كتب ومتون القول الجلي في حل ألفاظ مختصر عبد الله الهرري
معاصي القلب

معاصي القلب

القَوْلُ الجَلِىُّ فِى حَلِّ أَلفَاظِ مُخْتَصَرِ عَبْدِ اللَّهِ الهَرَرِى

مَعَاصِي الْقَلْبِ
بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلامَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ الْقَلْبِيَّةِ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْمَعَاصِي الْقَلْبِيَّةِ وَبَدَأَ بِمَعَاصِي الْقَلْبِ قَبْلَ بَاقِي الْمَعَاصِي لأِنَّ الْقَلْبَ أَمِيرُ الْجَوَارِحِ فَقَالَ (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَعَاصِي الْقَلْبِ.
(وَمِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الرِّيَاءُ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ أَيِ الْحَسَنَاتِ) كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ (وَهُوَ الْعَمَلُ) بِالطَّاعَةِ (لأَجْلِ النَّاسِ أَيْ لِيَمْدَحُوهُ وَيُحْبِطُ) الرِّيَاءُ (ثَوَابَهَا) أَيْ ثَوَابَ الطَّاعَةِ الَّتِي قَارَنَهَا (وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ) حَفِظَنَا اللَّهُ مِنْهُ، (وَالْعُجْبُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ شُهُودُ الْعِبَادَةِ) وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا (صَادِرَةً مِنَ النَّفْسِ غَائِبًا عَنِ الْمِنَّةِ) أَيْ غَافِلاً عَنْ تَذَكُّرِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَنِعْمَتِهِ، (وَالشَّكُّ فِي) وُجُودِ (اللَّهِ) أَوْ في قُدْرَتِهِ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ وَحْدَانِيَّتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ شَرْحِ مَعْنَى شَهَادَةِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَهُوَ كُفْرٌ، (وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ) وَهُوَ الاِسْتِرْسَالُ فِي الْمَعَاصِي مَعَ الاِتِّكَالِ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، (وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) وَهُوَ أَنْ يُسِيءَ الْعَبْدُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَيَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ لَهُ وَأَنَّ اللَّهَ لا مَحَالَةَ سيُعَذِّبُهُ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، (وَالتَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِهِ) أَيْ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ (وَهُوَ) نَوْعَانِ الأَوَّلُ (رَدُّ الْحَقِّ عَلَى قَائِلِهِ) لِكَوْنِهِ صَغِيرَ السِّنِّ مَثَلاً مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَهُ (وَ) ثَانِيهِمَا (اسْتِحْقَارُ النَّاسِ) أَيِ ازْدِرَاؤُهُمْ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ مَالاً أَوْ جَاهًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَالْحِقْدُ وَهُوَ إِضْمَارُ الْعَدَاوَةِ) لِلْمُسْلِمِ (إِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْزِمَ فِي قَلْبِهِ عَلَى إِيذَائِهِ أَوْ يَقُولَ قَوْلاً يُؤْذِيهِ أَوْ يَفْعَلَ فِعْلاً يُؤْذِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، (وَالْحَسَدُ وَهُوَ كَرَاهِيَةُ النِّعْمَةِ لِلْمُسْلِمِ وَاسْتِثْقَالُهَا) عَلَيْهِ (وَعَمَلٌ بِمُقْتَضَاهُ) تَصْمِيمًا أَوْ قَوْلاً أَوْ فِعْلاً، (وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَهُوَ أَنْ يُعَدِّدَ نِعْمَتَهُ عَلَى ءَاخِذِهَا حَتَّى يَكْسِرَ لَهُ قَلْبَهُ أَوْ يَذْكُرَهَا لِمَنْ لا يُحِبُّ الآخِذُ اطِّلاَعَهُ عَلَيْهَا فَينْكَسِرُ قَلبَهُ بِذَلِكَ (وَيُبْطِلُ) أَيْ يُحْبِطُ الْمَنُّ (ثَوَابَهَا) أَيِ الصَّدَقَةِ (كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَلَمْ أُعْطِكَ كَذَا) مِنَ الْمَالِ (يَوْمَ كَذَا وَكَذَا) حِينَ كُنْتَ مُحْتَاجًا لِيَكْسِرَ قَلْبَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلامِ الْمُؤْذِي، (وَالإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ) وَهُوَ أَنْ تَغْلِبَ سَيِّئَاتُهُ طَاعَاتِهِ فَيَصِيرَ عَدَدُهَا أَكْبَرَ مِنْ عَدَدِ طَاعَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى وَبِهَذَا يُعَدُّ وَاقِعًا فِي الْكَبيِرَةِ، (وَسُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ) وَهُوَ مِثْلُ الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ (وَ) سُوءُ الظَّنِّ (بِعِبَادِ اللَّهِ) بِغَيْرِ قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَأَنْ يُسْرَقَ لَهُ مَالٌ فَيَظُنُّ أَنَّ السَّارِقَ فُلانٌ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا لا يَجُوزُ، (وَالتَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ) وَهُوَ مِنْ مَعَاصِي الْقَلْبِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ شَيْئًا أَوْ أَكْثَرَ قَدْ حَصَلَ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ، (وَالْفَرَحُ بِالْمَعْصِيَةِ) الصَّادِرَةِ (مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْهَا، (وَالْغَدْرُ وَلَوْ بِكَافِرٍ كَأَنْ يُؤَمِّنَهُ) فَيَقُولَ لَهُ أَنْتَ فِي أَمَانٍ لَنْ أُؤْذِيَكَ (ثُمَّ) إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ (يَقْتُلُهُ) فَهَذَا لا يَجُوزُ، (وَالْمَكْرُ) وَهُوَ إِيقَاعُ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِ بِطَرِيقَةٍ خَفِيَّةٍ، (وَبُغْضُ الصَّحَابَةِ) أَيْ كَرَاهِيَّتُهُمْ وَكَذَا حُكْمُ سَبُّهُمْ1، (وَ) بُغْضُ (الآلِ) وَيَشْمَلُ ذَلِكَ أَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَقْرِبَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ، (وَ) بُغْضُ (الصَّالِحِينَ) وَهُمُ الأَتْقِيَاءُ الَّذِينَ أَدَّوُا الْوَاجِبَاتِ وَاجْتَنَبُوا الْمُحَرَّمَاتِ، (وَالْبُخْلُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ) كَالْبُخْلِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، (وَ) بِمَعْنَاهُ (الشُّحُّ) إِلاَّ أَنَّ الشُّحَّ يَخْتَصُّ بِالْبُخْلِ الشَّدِيدِ كَأَنِ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ (وَالْحِرْصُ) هُوَ شِدَّةُ تَعَلُّقِ النَّفْسِ لاِحْتِوَاءِ الْمَالِ وَجَمْعِهِ بِحَيْثُ لا يُرَاعِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ أَمِنْ حَلالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ وَيَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّوَصُّلَ بِهِ إِلَى التَّرَفُّعِ عَلَى النَّاسِ وَالتَّفَاخُرِ وَعَدَمِ بَذْلِهِ إِلاَّ فِي هَوَى النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ عَصَمَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، (وَالاِسْتِهَانَةُ) أَيْ قِلَّةُ الْمُبَالاةِ (بِمَا عَظَّمَ اللَّهُ) أَيْ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ (وَالتَّصْغِيرُ) أَيِ التَّحْقِيرُ (لِمَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ طَاعَةٍ) كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ مَاذَا تَنْفَعُكَ الصَّلاةُ أَوْ قَوْلِهِمْ أَتُطْعِمُكَ الصَّلاةُ وَتَكْسُوكَ (أَوْ) تَصْغِيرُ (مَعْصِيَةٍ) وَرَدَ الشَّرعُ بِإِستِعْظَامِهَا وَكَذَا تَجْوِيزَهَا كَقَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ بَعْضِ الْمَعَاصِي أَفْعَلُهَا لا بَأْسَ بِذَلِكَ (أَوْ قُرْءَانٍ) كَفِعْلِ الْحَلاَّجِ حِينَ رَءَاهُ بَعْضُهُمْ يَكْتُبُ شَيْئًا فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ هَذَا شَىْءٌ أُعَارِضُ بِهِ الْقُرْءَانَ أَيْ أَعْمَلُ مِثْلَهُ (أَوْ عِلْمٍ) كَقَوْلِ سَيِّدِ قُطُبٍ بِأَنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهِ مَضْيَعَةٌ لِلْعُمُرِ وَالأَجْرِ (أَوْ جَنَّةٍ) كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ الْجَنَّةُ لُعْبَةُ الصِّبْيَانِ (أَوْ عَذَابِ نَارٍ) كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ جَهَنَّمُ مُسْتَشْفَى لا مَحَلُّ تَعْذِيبٍ.
-------------

1- وسبُّهم جملةً كفر والعياذ بالله تعالى كما سيأتى إن شاء الله.

القول الجلي في حل ألفاظ مختصر عبد الله الهرري

قائمة القول الجليّ