(فَيَتَلَخَّصُ مِنْ مَعْنَى مَا مَضَى إِثْبَاتُ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْءَانِ) وَالْحَدِيثِ (إِمَّا لَفْظًا وَإِمَّا مَعْنًى) تَكَرُّرًا (كَثِيرًا) وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَتَعَلَّمَهَا كُلُّ أَحَدٍ (وَ) هَذِهِ الصِّفَاتُ (هِيَ الْوُجُودُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ لا شَكَّ فِي وُجُودِهِ (وَالْوَحْدَانِيَّةُ) أَيْ أَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ (وَالْقِدَمُ أَيِ الأَزَلِيَّةُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ (وَالْبَقَاءُ) أَيْ أَنَّهُ لا نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ لا يَمُوتُ وَلا يَهْلِكُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ (وَقِيَامُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ (وَالْقُدْرَةُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ أَيْ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ عَقْلِىٍّ وَهُوَ مَا يَجُوزُ عَقْلاً وُجُودُهُ تَارَةً وَعَدَمُهُ تَارَةً أُخْرَى (وَالإِرَادَةُ) أَيِ الْمَشِيئَةُ وَهِيَ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنِ الْعَقْلِيِّ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَبِوَقْتٍ دُونَ ءَاخَرَ (وَالْعِلْمُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ شَىْءٍ بِعِلْمِهِ الأَزَلِيِّ يَعْلَمُ ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ شَامِلٍ لِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ لاَ يَتَجَدَّدُ وَلا يَتَغَيَّرُ وَلا يَنْقُصُ وَلا يَزِيدُ (وَالسَّمْعُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ الأَزَلِيِّ الَّذِي لَيْسَ كَسَمْعِ غَيْرِهِ فَسَمْعُ اللَّهِ قَدِيْمٌ وَسَمْعُ غَيْرِهِ حَادِثٌ يَسْمَعُ اللَّهُ بِسَمْعِهِ كُلَّ الْمَسْمُوعَاتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى أُذُنٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى (وَالْبَصَرُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَرَى بِرُؤْيَتِهِ الَّتِى لَيْسَتْ كَرُؤْيَةِ غَيْرِهِ فَبَصَرُ اللَّهِ قَدِيْمٌ وَبَصَرُ غَيْرِهِ حَادِثٌ، يَرَى رَبُّنَا بِبَصَرِهِ كُلَّ الْمُبْصَرَاتِ فَيَرَى ذَاتَهُ وَمَخْلُوقَاتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى حَدَقَةٍ وَلا ءَالَةٍ أُخْرَى (وَالْحَيَاةُ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيٌّ بِحَيَاةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ لا تُشْبِهُ حَيَاتَنَا لَيْسَتْ بِرُوحٍ وَلَحْمٍ وَدَمٍ وَعَصَبٍ وَمُخٍّ (وَالْكَلامُ) أَيْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ وَاحِدٍ أَزَلِيٍّ أَبَدِيٍّ لاَ يُبتَدَأ وَلاَ يُخَتتَم لَيْسَ حَرْفًا وَلاَ صَوْتًا وَلاَ لُغَةً1 (وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ) أَيْ أَنَّهُ لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ (فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ) الثَّلاثَ عَشْرَةَ (ذِكْرُهَا كَثِيرًا فِي النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيِ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ كَمَا مَرَّ (قَالَ الْعُلَمَاءُ تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا وُجُوبًا عَيْنِيًّا) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ،
وَقَالُوا (فَلَمَّا ثَبَتَتِ الأَزَلِيَّةُ لِذَاتِ اللَّهِ) بِالدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ وَالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ (وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةً لأَنَّ حُدُوثَ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ الذَّاتِ) الْمُتَّصِفِ بِهَا لأِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَالْمُتَغَيِّرُ مُحْتَاجٌ لِمَنْ يُغَيِّرُهُ وَالْمُحْتَاجُ لا يَكُونُ إِلَهًا أَزَلِيًّا بَلْ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ، فَلَمَّا ثَبَتَ فِي الْعَقْلِ قِدَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَزَلِيَّتُهُ ثُبُوتًا قَطْعِيًا وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ أَزَلِيَّةً.
-------------