسية يزيد على مائتَي مليون اهـ.
3- سورة الحديد/الآية 3.
4- أيْ أنَّ غيرَ اللهِ يكونُ محدودًا واللهُ لا يكونُ محدودًا أي ليسَ لهُ مِساحةٌ اهـ.
5- معناهُ أن الله تعالى مُتكلمٌ بلا جوارحَ ليس تكلمُهُ مِنْ فمٍ ولسانٍ ولا لهُ لهواتٌ وأضراسٌ مَثلنا، حروفنا منها ما يخرُجُ منَ الشفتين ومنها ما يخرجُ منَ الحلقِ إلى غيرِ ذلك أما اللهُ تعالى فكلامه ليس بمخارج اهـ.
6- أي مع كونها متعلقة بأمور الدين اهـ.


جامع الخيرات
الجزء الأول

قائمة جامع الخيرات