(فَهُوَ الْقَدِيْمُ) الَّذِي لا أَوَّلَ لَهُ (وَمَا سِوَاهُ) مِنَ الْعَالَمِينَ (حَادِثٌ) وُجِدَ بَعْدَ عَدَمٍ (وَهُوَ الْخَالِقُ) لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ (وَمَا سِوَاهُ) أَيْ كُلُّ الْعَالَمِينَ (مَخْلُوقٌ) لَهُ بِدَايَةٌ فَالْعَالَمُ حَادِثٌ بِجِنْسِهِ وَأَفْرَادِهِ، وَخَالَفَ فِي الْقِسْمِ الأَوَّلِ ابْنُ تَيْمِيَةَ1 فَقَالَ كَالْفَلاسِفَةِ إِنَّ نَوْعَ الْعَالَمِ أَزَلِيٌّ لا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ فَكَفَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ. (فَكُلُّ حَادِثٍ دَخَلَ فِي الْوُجُودِ) سَوَاءٌ كَانَ (مِنَ الأَعْيَانِ) جَمْعُ عَيْنٍ (وَ) هُوَ كُلُّ مَا لَهُ حَجْمٌ أَمْ كَانَ مِنَ (الأَعْمَالِ) الاِخْتِيَارِيَّةِ أَوْ غَيْرِ الاِخْتِيَارِيَّةِ فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالأَعْيَانُ كُلُّهَا (مِنَ الذَّرَّةِ) وَهِىَ أصْغَرُ حَجمٍ نَرَاهُ مُنفَصِلاً عَنْ غَيرِهِ بِالعَينِ المُجَرَدَةِ وَهِيَ الْهَبَاءُ الَّذِي يَظْهَرُ عِنْدَ دُخُولِ نُورِ الشَّمْسِ مِنَ الْكَوَّةِ أَوْ مَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا (إِلَى الْعَرْشِ) الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الْحَجْمُ2 هِيَ بِخَلْقِ اللَّهِ (وَ) كَذَلِكَ الأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ (مِنْ كُلِّ حَرَكَةٍ لِلْعِبَادِ وَسُكُونٍ وَ) وَالأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ مِنَ (النَّوَايَا) جَمْعُ نِيَّةٍ وَهِيَ الْعَزْمُ (وَالْخَوَاطِرِ) جَمْعُ خَاطِرٍ وَهُوَ مَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ بِلا إِرَادَةٍ (فَهُوَ) أَيِ الْحَادِثُ الدَّاخِلُ فِي الْوُجُودِ (بِخَلْقِ اللَّهِ لَمْ يَخْلُقهُ أَحَدٌ سِوَى اللَّهِ لا) خَلَقَتْهُ (طَبِيعَةٌ) وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الأَجْرَامَ كَالنَّارِ طَبِيعَتُهَا الإِحْرَاقُ وَ (لا) خَلَقَتْهُ (عِلَّةٌ) وهِيَ مَا يُوجَدُ الْمَعْلُولُ بِوُجُودِه وَيُعْدَمُ بِعَدَمِه مِثْلُ حَرَكَةِ الإِصْبَعِ الَّذِي فِيهِ خَاتَمٌ عِلَّةٌ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ) بَلْ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ بِتَقْدِيرِهِ وَعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ (﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ﴾) أَيْ أَحْدَثَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ فَلاَ خَلْقَ بِهَذَا الْمَعْنَى) أَيِ الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ (لِغَيْرِ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي سُورَةِ فَاطِرٍ (﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾) أَيْ لا خَالِقَ إِلاَّ اللَّهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا الْعَبْدُ يَخْلُقُ فِعْلَهُ الاِخْتِيَارِيَّ فَكَفَّرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ.
-------------